تحشيد في ذكرى “ربيع” المغرب: استعادة أجواء 20 فبراير
ساهمت “حركة 20 فبراير” بإحداث هزة في المشهد السياسي المغربي (فاضل سنا/فرانس برس)
تحلّ، اليوم الأحد، الذكرى الحادية عشرة لانطلاق “حركة 20 فبراير”، التي قادت احتجاجات الربيع العربي في المغرب عام 2011، في ظل احتقان اجتماعي، وانتشار شرارة الاحتجاجات جراء ارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية والمحروقات، وتداعيات الجفاف الذي يضرب البلاد.
احتجاجات في ذكرى 20 فبراير
وبينما شهدت النسخة المغربية لـ”الربيع العربي”، على امتداد السنوات الماضية، تحوّلات عدة وأفولاً لنجمها، تعود الحركة اليوم الأحد، إلى الشوارع من خلال وقفات احتجاجية في أكثر من 25 مدينة مغربية، دعت إليها “الجبهة الاجتماعية المغربية” (تضم تنظيمات سياسية يسارية ونقابات وجمعيات إضافة إلى جماعة العدل والإحسان أكبر تنظيم إسلامي في المغرب غير مرخص له).
وتأتي الوقفات الاحتجاجية كرد على “الأوضاع التي تتميز بتفاقم الاستبداد، والتلاعب بالإرادة الشعبية، ومواصلة الدولة لسياساتها الليبرالية المتوحشة، وما ينتج عنها من تقشف وإجهاز على المرافق العمومية الأساسية وغلاء فاحش للمعيشة، ناهيك عن الاعتقال السياسي، والمتابعات القضائية وقمع الحريات” وفق بيان الجبهة.
من المنتظر تنظيم وقفات احتجاجية في أكثر من 25 مدينة
وفيما كان لافتاً حجم الحشد لتلك الوقفات الاحتجاجية، بعد أن دعت “الجبهة الاجتماعية المغربية” جميع فروعها، والمناضلين، وعموم المواطنين إلى “التخليد الوحدوي للذكرى الحادية عشرة لحركة 20 فبراير”، تتردد أسئلة عدة عما إذا كان الأمر يتعلق ببوادر عودة للحركة ومحاولة لإحيائها في ظل وجود زخم احتجاجي، وسيادة الاحتقان نفسه الذي برر خروجها إلى الوجود في عام 2011، أم أن الأمر مجرد محاولة من الحركات الاجتماعية للاستثمار السياسي من خلال الحركة والمسألة الاجتماعية، لإيصال رسائلها إلى من يهمه الأمر وتحقيق مآرب سياسية.
صعود حركة 20 فبراير المغربية وخفوتها
في مثل هذا اليوم قبل 11 سنة، خرج الآلاف من المغاربة إلى شوارع المملكة للاحتجاج، بناء على دعوة أطلقتها حركة شكلها شباب مغاربة من تنظيمات سياسية ومستقلين عبر منصات التواصل الاجتماعي، مطالبين بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، والفصل بين الثروة والسلطة في المناصب الحكومية، ومحاكمة الضالعين في قضايا فساد واستغلال نفوذ ونهب ثروات المملكة.
فضلاً عن المطالبة باستقلال القضاء وحرية الإعلام، وإقامة ملكية برلمانية، وإجراء انتخابات نزيهة ووضع دستور جديد، وذلك في سياق ثورات “الربيع العربي” التي بدأت في تونس أواخر عام 2010، وأطاحت أنظمة عربية حاكمة عدة.
بعد أقل من شهر واحد من الاحتجاجات، سارع العاهل المغربي الملك محمد السادس، إلى وضع أجندة للإصلاح من خلال خطابه الشهير في 9 مارس/آذار 2011، وأقر تعديلات دستورية قلّصت صلاحياته في الحكم، ووسعت صلاحيات رئيس الحكومة.
غير أنّ شباب الحركة لم تقنعهم تلك الإصلاحات وعدوها “التفافاً” على مطالبهم الرئيسة، وقضوا ما يزيد عن العام في معارضتها، قبل أن يبدأ الزخم الشعبي الذي كان يحركهم في الخفوت لأسباب ذاتية وأخرى خارجية.
وعلى الرغم من أنّ “حركة 20 فبراير” كانت قد ساهمت في إحداث هزة كبيرة في مشهد سياسي سمته البارزة، وقتها، الأزمة على الأصعدة كلها، وترجم ذلك بولادة دستور “الربيع العربي”، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها مكّنت للمرة الأولى في تاريخ المغرب، من صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم، إلا أن ديناميتها ومطالبها خفتت واعتراها فتور ملحوظ بعد انسحاب جماعة “العدل والإحسان”، أكبر تنظيم إسلامي في المغرب، منها
علماً بأن الجماعة كانت تشكل الثقل الأكبر داخل الحركة إلى جانب اليساريين، وهو ما خفف بشكل مؤثر حجم التظاهرات الاحتجاجية لـ”حركة 20 فبراير”.
ولئن كانت “حركة 20 فبراير” قد انتهت عملياً وميدانياً بشكل بطيء منذ انسحاب جماعة “العدل والإحسان”، إلا أن كوادرها استطاعت العيش خارج ثوب الحركة، طيلة السنوات الماضية، من خلال بث وعي احتجاجي جديد وسط المغاربة، تبلور في مسيرات واحتجاجات سلمية وحضارية، تعبر عن مطالب الحركة التي تراها مشروعة في مختلف القطاعات.
شكلت مطالب “حركة 20 فبراير” مرجعية للحركات الاحتجاجية العديدة التي نشأت في السنوات الأخيرة
حراكا الريف وجرادة
وقد شكلت مطالب “حركة 20 فبراير” مرجعية للحركات الاحتجاجية العديدة التي نشأت في السنوات الأخيرة في المغرب بنفس الشعارات والأهداف. وكان من أبرزها “حراك الريف” الذي اندلع في أكتوبر/تشرين الأول 2016، و”حراك جرادة” (مدينة جرادة) في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2017.
وأدى مصرع بائع للسمك يدعى محسن فكري، في 28 أكتوبر 2016، مسحوقاً داخل شاحنة للقمامة كان قد صعد إليها لاسترداد بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية، لاندلاع الشرارة الأولى لحراك الريف، حيث عمت الاحتجاجات مدينة الحسيمة (شمال المغرب) ومناطق مجاورة لها.
وقد تحوّل مطلب محاكمة المتسببين الحقيقيين في مصرع فكري إلى مطالب أكبر وأشمل، تتضمّن رفع التهميش وما يسمّى العسكرة الأمنية عن الحسيمة، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والتشغيل.
وعرفت الاحتجاجات، لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة، حيث شهدت المدينة تظاهرات ومواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين، أبرزهم ناصر الزفزافي، وذلك قبل أن تخف حدة هذه الاحتجاجات.
وبعد احتجاجات الريف، أقال العاهل المغربي الملك محمد السادس، 3 وزراء وعدداً من المسؤولين، لعدم إحراز تقدّم في خطة التنمية للمنطقة. وفي يونيو/حزيران 2018، قضت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء بإدانة الزفزافي وثلاثة ناشطين آخرين، هم سمير ايغيد، ونبيل أحمجيق، ووسيم البوستاتي، بالسجن لمدة 20 عاماً، وذلك بعد اتهامهم بـ”المساس بالسلامة الداخلية للمملكة”.
كما قضت المحكمة بحبس ناشطين آخرين لمدة تراوحت بين عام واحد و15 عاماً، فيما قضت بالسجن 3 سنوات مع النفاذ في حق رئيس تحرير موقع “بديل أنفو” الصحافي حميد المهداوي، بتهمة “عدم التبليغ عن جريمة تهدد سلامة الدولة”.
وإلى جانب احتجاجات الريف، كان “حراك جرادة” الذي انطلق في ديسمبر 2017، بعد وفاة شقيقَين كانا يعملان في واحدة من آبار الفحم العشوائية التي تشتهر بها مدينة جرادة، إذ امتلأت بئرهما بالمياه وغرقا، من أبرز الحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب بعد احتجاجات الربيع المغربي، من حيث مستوى الاهتمامات والأشكال التعبيرية.
وخرجت من التحركات الاحتجاجية التي قامت في جرادة، مطالب اجتماعية واقتصادية بتنمية المدينة وتوفير بديل اقتصادي لسكانها، بينما عمدت السلطات المغربية إلى اعتقال عدد من الناشطين على خلفية تلك الاحتجاجات، متّهمة إياهم باللجوء إلى العنف وإذكاء الفوضى.
ثمّ وجّهت المحكمة لهؤلاء الناشطين تهماً من بينها “المشاركة في إضرام النار عمداً في ناقلات بها أشخاص، والمشاركة في وضع أشياء تعوّق مرور الناقلات في طريق عام، وهو ما تسبّب في حوادث خطيرة وإصابة أشخاص بجروح خطيرة، وإهانة واستعمال العنف في حق موظفين عموميّين، وكسر أشياء مخصصة للمنفعة العامة، وحيازة السلاح من دون مبرر والتجمهر المسلح في الطرق العمومية والعصيان المسلح”.
الأندلوسي: من الصعب الحديث عن عودة مرتقبة للحركة
صعوبة عودة حركة 20 فبراير
وعلى امتداد السنوات الـ11 الماضية، تحوّلت ذكرى انطلاق “حركة 20 فبراير”، إلى مناسبة تعود فيها الهيئات الحقوقية والمدنية والسياسية والنقابية للاحتجاج والمطالبة بمزيد من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في إشارة إلى أنّ الأوضاع تكاد تشبه، إلى حد كبير، تلك التي دفعت في 20 فبراير 2011 آلاف المغاربة إلى الخروج إلى الشارع للتظاهر والاحتجاج.
وفي الوقت الذي يتكرر فيه اليوم، مشهد رفع مطالب الحركة في الاحتجاجات في شوارع المدن المغربية، وهي المطالب التي تجد طريقها في وضع اقتصادي واجتماعي صعب، يرى القيادي في حزب “العدالة والتنمية” المعارض، نبيل الأندلوسي، أنه “من الصعب الحديث عن عودة مرتقبة لحركة 20 فبراير بنفس التصور المرجعي وطريقة التعبئة”.
ويلفت في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن الحركة “كانت قبل أزيد من عشر سنوات، بمثابة إجابة موضوعية عن أوضاع اجتماعية وسياسية وحقوقية وطنية، وتأثرت بسياق إقليمي عرف حِراكات شعبية بعدد من دول المنطقة”.
لكن الأندلوسي يرى أنه “في المقابل، يمكن تقدير إمكانية بروز حركات اجتماعية ستكون أكبر زخماً من حركة 20 فبراير، بسبب عدد من الاعتبارات التي تدفع المواطنين إلى النزول إلى الشوارع والساحات والميادين بعد عشر سنوات من السلم الاجتماعي الهش في عمقه على كل حال”.
ويوضح أن “الزيادات المتتالية في الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وتهميش الطبقة الوسطى، والإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا التي تأخذ أحياناً منحى المس بالحقوق والحريات، مثل فرض جواز التطعيم والجرعة الثالثة للاستفادة من بعض الخدمات الإدارية الأساسية، بالإضافة إلى الجفاف وما يستتبعه من آثار اجتماعية واقتصادية، والوعود الكبيرة للأحزاب المشكلة للحكومة التي قدمتها في برنامجها الانتخابي والتي يصعب الالتزام بها، كلها معطيات توحي بغضب شعبي قادم”.
ويضيف أن “هذا الغضب يمكن أن يكون أقوى من حركة 20 فبراير، خصوصاً أن الوسطاء الذين يمكن أن يقوموا بدور الوساطة، سواء الأحزاب السياسية أو النقابات أو حتى الأعيان، قد فقدوا أدوارهم التقليدية جراء فقدان الثقة فيهم من طرف فئات واسعة من الشعب، خصوصاً الشباب”.
ويقول الأندلوسي إن “الوضعين الاجتماعي والاقتصادي والاحتقان الشعبي وضعف المجالس المنتخبة، محلياً ووطنياً، سواء على مستوى الجماعات الترابية أو غرفتي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، تجعل الانفجار والغضب الشعبي مسألة وقت لا أقل ولا أكثر، خصوصاً إذا لم تتدخل الدولة لتصحيح بعض الاختلالات والأخطاء التي تأجج الأوضاع أكثر”.
وبالنسبة للباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، فإن موجة الغلاء التي تعرفها البلاد “يمكن أن تكثّف نسبة المشاركين في الاحتجاجات المخلدة للذكرى الحادية عشرة لحركة 20 فبراير، حسب كل إقليم (محافظة) وحسب مزاجية السلطات المحلية والأمنية في كل منطقة، إلا أن المطالب والاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار، التي تبقى عاملاً محفزاً للمشاركة، لن تشكل محدداً لتطور حركة 20 فبراير”.
ويعتبر شقير، في حديث مع “العربي الجديد “، أن “التظاهرات أو المسيرات وإذا كانت ستعكس نوعاً من التنفيس والتعبير عن مظاهر السخط من موجة الغلاء، إلا أنها لن تؤثر على خصوصية حركة 20 فبراير كحركة شعبية مستقلة مرتبطة بمرتكزات النشأة. كما أن طبيعة تدخل السلطة سيكون حاسماً في تأطير وتحجيم تحركات الحركة”.
البكاري: وضع القوى السياسية التي كانت فاعلة في مرحلة قوة حركة 20 فبراير، متسم بالهشاشة التنظيمية والسياسية اليوم
وعلى غرار نشطاء آخرين، لا يستبعد الناشط الحقوقي، خالد البكاري، أحد أبرز وجوه “حركة 20 فبراير” في مدينة الدار البيضاء، “إمكانية تطور الاحتقان الاجتماعي الذي يسود حالياً، إلى بروز حركة احتجاجية قد تعم مختلف أرجاء البلاد”.
لكن البكاري لا يعتقد أن هذه الحركة الاحتجاجية “قد تؤدي إلى إحياء حركة 20 فبراير، التي هي وليدة سياق إقليمي مواز لما حدث في 2011 في تونس ومصر، وكانت مطبوعة بمطالب سياسية على رأسها الإصلاح الدستوري”.
ويقول البكاري في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “في السنوات الأخيرة، كانت الظاهرة الاحتجاجية محمولة على السؤال الاجتماعي، وبالتالي فمن المستبعد أن تتطور الحركة الاحتجاجية في اتجاه هيمنة المطلب السياسي”.
ويضيف: “كما أن وضع القوى السياسية التي كانت فاعلة في مرحلة قوة حركة 20 فبراير، متسم بالهشاشة التنظيمية والسياسية اليوم، ومستويات التنسيق بينها في حدودها الدنيا”.
ويعتقد البكاري أنّ “الاحتقان قد يتطور في اتجاه احتجاجات شعبية بمطالب اجتماعية”. ويضيف أن “السقف السياسي لن يتجاوز ربما المطالبة بإقالة رئيس الحكومة”، معتبراً أنّه “سيكون من الخطأ اللجوء مرة أخرى إلى المقاربة الأمنية، لأنّ من شأنها أن تحوّل حركة احتجاجية مدنية إلى نوع من الاحتجاج العنيف، في ظلّ ضعف الفاعل السياسي الذي قد يؤدي دور التأطير أو الوساطة”.
#تحشيد #في #ذكرى #ربيع #المغرب #استعادة #أجواء #فبراير
تابعوا Tunisactus على Google News