بوابة روز اليوسف | تأثير التنافس الدولي على الأوضاع الاقتصادية في إفريقيا
تعد إفريقيا بما تشكّله من مخزون هائل من الموارد الطبيعية الاستراتيجية من أهم مناطق الصراع بدءا بالاحتلال الأوروبي السابق مرورًا بالصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقا، وصولاً إلى بروز الصين كقوى صاعدة جديدة في التنافس على مصادر الطاقة.
ويعد التنافس الأمريكي الصيني الروسي على الموارد الإفريقية الأكثر بروزا من حيث بسط تأثيراتهما عليه والسيطرة على مصادره، واستخدامهما كافة الأساليب السياسية والعسكرية والتجارية للحصول عليه، ويترجم هذا التنافس من خلال وسائل مختلفة متمثلة في التواجد العسكري الأمريكي والروسي مقابل القوة الناعمة الصينية الاقتصادية والدبلوماسية. من المهم هنا تحديد تأثير التنافس الدولي على إفريقيا من خلال عرض أهم القوى الخارجية التي تتكالب على إفريقيا متمثلة في أمريكا والصين وروسيا وملامح هذا التنافس ومؤشرات نفوذ هذه القوى داخل إفريقيا، والآثار التي تترتب على هذا التنافس وفرص استفادة إفريقيا وتحقيق النمو في ظل هذا التنافس. أولا: التنافس الدولي في إفريقيا يمكن تحليل هذا البعد من خلال عرض أهم القوى الدولية التي تتنافس على إفريقيا من خلال الدور الأمريكي والنفوذ الصيني والتواجد الروسي في إفريقيا على النحو التالي: الدور الأمريكي في إفريقيا شكلت القمة الإفريقية الأمريكية التي عقدت في واشنطن تحولا مهما في السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا من الفتور والتباعد والغياب إلى الحضور والوجود. هذا التقارب والانفتاح الأمريكي على إفريقيا فرضته اعتبارات سياسية واقتصادية، حيث تسعى أمريكا لتحقيق التعافي الاقتصادي من الأزمات العالمية وجائحة كورونا بإقامة شراكات اقتصادية مع إفريقيا، القارة الواعدة والغنية بالثروات الطبيعية والبشرية والأسرع نموا. كما حفز الوجود والانتشار الصيني في إفريقيا على المستوى الاقتصادي والتجاري، أمريكا ودفعها لتغيير سياسة الإهمال التي اتبعتها على مدار السنوات الماضية. كان من أبرز مخرجات القمة الأمريكية الإفريقية التوسع في البعد الاقتصادي والتجاري، حيث عرضت إدارة بايدن العديد من المبادرات الاقتصادية المهمة مثل تقديم 55 مليار دولار كمساعدات للدول الإفريقية خلال السنوات الثلاث القادمة، كذلك تخصيص 2٫5 مليار دولار لتعزيز الأمن الغذائي في إفريقيا ومساعدة دولها، خاصة دول إفريقيا جنوب الصحراء في التغلب على الجفاف وشح الأمطار ومخاطر المجاعة، كذلك أعلن الرئيس بايدن في مؤتمر شرم الشيخ للمناخ عن تقديم نصف مليار دولار للدول الإفريقية لمواجهة التغيرات المناخية والتحول إلى الطاقة النظيفة. لكن يمكن القول إن أمريكا تواجه تحديات عديدة في موازنة الوجود الاقتصادي الصيني في القارة، فهذه المساعدات والمبادرات الأمريكية التي أعلن عنها في القمة تعد محدودة بالنسبة لـ54 دولة إفريقية. هذا بالإضافة إلى تراجع ثقة الدول الإفريقية في أمريكا كشريك. ويبدو أن قمة واشنطن الأخيرة تحاول رأب الصدع بين الجانبين وإعادة بناء الثقة. كما تتسم السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا بالتغير المستمر لتباين أولويات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وذلك في مقابل ثبات السياسة الصينية. أشارت الولايات المتحدة ضمناً إلى تغلغل روسيا والصين في إفريقيا باعتباره معوقاً جوهرياً أمام تعزيز الشراكة مع الدول الإفريقية. ولطالما حذرت إدارة بايدن قادة الدول الإفريقية من تبعات التعاون المتزايد مع بكين. وتنظر الولايات المتحدة إلى التحركات الصينية والروسية في إفريقيا باعتبارها تهديداً للمصالح الأمريكية. بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والقارة الإفريقية 64.3 مليار دولار عام 2021. وبلغ حجم الاستثمار الأمريكي المباشر في إفريقيا نحو 50.28 مليار دولار، كما بلغت قيمة مشروعات الاستثمار الأمريكي المباشر الجديدة Greenfield FDI Projects في إفريقيا نحو 3901 مليون دولار. لقد تزايد التواجد العسكري الأمريكي في إفريقيا لتأتي القارة الإفريقية في المرتبة الثانية بعد قوات الولايات المتحدة التي نشرتها في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن لمحاربة الإرهاب. فقد نشرت الولايات المتحدة قوات عسكرية في ما لا يقل عن 33 دولة إفريقية من بين 54 دولة في القارة، بنسبة أكثر من 60٪، فهناك ما يقرب من 1700 من قوات العمليات الخاصة في 33 دولة إفريقية لدعم سبع عمليات كبرى في القارة، كما أن الوجود العسكري الأمريكي يشمل إجمالا نحو ألفي جندي منهم 300 جندي وطائرة مراقبة في أوغندا و120 جنديا في نيجيريا و20 في الصومال، لتدريب وتوجيه القوات المسلحة في هذه الدول، إضافة إلى 100 جندي في النيجر علاوة على الفوج العسكري الأمريكي لتحقيق الاستقرار في جنوب السودان. وتوجد 12 قاعدة عسكرية أمريكية “سرّية” في إفريقيا. وتتواجد أبرز القواعد الأمريكية في إفريقيا في واجادوجو عاصمة بوركينافاسو، والتي تستخدم كنقطة انطلاق لشمال مالي حيث تتمركز المجموعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير آزواد. ب- النفوذ الصيني في إفريقيايتزايد الدور الذي تلعبه الصين في مختلف المجالات في القارة الإفريقية؛ حيث أعطت بكين الأهمية لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع الدول الإفريقية؛ وركزت طموحها الكبير في القارة على الساحة الاقتصادية، ووضعت نصب عينها الموارد الطبيعية الغنية في إفريقيا التي تستفيد منها لتغذية نموِّها الاقتصادي المحلي. وتواصل الصين توسيع دائرة نفوذها، وتعزيز وجودها في جميع أنحاء إفريقيا؛ على أمل التفوُّق على الولايات المتحدة، خاصة في ظل تحول الصين لأكبر شريك تجاري لإفريقيا بنحو 254 مليار دولار في عام 2021. تأتي جنوب إفريقيا في المرتبة الأولى، حيث تستحوذ على 21% من صادرات الصين لإفريقيا تليها مصر 12% ثم نيجيريا 10%، وعلى مستوى الواردات تأتي أنجولا في المرتبة الأولى حيث تستحوذ على 34% من إجمالي واردات الصين من إفريقيا تليها جنوب إفريقيا 20% ثم السودان 11%. جنوب إفريقيا تجذب حوالي 20% من تدفقات الاستثمارات الصينية لإفريقيا وكذلك نيجيريا، تليها السودان 12%، والجزائر 12%، ثم زامبيا 8% من إجمالي استثمارات الصين في إفريقيا، أما على مستوى رصيد الاستثمارات الصينية فتأتي جنوب إفريقيا في المرتبة الأولى بنسبة 16%، تليها نيجيريا 14%، ثم السودان 13%، ثم زامبيا 10%، ثم الجزائر 9% من إجمالي الرصيد التراكمي للاستثمارات الصينية في إفريقيا. إن أكثر من 80% من احتياجات الصين من الموارد الطبيعية والمواد الخام تأتى من إفريقيا بقيمة 93 مليار دولار، وتدير بكين نحو 2500 مشروع تطوير وأعمال مدنية ومشاريع إنشائية بقيمة 94 مليار دولار في 51 دولة إفريقية. وقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لإفريقيا منذ عام 2009، ويتوقع أن تبلغ تجارتها مع القارة نحو 300- 400 مليار دولار بنهاية البرنامج التنفيذي للتعاون الصيني- الإفريقي، كما ينتظر أن تتجاوز استثمارات الصين في إفريقيا أكثر من 300 مليار دولار. وقد تعهد الرئيس الصيني، خلال القمة الأخيرة لمنتدى التعاون الإفريقي- الصيني، بتقديم حوالي 60 مليار دولار لتمويل مشاريع التنمية في القارة. ويشمل التمويل 15 مليار دولار كمساعدات لا ترد وكقروض بدون فوائد واستثمارات شركات صينية و20 مليار دولار خطوطا ائتمانية وصندوقين للتنمية وتمويل واردات سلع إفريقية تناهز قيمتها نحو 5 مليارات دولار، فضلاً عن خطة لتشجيع الشركات الصينية للاستثمار في القارة. ويتمثل أبرز مسارات حركة الصين لتنفيذ استراتيجيتها في القارة في دعم التعاون بين الأجهزة التشريعية في الصين وإفريقيا، وزيادة مساعدات بكين للاتحاد الإفريقي ودعم قدراته في مجالات حفظ السلام والأمن، وزيادة حجم استثماراتها ومساعداتها، ودفع مزيد من خبرائها لتنمية المجالات الزراعية، فضلاً عن تطوير قطاعات البنية التحتية، وتقديم التسهيلات لمعالجة مشكلة الديون. إضافة إلى أن لها أكثر من 600 شركة استثمارية تعمل في مجالات استكشاف وتطوير الموارد المعدنية والزراعة والنقل والاتصالات والطاقة في القارة. يتضح أن 28% من القروض الصينية لإفريقيا تتجه لقطاع النقل، 20% لقطاع الطاقة، 10% لقطاع التعدين، وباقي القروض توزع على مختلف القطاعات. تنفق الصين مئات الملايين من الدولارات لإنشاء فروع إفريقية للقنوات التلفزيونية المملوكة للدولة والصحف الصينية. كما استثمرت الصين في شركات الإعلام الإفريقية. على سبيل المثال، فقد اشترت الوكالات الصينية 20% من شركة Independent Media، وهي أكبر سلسلة صحف في جنوب إفريقيا. كما وسعت الصين نفوذها من خلال تشجيع إنشاء معاهد كونفوشيوس التي تدرس اللغة والثقافة الصينية بمنهج دراسي يتم تمويله من قبل الحكومة الصينية، حيث يوجد 54 معهد كونفوشيوس في إفريقيا – وهي المراكز الثقافية الأكثر أعداداً لأية دولة أخرى في إفريقيا باستثناء فرنسا. لم يعد الانخراط الدولي في إفريقيا قاصراً على الحضور الصيني المتزايد، فقد شهدت السنوات الأخيرة تنامياً ملحوظاً في وتيرة التغلغل الإقليمي والدولي في القارة السمراء، وهو ما انعكس في استضافة العديد من الدول مؤتمرات قمة دورية مماثلة لتلك التي استضافتها واشنطن مؤخراً، على غرار الاتحاد الأوروبي وفرنسا وروسيا واليابان وتركيا. ج- الوجود الروسي في إفريقيا بلغت الصادرات الروسية لإفريقيا حوالي 20 مليار دولار عام 2021. وقد تعهدت روسيا في قمة سوتشي 2019 بزيادة التبادل التجاري مع إفريقيا إلى 40 مليار دولار، و تُشير المؤشرات إلى أنه من المنتظر أن يصل التبادل التجاري إلى هذا الحجم بحلول عام 2024. تستورد جنوب إفريقيا بشكل أساسي القمح وزيت عباد الشمس من روسيا، فعلى مدى خمس سنوات (2016 – 2020)، استوردت جنوب إفريقيا متوسط 1.8 مليون طن من القمح سنوياً، أي ما يقرب من نصف احتياجات استهلاك القمح السنوي في البلاد، حيث بلغ متوسط واردات القمح من روسيا 34 %. وتصدر جنوب إفريقيا منتجات مثل الحمضيات والمكسرات والخضروات والتبغ إلى روسيا. فيما يخصّ الاستثمارات الروسية في إفريقيا، تمتلك جنوب إفريقيا استثمارات ضخمة في روسيا تتجاوز حاجز الـ80 مليار راند (حوالي 5 مليارات دولار)، بينما يبلغ إجمالي الاستثمارات الروسية في جنوب إفريقيا حوالي 23 مليار راند (حوالي مليار دولار). وتقدم روسيا مساعدات لإفريقيا بحوالي 400 مليون دولار سنويًا، يتم توزيع نحو 60% منها عبر منظماتٍ دولية، مثل: برنامج الغذاء العالمي، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين، وفي ظل التوترات الحالية بين روسيا وأوروبا والولايات المتحدة، على خلفية الأزمة الأوكرانية، قد تتأثر هذه المساعدات في الحجم وقنوات التوزيع. وتمثل اثنتان من الدول الإفريقية ضمن قائمة الوجهات العشر الأكثر جذبًا للسياح الروس في العالم، وهما سيشل ومصر، ويمثل السياح الروس 16% من إجمالي السائحين في سيشل، و7% من إجمالي السائحين في مصر، إلى جانب نسب متفاوتة من السائحين الروس في كل من تونس والمغرب وتنزانيا وموريشيوس. ثانيا: تأثير التنافس الأمريكي الصيني الروسي على إفريقيا يمكن تحديد تأثير التنافس الأمريكي الصيني الروسي على إفريقيا من خلال النقاط التالية: قامت الصين باقتحام أسواق جديدة للموادّ الخام مما أدّى إلى حفز صادرات إفريقيا، فتضاعفت قيمتها الحقيقية خلال السنوات العشرين الماضية. وفيما يخصّ الواردات أدّى وصول السّلع الاستهلاكية الصينية الرخيصة الثمن، من الملابس إلى الدرّاجات إلى تعزيز مستويات المعيشة الإفريقية. إنّ استثمارات الصين في إفريقيا تتعدّى الصناعات الاستخراجية حيث أن القطاعات التي تلقّت معظم الأموال الصينية كانت الخدمات التجارية، الاستيراد والتصدير، التشييد والبناء، النقل، التخزين والخدمات البريدية، المنتجات المعدنية. على سبيل المثال في إثيوبيا تستثمر الصين في صناعة الملابس كخطوة أولى على طريق التّصنيع. وعلى الجانب الآخر أدى تغلغل الصين في الأسواق الإفريقية إلى الكثير من التفكّك في المنشآت الإفريقية الحالية، حيث أنّ سياسة الصين الخاصة باستيراد القوى العاملة لموظّفي المشاريع الكبرى يسبب حنق الأفارقة المحتاجين للعمل. لقد سعت الحكومة الأمريكية إلى إنشاء وكالة خاصة لاستثمار ما يصل إلى 60 مليار دولار لمواجهة المصالح الصينية بما في ذلك شرق إفريقيا، في محاولة لتوفير بدائل سليمة ماليًا للمبادرات التي تقودها الصين، ومساعدة الدول الإفريقية على تجنب مصائد الديون التي تضعها بكين. ولكن التمويل الصيني يتدفق إلى إفريقيا دون قيود؛ الأمر الذي جعل بكين بديلاً سهلاً عن “المساعدة الإنمائية المشروطة” من الغرب والمؤسسات المالية متعدِّدة الأطراف، مما يقلِّل من جهد الغرب للتحكم في الدول الإفريقية ومؤسساتها على أساس مزاعم تشجيع التنمية المستدامة والنظم الديمقراطية طويلة الأجل. بينما تدرك الولايات المتحدة أنها لا تستطيع أن تضاهي حجم الاستثمارات الصينية في إفريقيا، فإنها لا تزال تتطلع إلى كبح النفوذ الاقتصادي الصيني في المنطقة. إن “الاستثمار الصيني قادِر على التعامل مع فجوة البنية التحتية في إفريقيا، ولكنَّ أسلوبه أدَّى إلى تصاعد الديون، وعندما يقترن ذلك بالضغوط السياسية والضريبية، فإن هذا يهدِّد الموارد الطبيعية لإفريقيا واستقرارها الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل”. فهناك مخاوف بشأن ارتفاع الديون التي تتكبدها بعض الدول الإفريقية مع قبولها المتزايد للقروض الصينية، على سبيل المثال فإن جيبوتي تدين بأكثر من 1.2 مليار دولار إلى الصين. تعترف الإدارة الأمريكية نسبيًّا بفشل سياساتها تجاه الدول الإفريقية، والتي كانت نتيجتها أن لجأت هذه الدول إلى الصين لسدّ حاجاتها.. إلا أن فشل سياسات أمريكا أيضًا لا يعني أن النموذج الصيني مثالي. ويرى الكثيرون في إفريقيا أن نظرة المؤسسات الصينية تجاه إفريقيا لم تخلُ من العنصرية التي يشكون منها في علاقاتهم مع الغرب؛ رغم الصداقة العميقة، والتعاون الاستثماري بين الصين وإفريقيا، لكن الصين تنكر بشدة هذه الممارسات، وتجادل بالتزامها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالبعض يرى أن هناك تغيّرا جذريا في الموقف الصيني، في السابق كانت الصين حذرة جدّا ومهتمّة فقط بالمواد الأوّلية والتصنيع، أما اليوم فالصينيون يأتون برسالة واضحة نحن قوّة عُظمى. إن أمريكا أو الصين أو روسيا أو غيرها من الدول الكبرى اقتصاديا وسياسيا تعد طرفا واحدا يمتلك رؤية واحدة في مواجهة 54 دولة إفريقية متباينة في اقتصاداتها وتقدمها السياسي والاقتصادي، فهناك دول مستقرة ومتقدمة اقتصاديا في مقابل دول أخرى تشهد صراعات وحروبا وأزمات وهو ما يضعف الموقف التفاوضي الإفريقي في مواجهة الدول الكبرى المتنافسة على إفريقيا. تفرض أمريكا المشروطية السياسية على المساعدات الاقتصادية للدول الإفريقية وربطها بقضايا حقوق الإنسان والإصلاح السياسي والديمقراطية، وهو ما أوجد حالة من الشك وعدم الثقة من الدول الإفريقية في الجانب الأمريكي بعد أن أثبتت تجارب ما عرف بالربيع العربي أن أمريكا تستخدم الديمقراطية وحقوق الإنسان كورقة ضغط ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب في التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو ما أدى لتصاعد خطر الإرهاب وانتشار الحروب الأهلية التي أعاقت إفريقيا عن تحقيق التنمية وتوظيف مواردها. يمثل التنافس الأمريكي الصيني الروسي على إفريقيا فرصة مهمة للدول الإفريقية لبناء شراكات متعددة ومتوازنة مع الدول الكبرى دون أن تنحاز لقوة على حساب قوة أخرى، أو تستبدل الشراكة مع قوة بالشراكة مع القوى الأخرى، وإنما الانفتاح على الجميع في إطار سياسة الحياد والاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها كل الدول الكبرى، وتعظيم المصالح الإفريقية لتحقيق التنمية والنهضة الشاملة، ومواجهة التحديات المختلفة، وهو ما يضعها في مكانة بارزة على الخريطة الاقتصادية والسياسية العالمية. ثالثا: فرص تحقيق إفريقيا للنمو في ظل التنافس يمكن القول أن أهم فرص النمو التي تمتلكها إفريقيا تتمثل في تنفيذ خطة تنمية إفريقيا 2063، التي تتطلع إلى وضع رؤية وخريطة طريق للاتحاد الإفريقي بشأن تلك الأجندة، التي تقضي لتسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة، وكذلك المضي قدما في توحيد مواصفات جواز السفر الرقمي الإفريقي، والعمل على إسكات صوت البنادق في القارة من خلال احتواء النزاعات والصراعات داخل القارة، وأن يتم التعامل من جانب كل من له قضية في القارة، من خلال المفاوضات والطرق السلمية لحلها، خاصة في ظل السعي نحو تطوير القوات الإفريقية بشكل كبير. وضمن هذه الفرص إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية – التي تسعى الدول الإفريقية إلى تنفيذها- تعزيز منظومة التبادل التجاري الإفريقي، والتي يأتي على رأسها مشروعات البنية التحتية المتعلقة بقطاع النقل، والتي تمثل حجر الزاوية لمضاعفة حصة التجارة البينية بين الدول الإفريقية. كما تتيح حرية حركة الأشخاص من رجال الأعمال والفنيين والمتخصصين لتسهيل نقل المعرفة الفنية والخدمات المتصلة بالتجارة في عدد من المجالات ذات الأهمية الحيوية للنمو الاقتصادي المستدام تتضمن خدمات الإرشاد الزراعي والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات المالية والتعليمية والصحة والخدمات المهنية، عن طريق مواكبة الدول الإفريقية للتقدم والتطور التكنولوجي السريع في مجال التجارة الإلكترونية. وختاما.. فحتى يمكن أن تستفيد الدول الإفريقية من هذا التنافس لابد من التركيز على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وذلك بمراعاة النقاط التالية: بناء اقتصادات وطنيٍّة متكاملة، ومستويات عالية من التنمية الاقتصادية في إفريقيا. لابدّ من التفكير جليّاً في نماذج ومقاربات واقعية من صلب البيئة الإفريقية؛ لأنّ المسألة أعمق من استيراد نماذج أو تلقي مساعدات دولية، فالأزمة هي أزمة بناء وتقنيات أكثر منها مساعدات. القارة الإفريقية بحاجةٍ ماسةٍ إلى بنية تحتية مطوّرة، ويدٍ عاملةٍ مؤهلة، وخبراء تقنيّين ذوي كفاءة عالية، يتمتعون بقدرةٍ تساعدهم على صياغة برامج ومشاريع فعلية. إن التنمية المستدامة بالقارة لا تقوم بالاعتماد على المانحين الخارجيين ما لم يكن للأفارقة برنامج حقيقي للتنمية قادر على الوصول إلى قارة تشكل سوقًا واحدة وواعدة مترابطة، حتى يمكن إدارة الاقتصاد الإفريقي على نحو مستدام. رئيس قسم السياسة والاقتصاد كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة
#بوابة #روز #اليوسف #تأثير #التنافس #الدولي #على #الأوضاع #الاقتصادية #في #إفريقيا
تابعوا Tunisactus على Google News