بعد هزيمتهم في مصر وتونس والسودان.. سقوط “اخوان” المغرب الانتخابي يؤشر افول الظاهرة الاسلاموية
الرباط – هزت الهزيمة الانتخابية المدوية للاخوان الإسلاميين في المغرب البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية بعد 10 سنوات من قيادته الائتلاف الحكومي، حيث أعلنت الأمانة العامة للحزب استقالة جميع أعضائها وعلى رأسهم الأمين العام سعدالدين العثماني.
فنكسة حزب العدالة والتنمية الانتخابية وإن جاءت بعد نحو عقدين في السلطة على اثر طفرة ما سمي في 2011 بثورات ‘الربيع العربي’ التي صعدت بالإسلاميين للحكم في مصر وتونس وأعطت جماعة الإخوان الليبية فرصة لتصدر المشهد السياسي في خضم الفوضى الأمنية، ترسم على ما يبدو إغلاقا لقوس جماعات الإسلام السياسي.
وتأتي الاستقالة أيضا بعد تعالي أصوات قيادات من داخل الحزب تدعو العثماني للاستقالة وتحمله المسؤولية عن النكسة السياسية للحزب في استحقاق انتخابي كان الإسلاميون يمنون النفس بانتزاع الفوز فيه أو أقله تحقيق نتائج مقبولة لا أن يحصل على 12 مقعدا فقط. وهزيمة الإسلاميين كانت متوقعة على نطاق واسع لكن ليس بهذا الشكل.
من جهته دعا رئيس الحكومة الأسبق عبدالإله بنكيران خلفه سعد الدين العثماني إلى الاستقالة فورا من قيادة حزب العدالة والتنمية وهي الدعوة التي صدرت عن عدد من أعضاء الحزب أيضا.
وقال في رسالة نشرها على فيسبوك “بعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مُني بها حزبنا أرى أنه لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب”.
ودعت أمينة ماء العينين العضو بالحزب والبرلمانية باسمه في الولاية التشريعية المنتهية، العثماني إلى تقديم استقالته. وكتبت في تدوينة الخميس على صفحتها بفيسبوك هذه “نتائج صادمة وقاسية وغير منتظرة حتى من أكثر المتشائمين”،
وتابعت “استعمال المال وعدم تسليم المحاضر كلها أسباب، وإن كانت صحيحة، لا يمكن أن تبرر بأي شكل من الأشكال هذا الاندحار المُحزن لحزب تسلمته القيادة الحالية كبيرا قويا متماسكا وتُسَلِّمه اليوم ضعيفا منكسرا”.
وقالت أيضا “الحقيقة أن حزبنا كان طيلة الفترة السابقة حزبا كبيرا بقيادة صغيرة وعلى الأخ الأمين العام أن يعترف بهزيمة الحزب وأن يقدم استقالته ويدعو إلى وقفة تقييم حقيقية”.
وأضافت “ليس جلدا للذات أو محاولة لتعليق الفشل على قيادة الحزب ولا داعي لأن يخلق الحزب تقاطبا (استقطابا) جديدا بين تيار ينتقد القيادة وتيار يدافع عنها. لقد جربنا هذا الخيار ويجب أن نعتبر بالنتائج”.
ولاحقا دعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في بيان تضمن استقالة أعضائها “مع استمرارهم في تدبير شؤون الحزب”، إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني يوم السبت 18 سبتمبر/أيلول الحالي.
وجاء في البيان أن النتائج المعلنة “غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي”.
واعتبر محللون امس الخميس أن تراجع حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات المحلية والتشريعية التي جرت أمس الاول الأربعاء بالمغرب وتصدرها حزب التجمع الوطني للأحرار، كان متوقعا ولكن ليس بهذه الصورة.
وقال محمد بودن المحلل السياسي والأكاديمي ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية “فوز حزب التجمع الوطني للأحرار كان متوقعا أن يكون ضمن الأحزاب الثلاثة الأولى، لكن المفاجئ هو أن حزب العدالة والتنمية ليس من الأربعة الأوائل، بل وتقهقر إلى المرتبة الثامنة”.
وحصل حزب التجمع على 97 مقعدا من أصل 395 مقعدا، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة بـ82 مقعدا ثم الاستقلال بـ78 مقعدا والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ35 مقعدا وحزب الحركة الشعبية 26 مقعدا والتقدم والاشتراكية 20 مقعدا والاتحاد الدستوري 18 مقعدا والعدالة والتنمية 12 مقعدا، بينما حصلت باقي الأحزاب الأخرى على 12 مقعدا.
وقال بودن “في تصوري أن النتائج حملت فعلا تصويتا عقابيا كبيرا ضد العدالة والتنمية”، مضيفا أنه يعتقد أن حزب العدالة والتنمية “انهزم لأنه لم يرتكز على إنجازات كبيرة ليقنع بها الهيئة الناخبة”.
وأشار إلى أن الحزب “المتصدر يكون دائما مستهدفا، فالعدالة والتنمية لم يفهم أن تصدره نتائج الانتخابات طيلة عشر سنوات، سيجعله مستهدفا من قبل الأحزاب المتنافسة الأخرى”.
ولم يستبعد بودن “السياق الإقليمي الذي تضمن إغلاق قوس الإسلام السياسي في عدد من التجارب”، قائلا “صحيح هذا عامل ثانوي لكن يجب أخذه بعين الاعتبار في التحليل”.
وكان حزب العدالة والتنمية قد تولى رئاسة الحكومة بعد النسخة المغربية بعد مراجعة الدستور في 2011 ووصول الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، كما تصدر النتائج الانتخابية في العام 2016 أيضا.
وقال بودن إن “حزب العدالة والتنمية أنهكته ممارسة السلطة طيلة عشر سنوات ولذلك تبخر كل رصيده ورأسماله الإنتخابي وشعبيته بهذه الطريقة، حتى أن هناك هزيمة للأمين العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني في دائرة انتخابية بالرباط وهذا مؤشر يحتاج إلى قراءة ويحمل أكثر من دلالة”.
وفقد حزب العدالة والتنمية 113 مقعدا، بينما أضاف حزب التجمع الوطني للأحرار في طفرة انتخابية 67 مقعدا وحافظ حزب الأصالة والمعاصرة على موقعه في المرتبة الثانية رغم أنه فقد عشرين مقعدا.
وقال المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي إن الانتخابات التي جرت الأربعاء “كانت مليئة بالرسائل وبالدلالات السياسية سواء من حيث نسبة المشاركة التي فاقت 50 بالمائة، أو عدد المشاركين في اللوائح الانتخابية” على الرغم من الوضع الوبائي في المغرب.
وأضاف أن “هذا في حد ذاته نقطة قوة وتعزيز للتوجه الديمقراطي المبني على احترام دورية وانتظامية الاقتراع المنصوص عليه في الدستور”.
ووصف الشرقاوي التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الحالية بأنه “نكسة”. وقال إن الحزب منذ دخوله إلى المؤسسة الدستورية في عام 1997 يسير في منحى تصاعدي في ما يتعلق بالتمثيل البرلماني.
وأضاف “انتخابات أمس الاول (الأربعاء) هي بداية انهيار حزب العدالة والتنمية، فحتى أشد خصومه وأعدائه لم يتوقعوا أن يكون السقوط بهذه الدرجة وبهذه القوة”.
وعن السيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة، قال بودن إن “الصيغة الأولى تتعلق بتحالف الأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال فهذا يكفي لتكوين أغلبية مريحة بنحو 257 مقعدا، لكن إذا كانت هناك أغلبية بين الأحرار والاستقلال والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي يمكن أن تتجاوز 228 مقعدا فهي أغلبية مريحة أيضا”.
من جانبه اعتبر الشرقاوي أنه من الصعب التنبؤ بالسيناريوهات المحتملة لأن “دائرة المفاجأة ظلت دائما تلاحق عملية تشكيل الحكومات ولكن البديهي أن العدالة والتنمية خارج تشكيل الحكومة المقبلة”.
كما استبعد مشاركة الأصالة والمعاصرة في الحكومة، مشيرا إلى أن الخطاب الذي تبناه في الانتخابات يجعله منطقيا خارج تشكيل الحكومة المقبلة، خاصة بعد أن وجه للأحرار انتقادات لاذعة مثل شراء الأصوات.
وقال “من الصعب أن يتحول هذا الأمر إلى تحالف في ما بعد لأنه سيعطي انطباعا سيئا عن الممارسة السياسية… سيكون الأمر سرياليا”.
وأشار الشرقاوي إلى أن “أكبر المستفيدين هما حزب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال” وربما يكونان في الحكومة المقبلة.
أما رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش فرأى أنّ فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية في المغرب يعكس “إرادة شعبية للتغيير” في ظل هزيمة مدوية لحزب العدالة والتنمية الذي تولى رئاسة الحكومة لنحو عقد.
وقال أخنوش المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة في تصريح صحافي الخميس “هذا انتصار للديمقراطية وتعبير صريح عن الإرادة الشعبية للتغيير”.
وأكد غداة إعلان فوز حزبه بـ97 مقعدا في نتائج جزئية، استعداده “للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب التي تتقاطع معنا في المبادئ والبرامج، تحت القيادة السامية لجلالة الملك”.
وينتظر أن يُعيّن الملك محمد السادس في الأيام المقبلة رئيس حكومة جديد من الحزب الفائز بالانتخابات. وجرت العادة أن يكون أمينه العام. ويتولى أخنوش وهو رجل أعمال ثري، وزارة الزراعة منذ العام 2007 ويوصف بالمقرب من القصر.
كما أنّه لعب دورا أساسيا في تشكيل الحكومة المنتهية ولايتها وتولى فيها حزبه وزارات أساسية مثل الاقتصاد والمالية والصناعة والسياحة. كما شارك في الحكومات المتعاقبة منذ 23 عاما، باستثناء فترة قصيرة بين 2012 و2013.
#بعد #هزيمتهم #في #مصر #وتونس #والسودان #سقوط #اخوان #المغرب #الانتخابي #يؤشر #افول #الظاهرة #الاسلاموية
تابعوا Tunisactus على Google News