- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

تحويلات العاملين تقلل حدة التفاوت الاقتصادي بين الدول العربية | القدس العربي

23 – أكتوبر – 2021


حجم الخط

ستزداد حدة التفاوت الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط خلال العامين الحالي والمقبل، حيث ستواجه الدول المصدرة للعمالة مزيدا من الصعوبات. في حين ستكون الدول المصدرة للنفط في وضع أفضل، من حيث توازن ماليتها الداخلية، وموازين حساباتها الجارية مع العالم. ويعود ذلك إلى توقعات زيادة أسعار الطاقة، ومن ثم إيرادات تصدير النفط والغاز. ومع ذلك فإن تحويلات العاملين ستظل تلعب دورا رئيسيا في تقليل حدة التفاوت، باعتبارها القناة الرئيسية لإعادة توزيع عائدات الثروة النفطية في العالم العربي.
ويعتبر ميزان الحساب الجاري، وليس ميزان المدفوعات، هو المرآة الحقيقية لصافي معاملات أي دولة مع غيرها من دول العالم. ويشمل ميزان الحساب الجاري ثلاثة أبواب رئيسية، الأول هو صافي التجارة السلعية (قيمة الصادرات – قيمة الواردات). والثاني هو صافي التجارة غير السلعية أو تجارة الخدمات، التي تشمل بنودا مثل السفر والسياحة والنقل والتأمين، التي تحتسب أيضا بقيمة الإيرادات المتحصلة من الخارج مطروحا منها قيمة المدفوعات نظير الخدمات التي تم الحصول عليها من العالم الخارجي. أما الباب الثالث فيتمثل في صافي قيمة التحويلات المالية الجارية والتحويلات بدون مقابل مثل تحويلات العاملين والمنح والمساعدات غير المستردة. وقد اتفق علماء الاقتصاد بشكل عام على أن معدل الأمان الضروري لميزان الحساب الجاري هو ألا يزيد العجز فيه عن 3 في المئة من قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي. ولذلك فإن صندوق النقد الدولي يحرص في روشتة الإصلاح التي يطلب أن تنفذها أي دولة مقترضة ألا يتجاوز عجز الحساب الجاري نسبة 3 في المئة من الناتج المحلي. أما ميزان المدفوعات فإنه يشمل صافي الحساب الجاري، وصافي الحساب المالي والرأسمالي، الذي يشمل القروض والاستثمارات المالية والاستثمارات الأجنبية المباشرة. ويعتبر الاعتماد على الغذاء المستورد، خصوصا القمح، أحد العوامل الرئيسية التي تضغط على الميزان التجاري، ومن ثم الحساب الجاري، وتقذفه إلى المنطقة الحمراء.

دول الفائض ودول العجز

وطبقا لتوقعات صندوق النقد الدولي الأخيرة لآفاق النمو في منطقة الشرق الأوسط، فإن الحساب الجاري للدول المصدرة للنفط سيسجل فائضا في العام الحالي بنسبة 3.9 في المئة من الإنتاج المحلي الاجمالي، ثم بنسبة 3.4 في المئة في عام 2022. وستأتي الكويت في المركز الأول من حيث نسبة الفائض، حيث من المتوقع أن يصل إلى 15.5 في المئة في العام الحالي ثم 13.3 في المئة في العام 2022 تليها قطر بنسبة 8.2 في المئة و11.6 في المئة، وتأتي الإمارات في المركز الثالث بنسبة 9.7 في المئة و9.4 في المئة، ثم السعودية في المركز الرابع بنسبة 3.9 في المئة و 3.8 في المئة. أما العراق فرغم أنه سيحقق فائضا في الحساب الجاري للعام الحالي بنسبة 6.2 في المئة، إلا أن ذلك الفائض سينقلب إلى عجز بنسبة 4 في المئة في العام المقبل. وعلى النقيض من ذلك فإن ميزان الحساب الجاري لكل من الجزائر وسلطنة عمان سيسجل عجزا بنسبة 7.6 في المئة ثم 5.5 في المئة للجزائر، و5.8 في المئة ثم 0.9 في المئة لسلطنة عمان في العامين الحالي والآتي على التوالي.
أما بالنسبة لدول شرق وشمال أفريقيا المستوردة للنفط فإنها بشكل عام ستعاني من عجز في حساباتها الجارية يعادل 3.7 في المئة من الإنتاج المحلي الإجمالي للعام الحالي، يرتفع إلى 4 في المئة في العام المقبل. وسيكون السودان هو أشد الدول العربية تأثرا بعجز الحساب الجاري، الذي سيصل في العام الحالي إلى 10.1 في المئة مقابل معدل أسوأ في العام الماضي بلغ 17.5 في المئة. ومن المتوقع أن ينخفض العجز في العام المقبل إلى 9.4 في المئة. وسيأتي بعد السودان في الترتيب من حيث حدة العجز في الحساب الجاري في العام الحالي كل من الأردن وتونس ومصر والمغرب بالترتيب، بنسبة 8.9 و 7.3 و 3.9 و 3.1 في المئة. وفي عام 2022 سيستمر السودان في المركز الأول من حيث نسبة العجز في الحساب الجاري، تليه تونس والأردن ومصر والمغرب على الترتيب. ومن بين دول الشرق الأوسط غير العربية ستتمتع إسرائيل بفائض في الحساب الجاري يعادل 3.8 في المئة من الإنتاج المحلي الاجمالي للعام الحالي، يرتفع إلى 4.3 في المئة لعام 2022. أما إيران فستحقق فائضا في العام الحالي بنسبة 1.3 في المئة، ينقلب إلى عجز بنسبة 1 في المئة في العام الحالي. وستواجه تركيا عجزا في الحساب الجاري بنسبة 2.4 في المئة و 1.6 في المئة في العامين الحالي والآتي.

رذاذ الثروة النفطية

وبما أن تحويلات العاملين تمثل العمود الفقري المساند للحساب الجاري في الدول النفطية المصدرة للعمل مثل مصر والمغرب والأردن ولبنان والسودان، فإن ارتفاع أسعار النفط يغذي أيضا قناة تحويلات العاملين إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما يقلل إلى حد كبير نسبة التفاوت الاقتصادي بين الدول المصدرة للعمل والدول المصدرة للنفط. وقد أسهمت تحويلات العاملين بدور كبير في تحسين الحسابات الجارية لدولهم الأصلية. وعلى الرغم من تراجع إيرادات تصدير النفط في العام الماضي فإن البنك الدولي لاحظ أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج، ومعظمهم في دول الخليج قد زادت بنسبة 11 في المئة. كذلك زادت تحويلات المغاربة العاملين في الخارج، الذين تعمل الأغلبية الساحقة منهم في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 6.5 في المئة، وزادت التحويلات التي تلقتها تونس بنسبة 2.5 في المئة. وقد جاء هذا الارتفاع على العكس من انخفاض التحويلات إلى الدول النامية المصدرة للعمل على المستوى العالمي بنسبة 1.6 في المئة في العام الماضي، حيث بلغت 540 مليار دولار بانخفاض مقداره 8 مليارات دولار عن عام 2019. وأوضحت بيانات البنك الدولي أن تحويلات العاملين في منطقة الشرق الأوسط عموما إلى بلدانهم الأصلية زادت بنسبة 2.3 في المئة لتصل إلى 56 مليار دولار، استحوذت مصر وحدها على أكثر من نصفها بقيمة 30 مليار دولار. وكان البنك الدولي قد توقع انخفاض التحويلات من الشرق الأوسط بنسبة 8 في المئة، لكن النتائج الفعلية جاءت بالزيادة على العكس من التوقعات.

تأثير إيجابي متوقع

وقد أقام البنك تقديراته للعام الحالي على أساس أن التحويلات ستنخفض بنسبة 8 في المئة. لكن تقديرات صندوق النقد الدولي الأخيرة التي تشير إلى انتقال الحساب الجاري للدول النفطية من عجز بنسبة 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى فائض بنسبة 3.9 في المئة من المرجح أن تؤدي إلى زيادة تحويلات العاملين على عكس توقعات البنك. وهو ما يعني أن التحويلات ستستمر في مواصلة دورها الإيجابي في تقليل التفاوت بين الدول المصدرة للعمل والدول المصدرة للنفط. ومن المرجح أن تؤدي زيادة إيرادات الصادرات النفطية إلى انعاش الاستثمارات في القطاعات النفطية وفي القطاعات الاقتصادية الأخرى، بما فيها من مشاريع البنية الأساسية التي تحتاج إلى عمالة كثيفة، وهو ما سيؤدي إلى رفع معدل التشغيل سواء بين العمال الوطنيين أو الأجانب. كما أن حصول المقاولين على مستحقاتهم المالية المتأخرة سيساعد على تقليل تسريح العمالة الأجنبية، بل والاتجاه إلى زيادتها، خصوصا في القطاعات التي تعاني نقصا في الأيدي العاملة المحلية، سواء في القطاعات التكنولوجية الحديثة أو في القطاعات الكثيفة العمل.
نخلص مما سبق إلى أن ارتفاع أسعار النفط والغاز في العام الحالي ستنتفع منها الدول المصدرة للنفط والدول المصدرة للعمل، كل بمقدار. وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يسجل صافي معاملات الحسابات الجارية للدول النفطية والدول المصدرة للعمل اتجاها مختلفا، بتحقيق فاىض في المجموعة الأولى وعجز في الثانية، إلا أن تحويلات العاملين من الدول النفطية إلى بلدانهم الأصلية ستسهم كثيرا في تقليل العجز في الحسابات الجارية لهذه البلدان. ففي مصر على سبيل المثال بلغت تحويلات العاملين في السنة المالية الأخيرة 20/21 حوالي 31.4 مليار دولار، في حين بلغ عجز الحساب الجاري 18.4 مليار دولار. وبدون تحويلات العاملين كانت قيمة عجز الحساب الجاري سترتفع إلى حوالي 50 مليار دولار. وتنطبق شروط المعادلة نفسها على الدول العربية الأخرى التي تمثل فيها تحويلات العاملين نسبة مهمة من الدخل القومي، مثل لبنان حيث تصل تسهم التحويلات بنسبة 33 في المئة من الإنتاج المحلي.
وتزيد أهمية التحويلات إذا عرفنا انها تتفوق على قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول المصدرة للعمل ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ويقدر البنك الدولي قيمة الاستثمارات الأجنبية التي حصلت عليها الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط عام 2020 بحوالي 259 مليار دولار، كما يقدر قيمة مساعدات التنمية الرسمية في العام نفسه بقيمة 179 مليار دولار. وعلى الرغم من تراجع قيمة تحويلات العاملين، فإنها تظل أكبر من قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ومساعدات التنمية الرسمية، حيث بلغت قيمة التحويلات 540 مليار دولار، مقابل 438 مليارا لكل من الاستثمار الأجنبي المباشر ومساعدات التنمية الرسمية مجتمعين. وعلى هذا فإن تحويلات العاملين تلعب دورا مهما في إعادة توزيع الدخل بين الدول العربية، وهو دور أهم بكثير من الدور الذي تلعبه التجارة والاستثمارات. كذلك فإن التحويلات تلعب دورا رئيسيا في التنمية الاقتصادية للدول العربية المصدرة للعمل، سواء من ناحية زيادة الإنفاق الاستهلاكي على السلع والخدمات، أو من ناحية زيادة الإستثمار، خصوصا في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تولد أكبر عدد من فرص العمل مقارنة بغيرها من المشروعات.

- الإعلانات -

#تحويلات #العاملين #تقلل #حدة #التفاوت #الاقتصادي #بين #الدول #العربية #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد