تطويع التكنولوجيا من أجل فضاء عام أكثر أمانا للمرأة | راضية القيزاني
أكدت الإحصائيات الصادرة عن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بتونس عجز القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، عن حمايتها من كل أشكال الاعتداءات المسلطة عليها وكان القانون الصادر في العام 2017 بمثابة ردة فعل طبيعية لما أثبتته الدراسات حينها من تنامي حجم العنف المسلط على المرأة بشكل يبعث على التحرك التشريعي السريع لسدّ الشغورات القانونية في هذا المجال، ولتطوير الأحكام التي لم تعد متلائمة مع متطلبات الحياة. لكن ظل العنف ضد المرأة متواصلا.
وأثبت المسح الميداني الذي أنجزه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بتونس في العام ذاته الذي صدر فيه القانون المذكور، أنّ 47. 6 في المئة من ضمن شريحة النساء المتراوحة أعمارهن بين 18 و64 سنة تعرضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرة واحدة طيلة حياتهن، وأن 32. 9 في المئة من النساء تعرضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرة واحدة خلال الــ12 شهرا السابقة. كما سجل المسح ارتفاع نسبة العنف الجسدي الذي تتعرض له المرأة إلى 31. 7 في المئة، تليها نسبة العنف النفسي بـ28. 9 في المئة والعنف الجنسي بـ15. 7 في المئة.
هذا فضلا عن النقائص التي ما زالت تعتري المنظومة القانونية التونسية في مجال حماية المرأة من جميع أشكال العنف والتي أهمها تشتت النصوص القانونية وعدم وجود إطار موحّد يجمع بين أحكامها المتفرقة ويسهّل مهمة القضاء في حماية المكاسب المتعددة التي تحظى بها المرأة التونسية.
كما بلغ معدل انتشار العنف ضد النساء في المغرب نسبة 54. 4 في المئة، وفق نتائج دراسة رسمية، وقد سجلت أعلى النسب وسط النساء المتزوجات. وتتخذ الانتهاكات المرتكبة في حقهن أشكالا مختلفة، أكثرها انتشارا هو العنف النفسي، يليه العنف الاقتصادي فالجسدي ثم الجنسي.
ورصد بحث وطني حول انتشار العنف ضد النساء في المغرب أشكالا مختلفة للانتهاكات التي يتعرضن لها. وهي تشمل الاغتصاب والاعتداءات الجسدية والمنع من الدراسة.
كل هذه العوامل ساهمت في تطويع التكنولوجيا لجعل الفضاء العام مكانا آمنا للنساء يحدّ من تعرضهن للعنف المسلط عليهن سواء كان ماديا أو معنويا. وأصبح بإمكان نساء تونس والمغرب التنقل الآمن دون مخاطر بفضل تطبيق “سايفنيس”.
التطبيق يسجل عند تشغيله خط سير المرأة مع توقيت تحركها في الأماكن التي مرت بها، ما يسهل وصول السلطات الأمنية إليها في حال الإبلاغ عن اختفائها
ويمكن للنساء بمختلف أعمارهن في تونس والمغرب، تحميل تطبيق “سايفنيس” (SafeNess) على الهاتف المحمول، بهدف حمايتهن من العنف الذي قد يتعرضن له في الأماكن العامة مثل التحرش الجنسي والعنف والسرقة.
ويهدف التطبيق الذي أنجزه مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر” استنادا إلى خبرات شبابية لطلبة من الجنسين في مجالات متنوعة، إلى جعل الفضاء العام بيئة توفر أمانًا أكثر للنساء والفتيات، وتكرس تضامنا اجتماعيا لتحقيق حركة وتنقل آمنين دون مخاطر.
ويمكّن التطبيق المرأة من أن تختار بمحض إرادتها قائمة من الأشخاص الموثوق بهم (من 1 إلى 5) لمتابعة خط سيرها متى ما أرادت هي ذلك، وأن تطلب من شخص أو أكثر (من قائمة الخمسة أشخاص) متابعة خط سيرها حتى الوصول بأمان، والتدخل إن لزم الأمر، وفق ما أفاد به مركز المرأة العربية “كوثر” للتدريب والبحوث في بلاغ له.
كما يتيح هذا التطبيق للمرأة أن تضغط على زر النجدة في حال الشعور بالخطر الداهم، ليتحول الإنذار أوتوماتيكيا إلى الأشخاص الخمسة في القائمة، دونما الحاجة إلى الاتصال المباشر. ويمكن لهؤلاء الأشخاص حال وصول الإنذار إليهم أن يقدموا المساعدة لها أو أن يتصلوا بدورهم بالشرطة إن اقتضى الأمر.
ويسجل التطبيق (عند تشغيله ووجود متابع أو أكثر) خط سير المرأة مع توقيت تحركها في الأماكن التي مرت بها، ما يسهل وصول السلطات الأمنية إليها في حال الإبلاغ عن اختفائها.
وأشار البلاغ إلى أن تطبيق “سايفنيس” حظي باهتمام عدد من الأطراف الذين التحقوا بمركز “كوثر” كشركاء للمراحل المستقبلية التي ستخصص لتطوير التطبيق، وهي وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن في تونس، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتونس، وبرنامج الأغذية العالمي – مكتب تونس ومكتب المغرب، وسبع جمعيات عاملة في مجال المرأة بتونس والمغرب.
ويندرج إطلاق التطبيق في إطار حملة تدوم 16 يوما لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث أعدّ مركز “كوثر” للغرض حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بالتطبيق وبكيفية استخدامه، إضافة إلى حملة ميدانية تتمثل في تعليق ملصقات توعوية في محطات النقل الكبرى.
يشار إلى أن هذا التطبيق متوفر من خلال متجر التطبيقات “بلاي ستور” أو “أبستور”.
ويعتبر هذا التطبيق خطوة نحو الحد من العنف المسلط على النساء في الفضاءات العامة وعلى جميع أشكال التميز ضدها. ولئن صادقت تونس على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة منذ سنة 1985 إلا أنها لم تسحب تحفظاتها عليها إلا بتاريخ 24 أكتوبر 2011.
وانطلاقا من ذلك وبعد رفع التحفظات الوطنية على بعض البنود التي جاءت بها الاتفاقية الدولية المشار إليها سلفا كان من البديهي أن يقع التفكير في إدخال بعض الإصلاحات على المنظومة الوطنية حتى ترتقي إلى مستوى النصوص التشريعية التي تستوفي المعايير الدولية في مكافحة ظاهرة العنف المسلط على المرأة. واستجابة لمجمل هذه الاعتبارات صدر القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017، المؤرخ في 11 أغسطس 2017، والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
بدوره تبنى المغرب في العام 2018 قانونا لمكافحة العنف ضد النساء، يشدد العقوبات في بعض الحالات. ويجرّم للمرة الأولى “بعض الأفعال التي تعتبر من أشكال المضايقة والاعتداء والاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة”.
وينص القانون الذي دخل حيز التنفيذ في سبتمبر 2018 على “آليات للتكفل بالنساء ضحايا (العنف)”، غير أن الجمعيات النسوية تعتبره غير كاف، منتقدة خصوصا غياب العقوبات في حالات الاغتصاب الزوجي.