بياناتٌ وغمزٌ ولمزٌ وإغلاقٌ للأجواء.. ما الذي يحدث بين الجزائر وفرنسا؟
تعرف العلاقات بين الجزائر وباريس توترا غير مسبوق تسارعت وتيرته في الأيام الأخيرة بسبب ملف الهجرة وحصة التأشيرات التي تمنحها فرنسا للجزائريين ولمواطني كل من تونس والمغرب الراغبين في دخول الأراضي الفرنسية لكن القشة التي تكاد تقصم ظهر العلاقة بين البلدين هو ما قاله الرئيس إيمانويل ماكرون عن النظام في الجزائر وعن الجزائر تاريخا وأمّة.
من أين كانت البداية؟
أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال نهاية الشهر الماضي عن تشديد إجراءات منح التأشيرات لمواطني تونس والمغرب والجزائر بسبب رفض المصالح القنصلية لتلك البلدان إصدار تصاريح السفر التي تسمح للمهاجرين الشرعيين بالعودة إلى بلدانهم. ووصف أتال الخطوة بالقرار الصارم وغير المسبوق.
بعدها جاء تصريح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان ليرمي حجرا آخر في المياه الراكدة. وكان أكثر وضوحا حين أعلن عن تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف.
مجددا، برر الوزير في حديث تلفزيوني هذه الخطوة برفض السلطات الجزائرية استعادة المهاجرين غير الشرعيين المقيمين في فرنسا. وبلغة صريحة قال إن باريس ربطت مسألة التأشيرات باستعادة هؤلاء المهاجرين” الذين تقول التقديرات إن عددهم يفوق الـ7 آلاف أو يزيد.
وأضاف دارمانان: سياستنا ليست جديدة. منحنا عشرات الآلاف من التأشيرات عام 2019 وقلصنا العدد كثيرا في 2020 آخذين في الحسبان جائحة كورونا، والآن قررنا خفض عدد التأشيرات إلى النصف وأردف قائلا: الأمر يعتمد على العلاقة مع تلك الدول” (يقصد المغرب وتونس والجزائر). وبرر الوزير الفرنسي القرار بأن باريس أقدمت على تلك الخطوة لأن “البلدان الثلاثة ترفض استعادة جزء من مواطنيها المقيمين بشكل غير شرعي الأراضي الفرنسية بحجة أنهم إسلاميون متشددون أو منحرفون متهمون بارتكاب جنح أو جرائم” وأضاف: “نحن نقول لهم طالما لم تستعيدوا مواطنيكم فإننا لن نقبل بمواطنيكم أيضا عندنا”.
موقف الجزائر من قضية التأشيرات
وقد أعربت تونس والمغرب عن أسفهما لقرار تقليص التأشيرات. لكن الموقف الأكثر حدة كان من قبل الجزائر. إذ تم استدعاء فرانسوا غوييت السفير الفرنسي في هذا البلد لتسليمه احتجاجا رسميا.
بعدها، صرح عمار بلاني المبعوث الخاص المكلف بملف الصحراء الغربية والشؤون المغاربية بأن الخطوة مؤسفة ومبالغ فيها وأن ملف الهجرة يقتضي تعاونا مشتركا لا تبني سياسة الأمر الواقع القائمة على سماها اعتبارات أحادية الجانب من قبل الطرف الفرنسي على حد تعبير المسؤول الجزائري.
ماكرون يدخل على الخط..
ولم يكد هذا التراشق اللفظي بين البلدين يهدأ، حتى جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الجزائر لتزيد الأمور تأزّما وتعقيدا. إذ نقلت صحيفة لوموند السبت ما قاله الرئيس الشاب أمام جمع من الشباب أثناء مأدبة غداء جمعته بهم.
قال ماكرون أمام 18 شابا منحدرين من أسر عاشت حرب التحرير وفق التعبير الجزائري وحرب الجزائر وفق التعبير الفرنسي: “لقد هالني طيلة السنوات الماضية كيف أن التاريخ وذكريات حرب الجزائر يحملان في رحمهما جزءا كبيرا من صدماتنا”.
ورأى الرئيس الفرنسي أن هناك معاناة كُبتت وتاريخا رسميا أُعيدت كتابته بالكامل لكنه لا يستند على حقائق بل على خطاب قائم على الكراهية تجاه فرنسا. وأضاف أن هذه الكراهية لا تأتي من المجتمع الجزائري بل من نظام سياسي عسكري بُني على “ريع الذاكرة” أي أنه يتم استغلال التاريخ لمآرب سياسية وفق ما نقلته صحيفة لوموند عن ماكرون.
وأضاف سيد الإليزيه الذي يسعى لانتزاع ولاية ثانية في أبريل نيسان المقبل: نحن نرى أن النظام متعب وأن الحراك الشعبي (الذي أطاح بنظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ربيع 2019) قد أضعفه حسب تعبيره.
وعن علاقته بالرئيس عبد المجيد تبون، قال الرئيس الفرنسي إن حوارا جيدا يجمعه بنظيره الجزائري مضيفا بأنه يلاحظ أن الأخير يوجد داخل نظام صعب على حد قوله.
أما بخصوص مسألة تقليص التأشيرات، قال ماكرون إن ذلك لن يؤثر على الطلبة ورجال الأعمال قبل أن يوجه سهما آخر إلى من يهمه الأمر بقوله: “إن الهدف هو إزعاج الناس الذين يوجدون في دائرة صنع القرار والذين اعتادوا على طلب الحصول على تأشيرات بكل سهولة” حسب تعبيره.
الجزائر الأمة والتاريخ في عُرْف ماكرون
ومن الحاضر انتقل ماكرون إلى التاريخ، فتساءل قائلا: “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ ذلك هو السؤال” مضيفا: “لقد كان هناك مستعمرون آخرون”.
ودائما حسب لوموند، لم يفت الرئيس الفرنسي أن يلمز أنقرة في نبرة تهكمية فقال: “إنه مفتون بقدرة تركيا على جعل الناس ينسون الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها هناك” في إشارة إلى السلطنة العثمانية ووجودها في الجزائر طيلة ثلاثة قرون.
بيانات وإغلاق المجال الجوي أمام طائرات الجيش الفرنسي.. الجزائر تستشيط غضبا
وكما كان متوقعا: لم يتأخر رد الجزائر إذ قررت الاستدعاء الفوري لسفيرها لدى باريس السيد محمد عنتر داوود للتشاور. وأعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان أنها ترفض رفضا قاطعا التصريحات المنسوبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وخاصة تلك التي يتحدث فيها عن “نظام سياسي عسكري” يحكم البلاد.
وشدد البيان على “رفض الجزائر أي تدخل في شؤونها الداخلية” وأوضح أن هذا الموقف بررته تصريحات منسوبة للسيد ماكرون ولم يتم تكذيبها والتي وصفتها الرئاسة بغير المسؤولة.
كما قررت الجزائر الأحد إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المتوجهة إلى شمال مالي في إطار ما يعرف بعملية باركان في منطقة الساحل.
وإلى جانب الغضب الرسمي، انتقدت الصحافة الجزائرية تصريحات ماكرون كما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات غاضبة ردت على “تطاول الرئيس الفرنسي على تاريخ شعب بأكمله” ومنها ما رأى أن كلام ماكرون يصب في إطار حملة انتخابية مبكرة سعيا منه لانتزاع ولاية ثانية.
#بيانات #وغمز #ولمز #وإغلاق #للأجواء #ما #الذي #يحدث #بين #الجزائر #وفرنسا
تابعوا Tunisactus على Google News