بعد 10 سنوات من ثورتها.. تونس على صفيح ساخن
البلاد تشهد موجة اضطرابات عنيفة
تزامنًا مع حلول الذكرى العاشرة لثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، والتي كان يُمنِّي الكثير من التونسيين أنفسهم بأنها ستفتح لهم آفاقًا أرحب نحو مستقبل أفضل؛ تموج تونس بموجة اضطرابات عنيفة، تمثلت في تظاهرات مستمرة منذ عدة أيام في العاصمة ومدن أخرى احتجاجًا على تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والتهميش.
وهذا واقع يحذر مراقبون من تفاقمه في ظل نفاد صبر التونسيين الذين تعاقب عليهم 5 رؤساء، و9 رؤساء حكومات عقب ثورة 2011، دون أن يتمكن أحدهم من إقناع السواد الأعظم من الشعب بأنه يعمل على ضبط بوصلة البلاد في الاتجاه الذي يرتقي إلى تحقيق تطلعات التونسيين؛ فالوضع يزداد تدهورًا، والأفق يزداد انسدادًا، حسب الكثير من المراقبين.
وترى الباحثة في الشؤون المغاربية د. سهام عزوز، أن جميع الحكومات المتوالية على تونس مسؤولة عن الوضع المتردي الذي أسفر عن الاحتجاجات الشعبية؛ لأنها اختارت «سياسات خاطئة» لحل الأزمات المتراكمة.
الاحتجاجات الأحدث، التي تأتي امتدادًا لتحركات مماثلة لم تَخْلُ منها سنوات ما بعد الثورة؛ أججها تعنيف شرطي لراعي أغنام في مدينة سليانة شمال تونس.
وتزامن ذلك مع تعديل وزاري واسع أجراه رئيس الوزراء هشام المشيشي على حكومته شمل نحو نصف تشكيلتها؛ وذلك بعد أقل من 5 أشهر من نيلها ثقة البرلمان.
الاتحاد العام التونسي للشغل حذر من «انفجار اجتماعي مرتقب نتيجة انشغال الائتلافات الحاكمة منذ 2011 بالتموقع وتقاسم الغنائم، وبمواصلة اتباع الخيارات السياسية اللا شعبية التي أثقلت كاهل الشعب وعمقت فقر غالبيته».
وبينما خرجت الحكومة التونسية لتبرر إلقاء القبض على المئات ممن شاركوا في التظاهرات التي تخللتها أعمال عنف، بوصف هذه الاحتجاجات بأنها محاولات للتخريب ونهب ممتلكات خاصة وعامة– رأى اتحاد الشغل أنه «ليس من الحكمة» الاستمرار في حالة إنكار الواقع وقصر الأمر على اللجوء إلى الحل الأمني.
وحذر محللون سياسيون تونسيون من خطورة أن يفقد المواطنون الثقة بـ«السياسة والسياسيين»، في ظل خلافات وتنازعات بين السلطات حول الصلاحيات، دون أن يشعر المواطنون بسعي حقيقي من النخبة الحاكمة إلى تحقيق طموحاتهم.
ويرى المحلل السياسي التونسي بلحسن اليحياوي أن «عدوى» مشاهد العنف انتقلت إلى الشارع بعدما وجدت طريقها أولًا داخل البرلمان؛ حيث احتدمت الخلافات بين الأحزاب مؤخرًا ووصلت إلى حد الاعتداء الجسدي، في مشهد استدعى تدخل الرئيس قيس سعيد الذي حذر من أن بلاده على شفا «أزمة نظام».
وهو توصيف فتح أبواب الجدل حول إخفاق النظام البرلماني، وإمكانية العودة إلى النظام الرئاسي، لا سيما في ظل حديث عن خلافات حول الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة.
ويرى هشام العجبوني النائب في البرلمان عن الكتلة الديمقراطية المعارضة، التي تضم حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب؛ أن التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي مطلع الأسبوع الجاري كان متوقعًا، في ظل خلافاته مع سعيد، واصفًا إياه بأنه «يندرج في إطار الصفقة التي أُبرمت بين المشيشي ونبيل القروي رئيس حزب قلب تونس، وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، قبل منح حكومة المشيشي ثقة البرلمان».
وأضاف أن هذه «الصفقة» هي التي حتَّمت ضرورة إجراء تعديل وزاري يخص الحقائب المحسوبة على الرئيس التونسي؛ إذ تمت الإطاحة بالوزراء المتهمين بالموالاة لسعيد.
وفي الوقت ذاته، تعمل أحزاب ممثلة في كتل برلمانية على عزل الغنوشي من رئاسة البرلمان، ورفع الحصانة عن نواب من ائتلاف الكرامة المتحالفين مع النهضة، ومنهم رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف؛ بسبب «تجاوزات دستورية وقانونية».
وتقع على معظم التونسيين الإسلاميين مسؤولية الفشل في إدارة الدولة، وفي استشراء الفساد والمحسوبية وغلبة المصالح الفئوية والحزبية على حساب المصالح العليا للبلاد.
وهذه تجاذبات سياسية متشابكة يشعر المواطن التونسي معها أنه خارج جميع الحسابات، في ظل رُزوحه تحت وطأة واقع اقتصادي صعب، أضافت إليه تداعيات أزمة كورونا بعدًا آخر لم يعدُ التونسيون يحتملونه.
فبلغة الأرقام، يُتوقع أن يسجل اقتصاد البلاد انكماشًا بنسبة 7% لعام 2020، فضلًا عن نسبة البطالة البالغة 16.2% التي تفوق الضعف في عدد من الولايات الداخلية، مع الوضع في الاعتبار أن ثلث العاطلين عن العمل في تونس من حمَلة الشهادات العليا.
صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية من جهتها رأت أن «التظاهرات التي تشهدها بعض المناطق في تونس، تُبرز عمق الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، في ظل إحباط شديد يعاني منه المواطنون، نتيجة الفقر وارتفاع نسبة البطالة».
وأضافت الصحيفة: «لمَّح مسؤولون إلى أنهم سيسعون إلى الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، لسد الارتفاع في احتياجات التمويل الخارجي بالنسبة إلى الدولة، لكن الاقتراض سيعتمد على إصلاحات مؤلمة، لم تكن الحكومات السابقة قادرة على اتخاذها».
وتابعت: «أدى تدهور الاقتصاد إلى تقويض الثقة بالنظام السياسي والسياسيين الذين ظهروا بعد الثورة التونسية، وساهم ذلك في الصعود السريع في استطلاعات الرأي لعبير موسى الزعيمة الحزبية المثيرة للجدل والمسؤولة السابقة في حزب الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي».
ووجَّه وباء كورونا ضربة قوية إلى قطاع السياحة الذي يعتبر ركيزة للاقتصاد التونسي، ومصدرًا للعملة الصعبة، وأصبح هذا القطاع يعاني من أزمات متواصلة منذ عام 2011، وخسر كثير من العاملين في المنشآت السياحية وظائفهم التي كانت تُعيل عشرات العائلات.
بموازاة ذلك، تعطلت أنشطة استخراج الفوسفات والنفط في ولايات مثل قفصة وتطاوين في جنوب البلاد؛ بسبب الاحتجاجات والتظاهرات المطالِبة بالتشغيل وتحسين البنية التحتية.
وتراجع إنتاج الفوسفات إلى أدنى مستوياته منذ نحو 8 ملايين طن سنويًّا في 2010 إلى 500 ألف طن أو أكثر بقليل في سنوات ما بعد الثورة، وخسرت تونس الأسواق التقليدية في منافسة المغرب ودول أخرى.