النصيحة فن وذوق وأخلاق
مقالات
282
علي بن راشد المحري المهندي
النصيحة فن وذوق وأخلاق
18 مايو 2023 , 02:00ص
إن النصيحة من أهم مظاهر الدين الإسلامي إيجابية تجاه الآخرين، وهي شعيرة عظيمة دعانا إليها الإسلام بالرفق واللين والموعظة الحسنة، يقول الله تعالى في محكم كتابه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].
وقد علَّمنا رسولنا الكريم لمن يكون النصح؛ فعن تميم بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا خير في قوم ليسوا بناصحين، ولا خير في قوم لا يحبون النصح”.
•فالنصح هَدْيٌ رباني، وهو خُلُق الأنبياء والصالحين، وفي الحقيقة أصبحت النصيحة هذه الأيام من المهمَلَات في حياتنا، وأصبحنا نهملها اعتمادًا على الدعاة والمشايخ، وعلى أنهم فقط مَن يقومون بالنصح للآخرين. وهذا خطأ فادح؛ لأن كل شخص منا يجب عليه النصح لمن حوله من الأهل والأصحاب والجيران والزملاء، فكل شخص صاحب مسئولية عليه أيضا تحمُّل واجب النصح للآخرين.
وحتى يُقبَل منك النصح لا بد أن تراعي حال المخاطبين وظروفهم، وأي الطرق أنفع في نصحهم.
•فعلينا جميعًا أن ننصح بإخلاص من منطلق الحب والخوف على الآخرين من مغبة الوقوع في الخطأ، وليس معايرةً لهم على الأخطاء، فالنصيحة بإخلاص يجعل الله لها قبولًا بإذنه تعالى.
وكذلك من آداب النصيحة أن تنصح لغيرك سرًّا وليس على رؤوس الأشهاد، فتلك فضيحة لا نُصح فيها ولا نَفع والعياذ بالله. يقول أحد الدعاة: (لتكن نصيحتك لأخيك تلميحًا لا تصريحًا، وتصحيحًا لا تجريحًا).
وقال الإمام الشافعي: “من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه”.
وأنشد رحمه الله:
تعمدني بنصحك في انفـرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نـوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
•ومن جوانب النصح المهمة النصيحة لولاة الأمر، وتلك أيضًا لها آداب لا بد من التزامها، فنصيحة ولاة الأمر تكون بالسر والحكمة والهدوء وليس بأسلوب يثير الفتنة في المجتمع، وكذلك الدعاء لهم بظهر الغيب بالصلاح والاستقامة وأن يرزقهم الله البطانة الصالحة الناصحة.
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: “ومن النصيحة لله ولعباده هو الدعاء لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والهداية والصلاح، وأن يمنحهم الله البطانة الصالحة”.
ويجب علينا جميعا تقبُّل النصح من غيرنا، لا سيما إذا كان نصحهم لنا على حقٍّ؛ فلا بد من التغيير للأفضل، وذلك نجاة لنا وليس للناصح، بل الناصح قد بذل ما عليه، وعلينا نحن أيضا قبول النصح منه لأن فيه الخير لنا، فالنصيحة إذا أخذتها بعين الاعتبار فهي نافعة لك بالتأكيد، وإذا قابل البعض النصح بأسلوب مُشِين كالسبِّ أو الشتم علينا تأديبه بالحلم والحكمة والأخلاق العالية، فكل إناء ينضح بما فيه، والإنسان يتعامل مع الآخرين بأخلاقه وتربيته هو وليس كل شخص سيئ نعامله بأخلاقه السيئة.
•فوائد النصيحة للفرد والمجتمع
أولًا: أنها من أعظم أسباب الثبات على الدين؛ لأن الذي ينصح يريد أن يطبق ما نصح به، ولا يخالف فِعْلُه قَوْلَه، قال تعالى عن نبي الله شعيب: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ [هود: ٨٨].
ثانيًا: دليل حب الخير للآخرين والحرص على صلاحهم وبغض الشر لهم كذلك.
ثالثًا: صلاح المجتمع، إذ تشاع فيه الفضيلة وتُستَر فيه الرذيلة.
رابعًا: القضاء على كثير من المنكرات، فكم من مُنكَر زال بسبب نصيحة صادقة.
خامسًا: تنفيذ أمر الله ورسوله الذي هو غاية سعادة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
سادسًا: أنها من أعظم أسباب الهداية، فكم من كافر أسلم بسبب نصيحة! وكم من عاص مرتكب لكبائر الذنوب تاب أو استقام حاله بسبب نصيحة!
روى مسلم في صحيحه من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي -رضي الله عنه-: “فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ”.
•اللهم اجعلنا من الناصحين المخلصين، واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مُضِلّين.
مقالات ذات صلة
مساحة إعلانية
#النصيحة #فن #وذوق #وأخلاق
تابعوا Tunisactus على Google News