بعد إعلان اتحاد الشغل مقاطعة حوار سعيّد… حلم الجمهورية الجديدة على المحك – رصيف 22
زاد الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضم أكثر من “مليون عضو”، من متاعب رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، الطامح إلى تنفيذ مشروعه السياسي قبل نهاية تموز/ يوليو، عبر إعلانه رسمياً عدم المشاركة في الحوار الوطني المرتقب.
وقال اتحاد الشغل بعد اجتماع هيئته الإدارية، إنه تم الاتفاق على مقاطعة الحوار الذي تم لأنه “شكلي ومعروف النتائج”.
وأكد الاتحاد على لسان الأمين العام، نور الدين الطبوبي، أن هيئته الإدارية وافقت على تنظيم إضراب عام وطني، في القطاعين العام والخاص، احتجاجاً على تجميد الأجور والوضع الاقتصادي السيء.
وبالرغم من أن اتحاد الشغل عُدّ من أبرز المؤيدين للقرارات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيّد، في تموز/ يوليو 2021، إلا أنه يظهر “معارضةً” لانفراد الرئيس في تقرير مصير البلاد، داعياً إلى وجود صيغة تشاركية لإنقاذ البلاد.
ويضع قرار اتحاد الشغل المنظمة في مواجهة مباشرة مع قيس سعيّد، ما سيزيد من متاعب الدولة التي تعاني اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
واصل الرئيس التونسي قيس سعيّد، شقّ طريقه نحو تحقيق مشروعه السياسي غير عابئ بالمعارضة الكبيرة التي يتلقاها من الداخل والخارج، وذلك عبر إصداره مرسوماً يقضي بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية التي تُختصر مهمتها في وضع دستور جديد للبلاد والقطع نهائياً مع المنظومات السابقة، وقال إن أربع منظمات ستشارك فيها من ضمنها الاتحاد، لكنه اليوم يقف أمام ممانعة من النقابة العمالية.
إعلان نقابة “اتحاد الشغل” عن عدم المشاركة في الحوار الوطني وتأييدها لإضراب في القطاعين الحكومي والخاص في تونس، يهدد حلم الرئيس سعيد بجمهورية جديدة
قرار الحوار “على المقاس” عُدّ من طرف أكثر من منظمة امتداداً لجملة من الإجراءات الفردية التي اتخذها سعيّد، لعل أبرزها حل البرلمان وإقالة الحكومة وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وتغيير أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة إلى حلّ لجنة مكافحة الفساد، وصولاً إلى تعيين هيئة انتخابات للإشراف على الاستفتاء الذي يُنظَّم في نهاية تموز/ يوليو.
مثلت هذه القرارات مصدر قلق واستنكار من أطراف سياسية عدة في البلاد وحتى خارجها، لما عدّوه انحرافاً بالمسار الديمقراطي والدفع نحو عودة الديكتاتورية وقمع الحريات.
ويشهد الشارع التونسي هذه الأيام ارتفاعاً في وتيرة الاحتجاجات بين المؤيدين لقرارات الرئيس الذين يدعونه إلى التسريع في محاسبة الفاسدين في إشارة إلى المنظومة التي حكمت البلاد منذ ثورة 2011، وبين معارضين يطالبونه بالتنحي أو العودة إلى طاولة الحوار لتصحيح المسار والقطع مع ما يوصف بـ”الديكتاتورية”.
يشتمل المرسوم الرئاسي عدد 30 لسنة 2022، الذي صدر في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية والمتعلق بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية، على 23 فصلاً موزعةً على خمسة أبواب.
ستتولى هذه اللجنة الاستشارية القانونية إعداد مشروع دستور جديد قال المرسوم إنه “يستجيب لتطلعات الشعب ويضمن مبادئ العدل والحرية في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، وفق ما جاء في الفصول 14 و15 و16 و17”.
وتعارض مجموعة من التنظيمات المشروع، مما يجعل قرار اتحاد الشغل، خطوةً جديدةً تعقّد مشروع سعيّد.
علّق أمين عام حزب التيار الشعبي، زهير حمدي، على هذه الهيئة قائلاً: “إنّ اللجنة الاستشارية القانونية المعلَن عنها في المرسوم الرئاسي لتأسيس الجمهورية الجديدة تشوبها نقائص لا بدّ من تداركها”، مطالباً بضرورة أن تضم إلى جانب اختصاص القانون اختصاصات أخرى مثل علم الاجتماع والفلسفة والتاريخ لأن الدساتير ليست مجرد وثيقة قانونية حسب قوله.
وكان يُفترض أن يشارك في هذه اللجنة ممثلون عن الاتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب كل من اتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الجهات السياسية التي تدعم خطة رئيس الجمهورية واستبعاد كافة الأطراف التي عارضت القرارات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الدولة في الـ25 من تموز/ يوليو 2021. لكن انسحاب نقابة العمال تضع مشروع سعيّد أمام اختبار جديد.
أكد القيادي في حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، أن الوضع العام في البلاد صعب، وزادته تعقيداً سياسة الحكم الفردي التي ينتهجها رئيس الجمهورية من خلال تجميعه السلطات كلها، وهو أمر لم يحدث أبداً في تاريخ تونس الحديثة حسب قوله.
وأضاف العجبوني لرصيف22، أن سعيّد فرض على الجميع أجندةً مُسقَطةً وفرديةً، تحت مسمى الاستشارة الوطنية التي عرفت فشلاً ذريعاً، بالإضافة إلى استفتاء 25 تموز/ يوليو القادم الذي ستقوده هيئة انتخابات تابعة له بعد أن قام بتعيين كل أعضائها.
تندد أطراف مدنية وسياسية بالعملية الاستشارية التي دعا إليها الرئيس سعيد وترى أنها ليست حوارا حقيقيا
وشدد النائب في البرلمان المنحل، على أن التيار الديمقراطي رافض للإجراءات التي قام بها سعيّد، والتي تختزل كل مؤسسات الدولة في شخصه، بعد قيامه بحل الهيئة الوطنية لمراقبة دستورية القوانين، وحل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والمجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة إلى البرلمان.
وأشار العجبوني، إلى أن “كل وسائل النضال مفتوحة للتصدي لهذا المشروع الشخصي وكل أنواع الديكتاتورية”، معلقاً على طريقة الحوار التي يريدها سعيّد، بقوله: “الحوار عادةً ما يكون بين المختلفين وليس بين الذين يحملون الرؤية والمنطق نفسهما”.
رأى المتحدث أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، هو وجود مقاربة تشاركية تضم جميع الأطياف السياسية لإنقاذ البلاد التي وصلت إلى وضع اقتصادي صعب، كما عبّر عن مخاوفه من أن يستهلك قيس سعيّد عشر سنوات أخرى في مرحلة تأسيسية جديدة، من دون أن يجيب على المسألة الجوهرية والأساسية، وهي كيف يمكن أن يصبح الاقتصاد التونسي اقتصاداً وطنياً يخلق الثروة؟
لفت تقرير في صحيفة “واشنطن بوست”، إلى أن الرئيس التونسي انقلب على المؤسسات الديمقراطية وأن أسوأ ما قام به هو استيلاؤه على الهيئة المستقلة للانتخابات التي ستزيد من تعزيز حكمه.
وأضاف التقرير ذاته أن وقف المساعدات المالية التي أعلنت عنها الخارجية الأمريكية، لن تكون كافيةً، بل يجب التنسيق مع الشركاء الأوروبيين.
وأضاف التقرير ذاته أن قيس سعيّد، مثله مثل الحكام المستبدين الآخرين، لا يؤمن بالديمقراطية التمثيلية، التي قال إنها أفلست عام 2019.
وتمارَس على سعيّد ضغوط خارجية من أجل العودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه البرلمان بدور بارز وهي المطالب نفسها التي قدمتها كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.
وعبّر سفراء هذه الدول في بيان مشترك التزامهم المستمر بالشراكة مع تونس من أجل الاستجابة لمطالب الشعب المشروعة.
حول هذه الضغوط أكد أمين عام حزب المسار، فوزي الشرفي، لرصيف22، أن هناك ضغوطاً خارجيةً على تونس فعلاً، “لكن ما نريده اليوم هو أن يكون الحل تونسياً وليس تحت أي ضغط خارجي، وذلك من خلال الجلوس إلى طاولة الحوار لتعديل الأوتار ووضع أسس الانتخابات التشريعية والرئاسية”.
وعبّر أمين حزب المسار، عن رفض حزبه إعادة كتابة الدستور أو تعديله في هذا الظرف الاستثنائي الذي يتطلب أولويات عدة منها الذهاب إلى مجلس تشريعي.
وأضاف أن رئيس الجمهورية انحرف عن المسار الصحيح، وذهب إلى تمرير مشروع شخصي عبر تهميش الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمنظمات الوطنية، بالرغم من الدعوات المتعددة لفتح حوار جدي وصريح من دون شروط مسبقة.
وطالب القيادي في حزب المسار، كل الأحزاب السياسية والمنظمات بتكوين ائتلاف لممارسة ضغط على رئيس الجمهورية لجلبه إلى طاولة الحوار، مضيفاً أن الفوضى والحرب الأهلية والانفجار الاجتماعي هي السبيل الوحيد عند غياب الحوار.
مع اقتراب موعد الاستفتاء، عبّرت هيئة الانتخابات عن استعدادها من الناحية اللوجستية والتشريعية بعد الإعلان عن تركيبتها الجديدة.
وقال محمد التليلي المنصري، عضو الهيئة، إنه قُدّمت أربعة مقترحات بخصوص الروزنامة الانتخابية في مراسلة رسمية لرئيس الدولة حتى يتمّ على ضوئها إصدار المرسوم الخاص بتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء.
وأضاف المنصري، في تصريح لرصيف22، أن رئاسة الجمهورية لم تردّ بعد على مقترحات هيئة الانتخابات، مضيفاً: “ما زلنا ننتظر تفاعل رئاسة الجمهوريّة، لكي تتمكّن الهيئة من تسجيل الناخبين وإجراء كامل مسار العملية الانتخابيّة الخاصّ بالاستفتاء، في الآجال وعلى أحسن وجه”.
ويؤكد عضو هيئة الانتخابات، أن الهيئة أصبحت تحت ضغط، وهناك وضعيات أصبحت غير قابلة للتطبيق مثل مسألة من سيشارك في الاستفتاء، لأن القانون الحالي، يقول إن من سيشارك في الاستفتاء هي الأحزاب النيابية البرلمانية، وبما أن البرلمان تم حله فهذا غير ممكن، لذلك نحن في انتظار رد رئاسة الجمهورية من أجل وضوح الرؤية.
وشدد المنصري، على ضرورة اعتماد التسجيل الإلكتروني لكلّ ناخب بلغ 18 سنةً، عادّاً أنه في حال تطبيق القانون الحالي وعدم تطبيق آلية التسجيل الآلي، فإن عدد المسجلين لن يتجاوز 70 ألفاً وهو رقم ضعيف جداً وسيحرم عدداً كبيراَ من التونسيين من التصويت، خاصةً في ظلّ وجود نحو 2.5 مليون مواطن بلغوا السن القانونية للانتخاب منذ آخر انتخابات جرت سنة 2019″.
#بعد #إعلان #اتحاد #الشغل #مقاطعة #حوار #سعيد #حلم #الجمهورية #الجديدة #على #المحك #رصيف
تابعوا Tunisactus على Google News