بين النزاعات والحروب وتداعيات كورونا.. كيف أصبح حال السياحة في العالم العربي؟
رغم أن العالم قد ودع حالة الهلع التي سادت خلال عام 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا، فإن المخاطر ما زالت قائمة، والاحتياطات تفرض نفسها هنا وهناك، ولم تسترد بعد حركة السياحة والسفر حالتها التي كانت عليها عام 2019، وثمة توقعات بأن حالة التعافي لقطاع السياحة على مستوى العالم لن تتحقق قبل عام 2023.
وعلى مدار السنوات الماضية، استطاعت السياحة أن يكون لها موضع اهتمام على صعيد الاقتصاد العالمي، لما لها من ارتباطات بأنشطة مختلفة، تؤدي إلى إيجاد فرص عمل، وتدفق للنقد الأجنبي، خاصة للدول النامية.
ونظرا لهذا الدور، تحتفي الأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر/أيلول من كل عام باليوم العالمي للسياحة، وحسب ما هو منشور على موقع الأمم المتحدة، فسوف يكون احتفال هذا العام، تحت شعار “السياحة لتحقيق نمو شامل”.
السياحة العربية
يذكر موقع الأمم المتحدة، أن قطاع السياحة يوظف واحدا من كل 10 أشخاص على وجه الأرض، ولكن بسبب وباء كوفيد-19، تتعرض نحو 100 إلى 120 مليون فرصة عمل للخطر. وفي إطار التداعيات السلبية لكوفيد-19 على الدول النامية، فإن حالة عدم التكافؤ لتوزيع اللقاحات سوف تؤدي إلى تحمل قطاع السياحة نسبة 60% من خسائر الناتج المحلي العالمي.
وفي دراسة أنجزها صندوق النقد العربي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، تحت عنوان “أثر السياحة على النمو الاقتصادي في الدول العربية”، تبين أن قطاع السياحة أسهم في الناتج المحلي العربي بنسبة 11.4% عام 2019، حيث بلغ الناتج المحلي لقطاع السياحة 313.6 مليار دولار، وكان معدل نمو القطاع في ذلك العام 2.2%، وبلغ عدد السائحين في العالم العربي 107 ملايين سائح في ذلك العام.
وحسب أداء القطاع السياحي في أقاليم متعددة في العالم، وجد أن النسبة الغالبة تكون من السياحة البينية لمكونات الإقليم، ففي أوروبا مثلا تمثل السياحة البينية 88% من الأداء السياحي، بينما السياحة البعيدة لا تمثل سوى 12%.
على العكس من ذلك أداء السياحة العربية، حيث يبلغ أداء السياحة البينية نسبة 42% فقط من الأداء السياحي، ونحو 58% للسياحة البعيدة، ويرجع هذا الأمر بطبيعة الحال لصعوبة الحركة والانتقال بين الدول العربية من جهة، وكذلك عدم الاستقرار السياسي والأمني من جهة أخرى.
ومن النتائج التي توصلت إليها دراسة صندوق النقد العربي -فيما يتعلق بقطاع السياحة في العالم العربي- أن كل زيادة نسبتها 1% في العائدات السياحية تؤدي إلى زيادة نسبتها 0.36% في معدل النمو الاقتصادي، كما أن كل زيادة نسبتها 1% في الإنفاق السياحي تؤدي إلى زيادة نسبتها 0.28% في معدل النمو الاقتصادي.
تداعيات كورونا
وكشأن العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية في المنطقة العربية، تسيطر 3 دول كبرى على نحو 59% من الناتج المحلي لقطاع السياحة، وهذه الدول هي السعودية والإمارات ومصر، وهو ما يجعلنا نرى مدى التأثير السلبي لجائحة كورونا على هذه البلدان.
توقفت حركة السفر والسياحة لعدة أشهر في هذه البلدان، فضلا عن إيقاف أحد أهم الموارد السياحة في السعودية، وهو السياحة الدينية لشعائر الحج والعمرة.
كما توقفت سياحة الشواطئ في مصر بنسبة كبيرة خلال عام 2020، وحتى الشهور الأولى من عام 2021، وهي تمثل ذروة السياحة الأوروبية لمصر، حيث يحرص السائحون الأجانب على قضاء عطلة رأس السنة على شواطئ البحر الأحمر في مصر.
وتذكر البيانات الحكومية في مصر أن عائدات القطاع السياحة خلال 2020 تراجعت بنسبة 69%، بسبب جائحة كورونا، حيث بلغت هذه الإيرادات 4 مليارات دولار مقابل 13.03 مليار دولار عام 2019. أما في الربع الأول من عام 2021، فقد تراجعت إيرادات مصر السياحية بنسبة 42%، حيث بلغت هذه الإيرادات 1.3 مليار دولار، مقابل 2.3 مليار دولار عن الفترة المناظرة عام 2020.
أما السعودية فتوضح بياناتها الرسمية بأن عوائد الإنفاق السياحي الوافد بالبلاد تراجع خلال عام 2020، بنسبة تصل إلى 80.6%، حيث هبط هذا الإنفاق من 103 مليارات دولار عام 2019، إلى 5.36 مليارات دولار فقط عام 2020، ويرجع ذلك -بنسبة كبيرة- إلى وقف شعائر الحج والعمرة بداية عام 2020.
وفي الإمارات، التي تعتمد بشكل كبير على سياحة المؤتمرات والمعارض المتنوعة، تراجع الإنفاق السياحي للوافدين عام 2020 بنسبة 66%، لتصل إلى 48.7 مليار درهم (13.3 مليار دولار) بعد أن كانت 143 مليار درهم عام 2019.
مناطق النزاعات
لا شك أن السياحة تأثرت في دول النزاعات بالمنطقة العربية بسبب الحروب المسلحة وتداعيات جائحة كورونا، ومن المعلوم أن سوريا -قبل النزاعات المسلحة فيها- كانت واجهة سياحية منافسة بين دول المنطقة، لما تتمتع به من مقومات سياحية كبيرة، وكذلك حيوية النشاط التجاري والاقتصادي بها.
وإن كانت السياحة في اليمن في وضع تنافسي أقل من سوريا، إلا أنها تمتلك كذلك مقومات سياحية مهمة يمكن أن تجعل منها واجهة سياحية إذا ما شهدت استقرارا سياسيا وأمنيا خلال الفترة المقبلة.
وثمة دول عربية أخرى، مثل تونس، تعد السياحة فيها من الأنشطة والموارد الاقتصادية المهمة، ولكنها تأثرت بسبب عدم الاستقرار السياسي وكذلك التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا.
فحسب أرقام نشرتها وكالة رويترز، تراجعت عائدات السياحة التونسية عام 2020 إلى 2 مليار دينار (746 مليون دولار) بعد أن كانت في حدود 5.68 مليارات دينار، وتسهم السياحة في الناتج المحلي لتونس بنسبة 8%.
وفي المغرب تأثرت الإيرادات السياحية بشكل كبير بسبب جائحة فيروس كورونا كذلك، فحسب الأرقام المنشورة، تراجعت إيرادات السياحة في النصف الأول من عام 2021 إلى 8.8 مليارات درهم (مليار دولار و35 مليون دولار) مقارنة بنحو 18 مليار درهم في الفترة المناظرة عام 2021.
مشكلات وتحديات
قد تكون مشكلات قطاع السياحة في المنطقة العربية مع جائحة فيروس كورونا معلومة ومسلم بها، وكذلك التأثير السلبي للنزاعات المسلحة، ولكن هناك مجموعة من المشكلات الأخرى، التي يعاني منها قطاع السياحة في المنطقة العربية، سواء كان ذلك على صعيد كل دولة أو على صعيد السياحة البينية العربية.
فهناك شبه إهمال للسياحة الداخلية. فكثير من المواطنين العرب لم تتح لهم الظروف الاقتصادية زيارة المعالم السياحية ببلدانهم، وعادة ما تهمل إستراتيجية السياحة في الدول العربية الاهتمام بالسياحة الداخلية، وتركز على السياحة الخارجية لما تحققه من عوائد من النقد الأجنبي، وإن كانت السياحة الداخلية تعد من أهم أسباب مواجهة الأزمات الخارجية التي تتعرض لها السياحة العربية.
كما يعاني قطاع السياحة في الدول العربية نقص العمالة المهارة، وخريجي المؤسسات التعليمية المعنية بالخدمات الفندقية والإرشاد السياحي.
وإن كانت السياحة العربية تتمثل في أداء بعض البلدان الكبرى، فإن باقي البلدان العربية لديها كثير من المعالم السياحية، ولكنها بحاجة إلى الاستثمارات التي تخرجها لخريطة السياحة الإقليمية والعالمية.
المزيد من اقتصاد
#بين #النزاعات #والحروب #وتداعيات #كورونا #كيف #أصبح #حال #السياحة #في #العالم #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News