تركيا.. أطماع خبيثة منذ القدم تتجدد بآليات متعددة – 3 – ANHA | HAWARNEWS
‘تونس رأس الحربة لتركيا في مشاريعها بأفريقيا’
ومنذ استلام حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان الحكم في تركيا، اتجهت الأخيرة للبحث عن توسيع هيمنتها وسيطرتها على بلدان ومقدرات المنطقة وخصوصًا البلدان العربية.
وسنستعرض في الجزء الثالث من ملفنا الذي يرصد التدخلات التركية في البلدان العربية، استغلالها لموجة ربيع الشعوب واستخدام حركات الإسلام السياسي وخصوصًا “الإخوان المسلمين” وكانت من هذه الضحايا، تونس.
‘العلاقة بين تركيا وتونس ما قبل الثورة’
شكل عام 2004 تاريخًا مفصليًّا في العلاقة بين تركيا وتونس، حيث وقّعت تركيا خلاله اتفاقات تبادل تجاري حرّ مع تونس بصفتها إحدى الدول الواقعة في المنطقة المغاربية وتشكل سوقًا واعدة بنحو 100 مليون مستهلك، وهي أيضًا قاعدة جيواستراتيجية، تريد تركيا أن تنطلق منها نحو العمق الأفريقي.
إضافة إلى ذلك تم التوقيع على اتفاق تعاون صناعي في 2006 دخل حيز التنفيذ في 2007 واتفاق بين المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية ونظيره التركي في 2008 وفي 2010 مذكرة تفاهم بين وكالة النهوض بالصناعة والتجديد ومنظمة تنمية المؤسسات الصغرى والمتوسطة وفي قطاع المناجم أبرم الجانبان اتفاقًا سنة 2006.
‘حركة النهضة.. أداة تركية في تونس’
ومع بدء ربيع الشعوب في المنطقة والتي انطلقت من تونس، استغلت تركيا حركات الإسلام السياسي في هذا البلد، ووقع الاختيار على حركة النهضة الإخوانية التي كانت محظورة من العمل في البلاد سابقًا.
وتأسست حركة النهضة عام 1972 وأعلنت رسميًّا عن نفسها في 6 حزيران/ يونيو 1981، ولم يُعترف بالحركة كحزب سياسي في تونس إلا في 1 آذار/ مارس 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي (هي حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في تونس وشكلت يوم 17 كانون الثاني/يناير 2011) بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلاد على إثر اندلاع الثورة التونسية في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010.
ودخلت البلاد في بداية 2013 في أزمة، بلغت أوجها عند اغتيال المعارض شكري بلعيد، وهو ما أدى إلى استقالة حكومة حمادي الجبالي وتعيين وزير الداخلية والقيادي في النهضة علي العريض في منصب رئيس الحكومة الجديد في 13 آذار/مارس 2013.
وواجهت هذه الحكومة نفس تحديات حكومة الجبالي، وفي 25 تموز/يوليو 2013، تم اغتيال المعارض والنائب محمد البراهمي، وهو ما أدخل البلاد في أزمة سياسية جديدة، أدت إلى تنظيم الحوار الوطني بين الائتلاف الحاكم والأحزاب المعارضة، وذلك برعاية أربع منظمات وطنية تونسية.
وتم الاتفاق في هذا الحوار الوطني على استقالة حكومة علي العريض وتكوين حكومة تكنوقراط جديدة من المستقلين، وأيضاً التسريع في التصديق على الدستور الجديد وأعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
بعد انتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل المجلس التأسيسي في 8 كانون الثاني/يناير 2014 والتصديق على الدستور في 26 من الشهر ذاته، قدمت حكومة علي العريض استقالتها تبعاً لقرارات الحوار الوطني، وتمت المصادقة على حكومة مهدي جمعة المستقلة بالكامل والجديدة.
وبعد فشل النهضة في انتخابات 2014، لم تتوقف مساعي نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعزل تونس عن محيطها العربي بافتعال أزمات وزرع للفتن، لتهيئة موضع قدم في جنوب البحر المتوسط من خلال استثماره بتنظيم الإخوان المسلمين.
وامتدت فترة حكم حركة النهضة بين 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 تاريخ افتتاح أعمال المجلس التأسيسي، و2 كانون الأول/ديسمبر 2014 تاريخ نهاية أعمال المجلس التأسيسي وافتتاح أعمال مجلس نواب الشعب، بينما انتهت أعمال آخر حكومة للنهضة في 29 كانون الثاني/يناير 2014.
ولم يبقى منذ وقتها للنهضة وحلفاؤها في الترويكا إلا السلطة التشريعية، الذين بقوا فيها حتى تسليم السلطة إلى مجلس نواب الشعب الجديد في 2 كانون الأول/ديسمبر 2014 وذلك بعد انتخابات 26 تشرين الأول/أكتوبر 2014.
نفوذ تركي اقتصادي قوي في البلاد
وعقب تسلم حركة النهضة الحكم في تونس، عززت تركيا وجودها في تونس عبر معاهدات اقتصادية مكنت تركيا من خلالها تصدير بضائعها إلى تونس على حساب الصناعة التونسية، الأمر الذي تسبب بأزمة اقتصادية في البلاد وارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير.
فخلال عام 2011 فترة تولي حركة النهضة الحكم، وقعت تركيا وتونس معاهدة صداقة وتعاون، كما صدرت أنقرة في حزيران/يونيو 2012 تمويلات بقيمة 500 مليون دولار، وأحدثت مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي التونسي التركي انعقدت دورته الأولى يومي 5 و6 حزيران/يونيو 2013 في تونس وتم خلالها التوقيع على 12 اتفاقية تعاون و9 خطط عمل قطاعية، وبحسب بيانات سنة 2015، فإن حجم الاستثمارات التركية فاق 210 ملايين دولار أمريكي.
دعم عسكري
ولم تكتفي تركيا بتدخلها اقتصادياً في تونس بل دفعت أنقرة نفسها بسرعة نحو فرض المزيد من أوراق الضغط المختلفة لرسم معادلات جديدة يكون ناتجها الآني والمستقبلي تكريس هيمنة تركيا على تونس تماماً، إذ كشف رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة للرئاسة التركية إسماعيل دمير، في وقت سابق، عن أن الصادرات العسكرية إلى تونس بلغت قيمتها 150 مليون دولار.
وقال في تغريدة له عبر تويتر إن خمس شركات تركية حققت صادرات مهمة إلى تونس، حيث بلغت قيمتها 150 مليون دولار، تمت بالتنسيق مع مؤسسة الصناعات الدفاعية.
وكشفت وسائل إعلامية في وقت لاحق أن الدعم التركي العسكري شمل طائرات مسيرة من طراز “العنقاء – أس” لشركة الصناعات الجوية والفضائية “توساش”، ومدرعات من طرازي “كيري” لشركة “بي.أم.سي”، و”أجدر يالتشين” لشركة “نورولماكينا”، وآليات مختلفة مثل الصهاريج والدبابات لشركة “كاتميرجيلار”، وأنظمة كهروضوئية لشركة “أسيلسان”.
تونس.. رأس الحربة لتركيا في أفريقيا
الأطماع والتآمر التركي على الدول العربية في الشرق الأوسط وإفريقيا باتت واضحة، فبالإضافة إلى خطط أردوغان لإعادة العهد العثماني مرة أخرى، تستغل تركيا نفوذها في تونس لاستخدامه كرأس حربة ضد الدول العربية الأخرى، إذ يرى مراقبون أن توقيت الكشف عن المبيعات العسكرية والأمنية التركية إلى تونس، ليس بريئا، وإنما هو على صلة بما تخطط له تركيا عبر وكلائها في تونس، وخاصة حركة النهضة الإخوانية، من مخططات تستهدف تحويل تونس إلى “رأس حربة” لمشاريعها في المنطقة المغاربية.
وترغب تركيا في السيطرة على حركة الملاحة الجوية في تونس المرشحة لتكون همزة الوصل بين إفريقيا وغرب أوروبا وبين شرق المتوسط وغربه باعتبار الموقع الاستراتيجي لتونس التي تقع بها أعلى نقطة في إفريقيا، وباعتبارها تتوسط الشمال الإفريقي، وتتوسط مع إيطاليا البحر الأبيض المتوسط وتقسمانه إلى حوض شرقي وآخر غربي وتشرفان على الحوضين دون سواهما وعلى مضيق صقلية الرابط بين الحوضين.
رفض شعبي وسياسي تونسي للتدخلات التركية
وواجهت تركيا نكسة كبيرة في مساعيها لتوسيع دائرة نفوذها في تونس، ففي نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019، كشفت تونس عن مخطط أردوغان لتوطيد نفوذه في البلاد لإعادة الدولة العثمانية، خاصةً بعد رفضهم للتدخل التركي في ليبيا؛ لدعم مجموعات الوفاق؛ حيث أعلن الناشطون التونسيون وقتها وعلى رأسهم السياسية البارزة عبير موسى، أن “أردوغان” لا يريد سوى تحقيق مصلحته بتخريب ونهب ثروات البلدان العربية، ودعم الجماعات المتطرفة؛ لتنفيذ مخططه.
وفي إطار ذلك شهدت تونس تظاهرات حاشدة أمام مقر السفارة التركية بالعاصمة تونس؛ احتجاجًا على خطط محتملة لتدخل عسكري تركي في ليبيا، وأعلنوا رفضهم للتدخل التركي في تونس وأن الشعب التونسي سيد قراره، ولن يسمح أبدًا بأن تمر مؤامرته، ودعا المتظاهرون الرئاسة التونسية، إلى تبني خطاب واضح، بشأن التدخلات التركية في تونس وجميع الدول العربية.
‘أطماع تركية’
وحول ذلك قال مؤسس ورئيس جمعية تونس الحرة وعضو التحالف الدولي لمسؤولية الحماية حازم القصوري: “مع وصول النهضة إلى سدة الحكم عادت الأطماع التركية إلى واجهة الأولويات التركية لاستراد حلم دولة الخلافة المزعومة”.
وبين القصوري أن النفوذ التركي عاد إلى تونس عبر الشركات في جميع القطاعات، موضحاً أنه تم إغراق الأسواق التونسية بالمنتوجات التركية والخدمات والتجهيزات الأمنية، وقال: “إن تظاهرات 6 شباط شاهدة على المعدات التركية التي استعملت في قمع المتظاهرين السلميين”.
وأكد القصوري أنه يجب تحصين البلاد من خلال التشريعات والسياسات الوقائية كي لا تنضرب البلاد من الرأسمال الوطني وكذلك الضغط على تركيا من مبدأ المعاملة بالمثل والإسراع فوراً في بناء توازن سياسي يهدف إلى إنقاذ البلاد من الارتهان للأتراك والخارج ولعب دور إقليمي هام لكسر الحصار والتحالف مع أطراف ضد المشروع التركي الداعم للإخوان.
وأشار القصوري في حديثه إلى تحكم تركيا بالاقتصاد التونسي وقال: “قام الأتراك بإغراق الأسواق التونسية، وبتسهيل من وزراء تجارة حركة النهضة، ببضائع تركية لا يحتاجها البلد ما أدى لأن تصبح المصانع التونسية، التي تشغل العمال التونسيين والتي تنتج أجود منها مهددة بالإفلاس”.
ولفت إلى أنه يتم الدفع للأتراك بالعملة الصعبة وهو ما يمس من مدخرات البلد التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة نتيجة لهذا العامل ولعوامل أخرى من بينها تراجع نسق التصدير.
‘أردوغان يحن إلى الامبراطورية العثمانية’
وبدوره قال رئيس المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق في تونس ماجد البرهومي: “الرجل المريض رجب طيب أردوغان يحن إلى عصر الإمبراطورية العثمانية التي تخلص منها العرب بشق الأنفس بعد قرون من الكبت على الصدور وخنق الأنفاس أوصلت البلدان الخاضعة لها إلى حالة من الضعف والوهن سهلت استقرار الاستعمار الغربي بها”.
وأضاف: “في حنين أردوغان إلى عصر إمبراطورتيه البائدة رغبة في الهيمنة على مستعمراتها السابقة ومنها تونس التي شن عليها العثمانيون حملة بقيادة سنان باشا زمن السلطان سليم الثاني هدمت منجه البحر بالإضافة إلى كتائب إنكشارية زحفت براً من الجزائر التي حلت عليها نكبة الاحتلال العثماني قبل تونس وذلك منذ عصر سليمان القانوني، وفي هذا الإطار اعتبر خادم العثمانيين، زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي، أنه لولا سنان باشا لكانت تونس اليوم دولة غير مسلمة لأن حملة الوزير الأكبر العثماني على الخضراء أنقذتها من أطماع الإسبان، بحسب الغنوشي الذي دأب باستمرار على الحط من شأن وطنه وإعلاء راية من يدين لهم بالولاء او يتمسح على أعتابهم للأكل من موائدهم. وللرجل تصريحات كثيرة في هذا الإطار تدخل جميعها في خانة التزلف للأخرين من أصحاب الفضل عليه ومن داعميه بالمال والنفوذ لإحكام قبضته على تونس وخنق شعبها”.
‘الغنوشي وحركة النهضة وسيلة للأتراك للتدخل في تونس’
وبيّن البرهومي أن “الغنوشي وحركة النهضة يعتبران عموماً وسيلة أردوغان والأتراك للولوج إلى تونس والسيطرة على اقتصادها وعلى قرارها السياسي السيادي، باعتبارها في نظر أردوغان وأتباعه آيالة أو ولاية عثمانية سابقة رغم أن تاريخها يمتد لآلاف السنين قبل التواجد التركي في آسيا الصغرى”.
ولفت إلى أن تركيا تسعى للسيطرة على البلاد من خلال تمويل الحملات الانتخابية والأنشطة الحزبية لحركة النهضة لإيصالها إلى الحكم لتقوم هي لاحقاً برد الجميل من خلال جعل البلد رهينة بيد الأتراك.
’تركيا وضعت يدها على المطارات’
وعلق رئيس المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق في تونس ماجد البرهومي على الاستراتيجية التركية في تونس، وأكد أن شركة تركية وضعت يدها منذ عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، على مطار المنستير الحبيب بورقيبة الدولي ومطار النفيضة الحمامات الدولي فيما المطارات السبعة الباقية ومنها مطار تونس قرطاج الدولي، المطار الرئيسي، بقيت تحت تصرف الدولة التونسية.
وأضاف: “نتيجة لرسو طائرات الخطوط التونسية في المطارين اللذين تشرف عليهما الشركة التركية، ترتبت ديون على الناقلة الوطنية للشركة التركية التي لم تفوت الفرصة لتجميد حسابات شركة الخطوط التونسية رغبة في الإضرار بها اقتصادياً. والمؤسف أن الدولة التونسية دائنة للشركة التركية بمبلغ مالي يفوق بكثير دين الشركة التركية على الخطوط التونسية ورغم ذلك لم تتجرأ حكومة حركة النهضة على المطالبة بأموال تونس من الشركة التركية لأن الحزب الإخواني الحاكم لا يمكن أن يتجرأ على أسياده الأتراك”.
وأكد ماجد البرهومي أن “للأتراك رغبة في وضع اليد على شركة الخطوط التونسية وهم يتحينون الفرصة للانقضاض عليها ويساعدهم في ذلك تأخر الحكومة في القيام بالإصلاحات اللازمة التي تحتاجها الناقلة الجوية الوطنية. لكن التونسيين لا يبدو أنهم سيرضخون وخصوصاً الطرف النقابي ممثلاً بالاتحاد العام التونسي للشغل الرافض قطعياً للتفويت في المؤسسات العمومية وخصوصاً شركة الخطوط التونسية”.
‘استخدام تونس كمنصة باتجاه ليبيا’
وقال رئيس المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق في تونس ماجد البرهومي في نهاية حديثه إن “الأتراك يرغبون بالدعم التونسي في الملف الليبي باعتبار الترابط التاريخي والثقافي والحضاري بين تونس والغرب الليبي اللذين مثلا على الدوام كياناً واحداً منذ العصر القرطاجي وإلى حدود سقوط ليبيا بيد العثمانيين. لكن حركة النهضة تصطدم في هذا الإطار بمعارضة داخلية واسعة لتخندقها مع الأتراك في الملف الليبي ناهيك عن أن الرئيس قيس سعيد لا يتبنى مواقفها”.
(ح)
ANHA
تابعوا Tunisactus على Google News