بعد الاضطرابات السياسية الأخيرة… هل يسير الاقتصاد التونسي إلى مزيد من الركود؟
يخيم الغموض على الوضع الاقتصادي والمالي لتونس وعلى استثماراتها الأجنبية في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية عقب القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد.ومساء الأحد، قرر الرئيس التونسي تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب وإقالة رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تترأسها شخصية يعينها بنفسه، قبل أن يعلن أيضا عن إعفاء كل من وزير الدفاع الوطني ووزيرة العدل بالنيابة.
وبينما يرى عدد من المحللين وخبراء الاقتصاد أن قرارات الرئيس ستضع البلاد على سكة الإنقاذ المالي خاصة وأن حصيلة العشر سنوات الماضية لم تكن مثمرة، ينبّه شق آخر من عواقب الفوضى السياسية على التوازنات المالية للبلاد وعلاقتها بالمستثمرين الأجانب وبالداعمين الدوليين.
حيث اعتبرت الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني “فيتش” في بيان لها أن قرارات الرئيس “ستقلل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم تونس.. وقد تؤخّر برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهو ما سيكثف الاعتماد على التمويل المحلي ويعمق الضغط على السيولة الخارجية”.
وقبل أسبوعيْن وبسبب تصاعد مخاطر السيولة المالية المحلية والخارجية، خفضت فيتش التصنيف الائتماني الطويل المدى لمصادر العملة الأجنبية في تونس من “ب” إلى “- ب” مع نظرة مستقبلية سلبية.
عواقب اقتصادية وخيمة
وترى الخبيرة الاقتصادية جنات بن عبد الله أن قرارات الرئيس الأخيرة ستكون وخيمة على الوضع المالي والاقتصادي للبلاد، مستدلة بردة فعل سوق المال الدولية بعد أن ارتفع مؤشر مخاطر البلد للدين السيادي لتونس بنقطتين.
وأضافت في تصريح لـ “سبوتنيك” أن هذا الارتفاع هو رد فعل متوقع لسوق المال على اعتبار أن قرارات الرئيس أدخلت البلاد في حالة من الغموض وأربكت نظرة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية للمشهد السياسي والاقتصادي التونسي.
وقالت بن عبد الله إن إقالة رئيس الحكومة ستؤثر على نسق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على اعتبار الوقت الذي يتطلبه تشكيل حكومة جديدة وانخراطها في مسار تسيير شؤون البلاد.
وتابعت “ما تشهده اليوم الساحة السياسية سيؤثر أيضا على ترقيم وكالات التصنيف الدولية لأن هذا الوضع أربك العمل الحكومي وحكم عليه بالشلل لفترة مؤقتة”.
وبينت الخبيرة الاقتصادية أن الدولة التونسية ستكون أمام خيار صعب بحلول الشهر القادم، إما سداد القسط الثاني من قرض بقيمة 500 مليون دولار تنتهي آجاله يوم 5 أغسطس القادم، أو سداد أجور الموظفين وجرايات المتقاعدين، وهو ما سيضع مصداقية الرئيس على المحك وفقا لقولها.
مستقبل ضبابي
وتنظر بن عبد الله بقلق إلى مستقبل الاقتصاد التونسي في ظل غموض الرؤية التي سيتبناها رئيس الجمهورية الذي لم يفصح طوال سنتين من توليه الرئاسة عن أي مشروع اقتصادي واضح المعالم ولم يكشف عن تصوره لمنوال التنمية الذي يجب اعتماده.
وقالت “صحيح أن رئيس الجمهورية انتقد نتائج منوال التنمية الحالي وكان دائم التحدث عن نصرة الفقراء ومقاومة الفساد، ولكنه لم يكشف في المقابل عن المنوال البديل القادر على اصلاح الوضع الاقتصادي والاجتماعي”.
وتابعت “إذا كانت الحكومة القادمة ستتبنى نفس التصورات التي تم انتهاجها منذ الثورة والتي تقف وراء تفقير الشعب وتدمير مقدرته الشرائية، فإن ذلك سيؤدي إلى تثبيت ما هو موجود من فقر وتهميش وبطالة وارتفاع للأسعار”.
وتساءلت بن عبد الله عن طبيعة الحكومة التي ينوي تشكيلها رئيس الدولة وما إذا كان رئيسها سيحظى بصفة رئيس للحكومة بما يعني امتلاكه لاستقلالية القرار أم بصفة رئيس للوزراء بما يعني تبعيته المطلقة لرئيس الجمهورية.
وترى بن عبد الله أن الحكومة الجديدة لن يكون لها هامش تحرك كبير للاستجابة لتطلعات رئيس الدولة بخصوص الجانب الاقتصادي والاجتماعي، بالنظر إلى تواتر الحديث عن الزيادة في الأجور الذي سيؤدي حتما إلى مزيد تفاقم عجز ميزانية الدولة ومزيد ارتفاع الأسعار على اعتبار أن هذه الزيادة لم يقابلها انتاج.
وقالت بن عبد الله إن الحديث عن الاصلاحات، على غرار إعادة الاعتبار للدينار التونسي وإلغاء قانون استقلالية البنك المركزي وإيقاف التوريد العشوائي ومراجعة سياسة المالية العمومية التي تعتمد على التقشف وفتح المجال لتمويل المشاريع العمومية، يتوقف على رؤية رئيس الجمهورية ومقاربته في المشهد الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
بداية لتجاوز الأزمة
على الجانب الآخر، يرى الخبير الاقتصادي والمالي عز الدين سعيدان في حديثه لـ “سبوتنيك” أن الاجراءات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد قد تحمل أملا في الخروج من المأزق الحالي وقد تكون بداية لتجاوز الأزمة السياسية الخانقة، وهو ما سيفتح الباب للتفرغ للإنقاذ الاقتصادي والمالي.
تصوّر يعلله سعيدان بأن الوضع الاقتصادي والمالي في تونس كان في أسوأ حالاته قبل اتخاذ الاجراءات الرئاسية الأخيرة، حيث أن الدولة أصبحت عاجزة حتى عن خلاص أجور الموظفين، قائلا إن أجور الوظيفة العمومية لشهر يوليو الحالي لم يقع دفعها إلى اليوم .
وأضاف أن نسبة النمو المسجلة سنة 2020 كانت في حدود -8.8% وبلغت -3% في الثلاثي الأول لسنة 2021، مشيرا إلى أن الوضع السياسي المتأزم جدا أدى بتونس إلى غياب كامل لكل اجراءات الاصلاح المالي ولأي امكانية للدخول في عملية انقاذ اقتصادي.
وقال سعيدان إن الطريقة التي سددت بها حكومة المشيشي آخر قرض لها بقيمة 500 مليون دولار ضمنته الولايات المتحدة تدل على أنها استنفذت كل الحلول المعقولة والعادية في التصرف في الدين وخاصة الخارجي منه وأصبحت تلجأ إلى حلول خطيرة جدا.
وأوضح أن “الحكومة عمدت إلى اقتراض هذا المبلغ بالدينار من البنوك التونسية التي لا تملك هذه السيولة وهو ما أجبرها على الاقتراض من البنك المركزي وتم تسديد الدين بهذا الشكل، وهو دليل على وضع مالي خطير جدا وعجز غير مسبوق”.
تحديات صعبة وإجراءات عاجلة
ويرى سعيدان أن رئاسة الجمهورية ستكون أمام تحديات صعبة، أولها سداد القسط الثاني من القرض (500 مليون دولار إضافية) الذي ضمنته الولايات المتحدة والذي تنتهي آجاله خلال الأيام القادمة، قائلا “إذا لم تسدد تونس هذا المبلغ فإن أمريكا ستجبر على سداده في سابقة خطيرة ربما تعجل باستدعاء تونس إلى نادي باريس وإلى الدخول في دوامة إعادة جدولة الدين الخارجي”.
وأشار سعيدان إلى خطورة انهيار السندات التونسية بالعملة الأجنبية في السوق المالية الدولية، حيث نزل سعر السند بقيمة 100 دولار إلى 85 دولارا، قائلا “بمثل هذه المعطيات أصبح من المستحيل دخول تونس للسوق المالية الدولية للاقتراض”.
وقال الخبير الاقتصادي إن على رئيس الجمهورية أن يعجّل بالاتصال بكل الدول الصديقة والشقيقة وأن يحاول تعبئة موارد مالية إضافية بالعملة الأجنبية تمكن على الأقل من تسديد القرض القادم.
وأشار إلى أن تونس في حاجة ملحّة إلى طمأنة الأسواق المالية الدولية عن طريق “ضمان الاستقرار ومنع الانفلات وتكوين حكومة بأسرع ما يمكن من الوقت وبتركيبة تمكّن من التفرغ إلى عملية إصلاح اقتصادي طال أمدها وتأخرت كثيرا ولكنها لا تزال ممكنة إلى حد الآن”.
وشدد على ضرورة أن تصاحب هذه الاجراءات قرارات عاجلة وفي مقدمتها خلاص أجور الوظيفة العمومية حتى لو أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة التضخم المالي، داعيا البنك المركزي التونسي إلى لعب دوره في إنقاذ الموقف ومحاولة السيطرة على التضخم.
تابعوا Tunisactus على Google News