تحليل: اقتصاد تونس يحتاج للتروي في سياسات رفع الأسعار | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW
تونس والسياحة صنوان لا يفترقان، فإذا جنحت السياحة فيها نحو التحسّن، فإن اقتصادها يجنح بدوره نحو التعافي والازدهار. أما السبب في ذلك فيعود إلى أهمية السياحة في الحالة التونسية كونها القطاع الأكثر تحفيزاً للدخل والنمو وتوفير فرص العمل في الزراعة والنقل والصناعات الاستهلاكية والتجارة الداخلية وقطاعات أخرى. تفيد آخر المعطيات المتوفرة أن القطاع السياحي التونسي سجل نسبة نمو وصلت إلى 46 بالمائة خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من 2017. وخلال العام الفائت استقطبت تونس لأول مرة منذ 2014 حوالي 7 ملايين سائح بفضل قدوم المزيد من السياح وخاصة من الجزائر وروسيا. وهناك تحسّن ملموس في الصادرات مجدداً، الأمر الذي أدى إلى إشاعة أجواء التفاؤل بعودة عجلة الاقتصاد إلى مستوى ما قبل عام 2011 وتحسّن المستوى المعيشي الذي تدهور بفعل سياسات رفع الأسعار ونسب التضخم العالية. وتقدر مصادر متعددة وصول هذه النسبة إلى أكثر من 6 بالمائة أو أكثر خلال كل سنة من السنوات الأربع الماضية وهو الأمر الذي هوى بقيمة الدينار وبالقوة الشرائية لغالبية التوانسة. مطالب إصلاح مبالغ فيها في الوقت الذي تشير فيه المعطيات والأخبار التي يتناقلها زائر تونس هذه الأيام إلى انتعاش ملموس في الاقتصاد هنا وهناك، تعمل حكومة الائتلاف الحالي برئاسة يوسف الشاهد على رفع أسعار المزيد من السلع الضرورية كالمحروقات واتخاذ المزيد من الخطوات التقشفية بهدف تقليص عجز الموازنة في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي التي يراقبها ويباركها صندوق النقد الدولي ومؤسسات دولية مانحة أخرى. وإذا ما ألقى المرء نظرة على قائمة الإصلاحات التي يطالب بها الصندوق، وتكيل لها بعض الصحافة والجهات الغربية أطناناً من المديح بشكل مبالغ فيه، فإنه سيصاب بالدهشة والصداع. فالقائمة لا تشمل فقط رفع الأسعار والخصخصة وفرض المزيد من الضرائب والرسوم، بل أيضا المزيد من التسهيلات الجمركية للواردات وتحسين مناخ الاستثمار والخصخصة وتسريح عشرات الآلاف من العاملين في أجهزة الدولة والقطاع العمومي والقائمة تطول وتطول. أما المثير للصداع أكثر فهو اتساع دائرة المطالب في هذا الوقت الحساس جدا لتحقيق نمو يعزز دعائم ديمقراطية وليدة كالديمقراطية التونسية. الإصلاح بين الضرورة والتوقيت من الناحية النظرية لا نجادل في أهمية التقشف ورفع الأسعار وخطوات الإصلاح الاقتصادي الأخرى لبلد كتونس مثله مثل جميع الدول العربية بلا استثناء. غير أن الأهم من ذلك والذي ينبغي الجدال فيه هو اختيار التوقيت المناسب لها على مبدأ المثل الشامي الذي يقول: “كل شيء في وقتله حلو أو جميل”. من جهة أخرى لا بد من التحضير لاستيعاب التبعات المالية والاجتماعية المترتبة على تنفيذ الإصلاحات المذكورة. ومن الأسئلة الملحة التي تطرح نفسها هنا، ماذا سيكون مصير ملايين التوانسة جراء رفع أسعار المزيد من المواد الاستهلاكية دون تحسين دخولهم؟ وماذا سيكون مصير مئات الآلاف الذين ينبغي تسريحهم جراء تقليص العاملين في إدارات الدولة وفي المؤسسات التي ينبغي خضوعها للخصخصة؟ ففي ظل غياب نظام تعويض عن البطالة يحمي من الجوع وضمانات اجتماعية أخرى حيوية سيعني ذلك بالطبع مزيد من الفقر والعوز والاحتجاجات الشعبية التي تهدد بنحر الديمقراطية التونسية الوليدة، ومن المؤكد أن ذلك ليس في مصلحة تونس ولا غالبية المانحين لها؟ أين الدعم الغربي للديمقراطية الوليدة؟ إن تونس وأي بلد له ظروف مشابهة لا يمكن له القيام بالإصلاحات الاقتصادية بمفرده، لأن ذلك يحتاج إلى مليارات الدولارات لاستيعاب التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لعملية الإصلاح. كما يحتاج إلى فترات تصل إلى ما لا يقل عن 10 سنوات لتهيئة الشركات والمؤسسات الاقتصادية للمنافسة العالمية وتصحيح أوضاعها قبل خصخصتها. هذا ما أظهرته تجربة ألمانيا الغربية مع ألمانيا الشرقية سابقاً عندما قدمت لها ما يعادل عشرات المليارات من اليوروهات على مدى 25 للتعويض عن تسريح ملايين الأشخاص الذين فقدوا عملهم بعد انهيار الجمهورية الشيوعية سابقاً، ومن أجل تحديث بنيتها التحتية. وهو الأمر الذي أظهرته أيضا تجربة الاتحاد الأوروبي مع الدول التي عانت من تشوهات في اقتصادياتها مثل إسبانيا وإيرلندا والبرتغال قبل انضمامها إليه. ومن هنا فإن على الغرب وفي مقدمته الاتحاد الأوروبي دعم تونس كديمقراطية وليدة على غرار دعمه لهذه الدول بدلاً من تركها تستسلم لوصفات صندوق النقد الدولي وضغوط الجهات المانحة من خلال القروض التي تتراكم بالمليارات سنة بعد سنة. الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: المبالغة في التقشف ورفع الأسعار سيخنق نمو الاقتصاد التونسي في مهده الجدير ذكره هنا المنح السنوية الأوروبية لتونس بقيمة 100 إلى 170 مليون يورو سنويا لا تغطي سوى جزء يسير من تكاليف عميلة الإصلاح المطلوبة. في هذه الأثناء تقدر أوساط حكومية تونسية الحاجة إلى 3 مليارات دولار هذه السنة للوفاء بالالتزامات المالية. الحل في التروي تشير معطيات الأشهر الماضية إلى عودة تونس إلى انتعاش اقتصادي لابد من الحرص الشديد على استمراره بسبب الحاجة الماسة لدفع معدلات النمو والحد من الفقر والبطالة. ومما لاشك فيه أن اللجوء إلى مزيد من الدين الخارجي والمبالغة في رفع الأسعار وتردي القوة الشرائية للتوانسة وزعزعة الثقة بعملتهم وغير ذلك من خطوات تقشفية أخرى ستؤدي إلى خنق هذا الانتعاش في مهده، لأن الاستثمارات ستتراجع وتكاليف الإنتاج ترتفع والصادرات تتراجع وسيكون الانكماش مصير كل من السوق والاقتصاد. ومن هنا فإن على الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد أن تكون في غاية الحذر من الوصفات الخارجية والوعود بقدوم الاستثمارات الأجنبية كشرط للالتزام بها. وهنا لا بد من التذكير بأن دولاً مثلا تركيا والأرجنتين والبرازيل طبقت في الماضي هذه الوصفات، لتصل بعدها إلى سلسلة من الإفلاسات التي وضعتها على حافة الانهيار الاقتصادي. ومن هنا تبدو تحذيرات الاتحاد العام التونسي للشغل من زيادة الأسعار حالياً في محلها لأنها لن تزيد “إلا في إثقال كاهل عموم الشعب وفي تأزيم وضع المؤسسات الاقتصادية”. ومما يعنيه ذلك أن على الحكومة التروي والقيام بعملية الإصلاح الاقتصادي خطوة فخطوة وبشكل ناجح ومدروس على ضوء التجربة العملية ودروسها. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة اغتيالات سياسية هز اغتيال قادة سياسيين علمانيين كمحمد براهمي وشكري بلعيد تونس في عام 2013. وبشكل روتيني تشهد البلاد مظاهرات تدعو إلى إحقاق العدالة في القضيتين. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة ظلال الماضي قبل اندلاع “ثورة الياسمين” قبل سبع سنوات كان الجميع يخشى من ظله: الحيطان لها آذان. اليوم يشعر التوانسة بالفخر بحرية الرأي التي ينعمون بها. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة مقهى البرلمان “نملك اليوم، على الأقل، حرية الكلام”، هذا هو لسان حال ابن الشارع في تونس. وأضحت مقاهي كالبرلمان منتديات للنقاشات التي أطلقتها الثورة من قمقمها. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة رصاصة في حائط متحف باردو المتحف الوطني التونسي باردو كان مسرحاً لهجوم إرهابي عام 2015 خلفا 24 قتيلاً. وما يزال يعاني الاقتصاد الذي يعتمد إلى حد كبير على السياحة من تبعات ذلك الهجوم وآخر أكثر دموية على فندق بالقرب من سوسة. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة أكبر مصدر لـ”الدواعش” إلى جانب متحف باردو شهدت مدينة سوسة اعتداء إرهابياً ذهب ضحيته 38 سائحاً. كما تشكل تونس البلد الأول الذي ينحدر منه أكبر عدد من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة جنون بكرة القدم..لامبالاة بالسياسية يشكو بعض الشباب التونسي من أن المجتمع يركز جل اهتمامه على كرة القدم أكثر من الأمور السياسية في تونس ما بعد “ثورة الياسمين”، متجاهلاً مشاكل جدية. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة الكفاح من أجل حقوق المرأة في فبراير/ شباط الماضي دخل تشريع يجرم العنف ضد المرأة حيز التنفيذ. انخرطت وفاء فراوس في النضال من أجل المرأة وهي بنت خمسة عشر عاماً. ويعد الثورة كانت أحد الشخصيات التي صاغت مسودة الدستور، بما يضمن المساواة بين الجنسين. واليوم هي مديرة “بيتي”، وهو الملجأ الوحيد للنساء المعنفات. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة الأمل الوحيد بالنسبة للكثير من التونسيين فإن الخيار الوحيد للهروب من براثن الفقر هو ركوب البحر إلى أوروبا في رحلة هجرة غير شرعية ومحفوفة بالمخاطر والأهوال نحو “الفردوس الأوروبي”. في عام 2017 وصل أكثر من 6000 تونسي السواحل الإيطالية. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة شباب مركون على الكراسي بلا عمل في أحد مقاهي العاصمة، يتحلق رجال حول طاولة بلاستيكية تعلوها فناجين قهوة وعلى الأرض تتناثر أعقاب السجائر. “هذه هي البطالة”، يقول أحد الجالسين. ثلاثة من الجالسين في المقهى على الأقل تم ترحيلهم من إيطاليا بعد وصولهم هناك بشكل غير شرعي. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة الهروب من الماضي إلى المخدرات أحد رواد المقهى الدائمين يقول إن الكثير من التونسيين اتجهوا إلى الخارج للهروب من أحكام بالسجن والإنفاق على عائلاتهم في الوطن أو قطع أي علاقة لهم بالماضي. “ركبنا البحر أنا وخمسة آخرين إلى لامبيدوزبا، حيث قضيت أربع سنوات في شمال إيطاليا وأنا أتاجر بالمخدرات لإرسال ما يكفي من النقود لعائلتي”. تونس بعد سبع سنوات على “ثورة الياسمين”.. نفق ما بعد الثورة المسمار الأخير في النعش قضى المئات من التونسيين نحبهم أثناء محاولاتهم الوصول بحراً وبشكل غير شرعي إلى أوروبا. على طول الشاطئ التونسي على المتوسط تتناثر قبور لأشخاص مجهولي الهوية. بيناس جيردزيوناس/ خ.س
الصورة من المصدر : www.dw.com
مصدر المقال : www.dw.com