النموذج السياسي التونسي بأزمة.. وإجراءات سعيد فرصة نحو الحكم الفعال
قالت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية إن النموذج السياسي التونسي في أزمة، حيث تواجه الديمقراطية الوليدة أكبر تحد لها.
وبحسب مقال لـ «سارة إي يركيس»، الزميلة البارزة في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، عندما انزلقت البلدان المحيطة بها إلى حرب أهلية أو انحدرت إلى الحكم الاستبدادي، أجرت تونس انتخابات وطنية ومحلية حرة ونزيهة، واعتمدت دستورا ديمقراطيا ليبراليا، وشهدت انتقالا سلميا للسلطة.
وأوضحت أنه برغم القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد بتجميد البرلمان وجمع السلطة التنفيذية في يديه، فإنه من السابق لأوانه كتابة تقرير تشريح الجثة حول التجربة الديمقراطية في تونس.
وأردفت تقول: تُظهر تجربة البلاد أن التحول الديمقراطي يتطلب من القادة السياسيين وضع احتياجات بلادهم فوق مصلحتهم الشخصية. كما تظهر أن التحولات الديمقراطية تتسم بطبيعتها بالفوضى وتتطلب دعمًا ماليًا ودبلوماسيًا دوليًا هائلاً حتى تنجح.
ترسيخ الديمقراطية
ومضت تقول: على الرغم من أن تونس أحرزت تقدما هائلاً، إلا أن طريقها نحو ترسيخ الديمقراطية كان وعرًا. على سبيل المثال، أدى الإحباط من الحكومة إلى احتجاجات جماهيرية ودعوات لحل البرلمان في عام 2013. وفي ذلك الوقت، تطلب الأمر حوارًا وطنيا نظمته 4 منظمات مجتمع مدني بارزة لوضع خارطة طريق للخروج من الأزمة. لقد أصبح هذا نمطا مألوفا، حيث كان على القادة السياسيين وقادة المجتمع المدني التونسيين مرارا وتكرارا تصحيح المسار وإعادة الانتقال من حافة الهاوية.
وأكدت أن البحث فيما إذا كانت تصرفات سعيد تشكل انقلابًا يبدو أمرا غير مهم في هذه المرحلة.
وأوضحت أنه لم يكن بمقدور الرئيس التونسي تكريس السلطة في يديه دون دعم الجمهور، مشيرة إلى أن العديد من التونسيين يثنون على الرئيس لاتخاذ إجراءات حاسمة لتخليص تونس مما يرون أنه حكومة فاسدة وغير فعالة فشلت في السيطرة على جائحة كورونا وتركت الاقتصاد في حالة يُرثى لها.
ومضت تقول: في أحد استطلاعات الرأي، قال 87 % من المستجيبين التونسيين إنهم يؤيدون أفعال سعيد، وقال 3 % فقط إنهم يعارضون ذلك.
وتابعت: لقد فشلت حكومات ما بعد الثورة في تونس مرارا وتكرارا في تلبية مطالب الكرامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية التي أشعلت الثورة في المقام الأول. وينتشر الاستياء العام من المؤسسات في البلاد.
انتشار الفساد
وأردفت: في مارس 2021، وفقا لشبكة الأبحاث «البارومتر العربي»، قال ثلث التونسيين فقط إنهم راضون عن نظام الرعاية الصحية في البلاد وربعهم فقط عن نظام التعليم. في غضون ذلك، قال ما يقرب من 90 % من التونسيين إن الفساد منتشر إلى حد كبير أو متوسط في مؤسسات الدولة والأجهزة الوطنية. بالنسبة للعديد من التونسيين، فإن الوضع الراهن ببساطة غير ناجح.
وأضافت: بصراحة، أعرب تحالف من أقوى منظمات المجتمع المدني، تضمن اتحاد الشغل، ونقابة الصحفيين، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، عن دعم مشروط لقرارات الرئيس سعيد، مشددًا على الحاجة إلى حل إجراءات الطوارئ في غضون 30 يوما، على النحو المنصوص عليه في الدستور.
ولفتت إلى أن منظمات المجتمع المدني التونسية جهات فاعلة قوية لعبت تقليديا دورا ضخما في الساحة السياسية.
وأشارت إلى أن اتحاد الشغل على سبيل المثال لديه تاريخ في تنفيذ إضرابات وطنية واسعة النطاق، قادرة على شل البلاد، عندما يتصرف القادة السياسيون ضد مصالحهم.
ونوهت إلى أن منظمات المجتمع المدني كانت حاسمة في مساعدة تونس على تجاوز أزمتها السياسية عام 2013. يمكن لأفعالهم الآن أن تؤدي إلى كسر جهود سعيد.
إجراءات الرئيس
ولفتت إلى أن إجراءات سعيد امتدت إلى تولي صلاحيات قضائية ورفع الحصانة البرلمانية والتهديد بمحاكمة عشرات النواب الذين يتهمهم بالفساد.
وأردفت: مع ذلك، لا ينبغي للمرء أن يستخدم الوضع في تونس لتقديم تعميمات واسعة وشاملة حول توافق الديمقراطية مع العالم العربي. ما هو صحيح، وما أظهرته تونس دائما، هو أن التحولات الديمقراطية صعبة وغالبا ما تكون فوضوية. لكن حقيقة أن التونسيين يمكن أن يختلفوا مع الرئيس ويمكنهم إسماع أصواتهم في معارضة أفعاله تظهر أن بعض الديمقراطية على الأقل لا تزال على قيد الحياة في تونس.
وأضافت: لم يعلن سعيد عن خططه طويلة المدى حتى الآن، لذا فمن غير الواضح نهايتها. لكن هناك العديد من السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تحدث في الأسابيع والأشهر القادمة.
وشددت على أن أحد الاحتمالات هو أن سعيد سيعين رئيسًا جديدًا للوزراء ويفك تجميد البرلمان خلال فترة الثلاثين يومًا التي دعا إليها الدستور، ويعيد المؤسسات التونسية إلى وظائفها السابقة.
استفتاء الدستور
وأردفت: كما طرح سعيد فكرة الاستفتاء الدستوري وقانون انتخابي جديد من شأنه أن يعزز السلطة التنفيذية بشكل دائم في يد الرئيس، إما بإلغاء البرلمان بالكامل أو تقليص سلطته بشكل كبير.
ونوهت إلى أن تنفيذ أي من هذين السيناريوهين سيجعل إعلان سعيد عن الطوارئ مطبقاً مؤقتاً على طريق تونس نحو ترسيخ الديمقراطية.
وأوضحت أنه رغم أن البعض قد يعتبر إجراءاته الأولية غير ديمقراطية، إلا أنها يمكن أن تجعل تونس أكثر قدرة على الحكم الفعال.
وبحسب الكاتبة، لم يتم حل أزمة عام 2013 إلا بعد أن ساعدت أبرز 4 منظمات مجتمع مدني في وضع خارطة طريق يمكن للأحزاب السياسية والجمهور دعمها.
وتابعت: اليوم، حشد العديد من الفاعلين في المجتمع المدني مرة أخرى قواهم لتطوير خارطة طريق أخرى، يخططون لمشاركتها مع الجمهور التونسي وكذلك الرئيس.
وأوضحت أن الخطة يجب أن تحدد خطوات ملموسة لمعالجة الفساد المستشري في تونس، والاعتراف بعدم الثقة العميق الذي يشعر به الشعب التونسي تجاه حكومته.
وأردفت: مثل هذه الخطة، إذا كانت شاملة وملموسة، يمكن أن تفتح الطريق لمخرج تفاوضي من تدابير الطوارئ التي اتخذها سعيد، بما قد يمثل أفضل أمل لتونس للحفاظ على ديمقراطيتها الفتية.
#النموذج #السياسي #التونسي #بأزمة #وإجراءات #سعيد #فرصة #نحو #الحكم #الفعال
تابعوا Tunisactus على Google News