- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

تفاوت في توزيع اللقاحات والمساعدات المالية يزيد أعباء جائحة كورونا في الدول الفقيرة | القدس العربي

دخلت الحرب التي تخوضها البشرية ضد جائحة كورونا عامها الثالث، وما يزال السباق بين انتشار الفيروس وبرامج مقاومته مستمرا، مع ظهور تحورات جديدة أهمها أخيرا متحور «أوميكرون» سريع الانتشار، وإصرار المختبرات وشركات إنتاج اللقاحات على مطاردة الفيروس ومحاولة احتوائه. ومع ذلك فإن الجهود التي بذلتها البشرية حتى الآن لم تضع سدى، فقد تم تطوير لقاحات أدى استخدامها إلى تقليل أعداد الوفيات والمصابين، كما يتم تطوير أدوية لتخفيف أعراض الإصابات والحد منها. وساعد ذلك على انتشار حالة من التفاؤل بشأن إمكانية التعايش مع الفيروس، واعتباره واحدا من الفيروسات المعدية الموسمية، بما يسمح بالعودة إلى ممارسة الحياة بصورة طبيعية، وإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد كما كان عليه الحال من قبل. ومع ذلك فإن أحدث التقديرات التي وردت على لسان المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا تشير إلى أن الخسائر الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا من المرجح أن تستمر حتى العام 2024. وتقدر جورجيفا قيمة الخسائر التراكمية الناتجة عن تداعيات انتشار الفيروس حتى ذلك العام بحوالي 13.8 تريليون دولار. لكن مدير صندوق النقد الدولي قالت أخيرا أن التداعيات الاقتصادية بعيدة المدى ستتجاوز ذلك بكثير، وقدرت الخسائر الناتجة عن اضطراب النظام التعليمي وإغلاقات المدارس والمعاهد والجامعات، على مدى العمر الإنتاجي للأفراد في مراحل التعليم خلال جائحة كورونا بحوالي 17 تريليون دولار، تشمل قيمة الفاقد في ساعات الدراسة، وضعف الإنتاجية بعد التخرج، والخلل في سوق العمل. كما يرجح خبراء الفيروسات ومختبرات إنتاج اللقاحات أن فيروس كورونا بمتحوراته المختلفة يمكن أن يستمر معنا في السنوات العشر المقبلة.
ويتوقع التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي الذي تم تقديمه إلى وزراء مالية مجموعة الدول العشرين في اجتماعهم الأخير في جاكرتا، أن تستمر خسائر انتشار كورونا وتداعياتها بسبب حالة عدم اليقين من القدرة على احتواء الفيروس لسببين أساسيين، الأول هو عدم التأكد من مدة استمرار المناعة وفعالية اللقاح في مقاومة الإصابات الجديدة، وما إذا كان العالم يحتاج إلى جرعات دورية منتظمة أو لا. وتوجد الآن حالة من الاطمئنان بشأن استمرار المناعة نسبيا لمدة 6 أشهر على الأكثر. السبب الثاني في حالة عدم اليقين هو عدم وضوح المسار الذي يتخذه الفيروس في تحوراته الجديدة، خصوصا بعد ظهور متحور أوميكرون سريع الانتشار. ولذلك فإن الدول الغنية تعمد حاليا إلى إعطاء جرعة ثالثة لتعزيز المناعة، وتوسيع نطاق إتاحة اللقاحات لغير البالغين من سن 5 سنوات فما أكثر، وذلك للحد من انتشار العدوى في كل مراحل التعليم.
هذا يعني عمليا أن الحرب بين البشرية وفيروس كورونا، وإن كانت قد هدأت إلا أنها لم تنته، وما يزال نزيفها مستمرا. وطبقا للأرقام الرسمية فإن عدد الوفيات بسبب الإصابة بالفيروس حتى منتصف الشهر الحالي بلغ حوالي 5.8 مليون حالة وفاة، في حين بلغ عدد الذين أصابهم الفيروس منذ بداية الجائحة ما يقرب من 420 مليون شخص.
ولا تظهر الإحصاءات الحكومية للدول العربية الأرقام الحقيقية للوفيات والمصابين، في محاولة لإنكار خطورة انتشار الفيروس، والتغطية على عجز تلك الحكومات وأنظمة الرعاية الصحية الموجودة عن مكافحته أو احتواء خطورته. ومن الصعب جدا تقديم أرقام دقيقة، خصوصا وأن منظمات المجتمع المدني العاملة في حقل الرعاية الصحية لا تستطيع تدقيق الأرقام المعلنة. وتشير المعلومات الشائعة إلى أن الأرقام الفعلية تفوق عشرة أمثال المعلنة رسميا.

تفاوت الحصول على اللقاحات

في نهاية عام 2021 بلغت كمية الإنتاج العالمي من لقاحات كوفيد-19 حوالي 12 مليار جرعة، وهي كمية غير كافية لاتاحة اللقاحات لكل سكان العالم البالغ عددهم 7.9 مليار نسمة. إضافة إلى ذلك فإن توزيع اللقاحات بين دول العالم تميز بعدم المساواة. على سبيل المثال فإن شركة فايزر أنتجت حوالي 4 مليارات جرعة من اللقاح، تعاقدت الدول الغنية على شراء 70 في المئة منها. ولا تتوفر إمكانيات إنتاج اللقاحات إلا لعدد محدود جدا من دول العالم يبلغ حوالي 20 دولة. وبسبب الممارسات التجارية، وقيود الإنتاج فإن الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط لا تتاح لها الكميات الكافية من اللقاح، وذلك على الرغم من مبادرة «كوفاكس» التي تقودها منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي إلى جانب منظمات ومؤسسات دولية متعددة الأطراف. وتقدر نسبة الحاصلين على جرعة واحدة من اللقاح أو أكثر في الدول ذات الدخل المنخفض بأقل من 10 في المئة من عدد السكان أي ما يقل عن سدس المتوسط العالمي.
ويتفق الباحثون في معهد بروكينغز الأمريكي للدراسات على أن توزيع اللقاح في العالم يتميز بانعدام المساواة، وأن إتاحته بطريقة عادلة تستلزم العديد من الترتيبات والإجراءات التي من شأنها أن تساعد على زيادة الإنتاج، والتعاون بين المنتجين لتعظيم استخدام الطاقات المتاحة بكفاءة عالية، وتنظيم عمل سلاسل الإمدادات للقضاء على الاختناقات. ومع ذلك فإن قوى السوق وحدها لن تساعد في إتاحة اللقاح بصورة عادلة بين دول العالم، وهو ما يحتاج المزيد من تنسيق الجهود على المستوى الدولي. وقد تضمنت مبادرة البنك الدولي لمساعدة الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط تخصيص 6 مليارات دولار لتمويل إتاحة اللقاح لحوالي 50 دولة فقيرة ومنخفضة الدخل أكثر من نصفها في أفريقيا. وقد تم تخصيص كميات تصل إلى 1.3 مليار جرعة من اللقاح إلى تلك الدول لعامي 2021 و2022 لكن نسبة إتاحة اللقاح فعلا ما تزال منخفضة، ولا تحصل منها الدول الفقيرة إلا على نصيب هامشي.
وقد تبنى المجتمع الدولي عددا من المبادرات لمكافحة انتشار فيروس كورونا، بقيادة منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد واليونيسيف وعدد كبير من مؤسسات التنمية الدولية المتعددة الأطراف ومنظمات المجتمع المدني ذات الطابع العالمي مثل صندوق بيل غيتس. ومع ذلك فإن توزيع ثمار برامج المساعدات والإغاثة سجل تفاوتا كبيرا، ولم يقدم للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط ما يمكن أن يعينها على شن حرب ناجحة ضد الفيروس بالمستوى الذي تحقق في الدول الغنية، مع بعض الاستثناءات مثل كوبا وتشيلي حيث بلغت نسبة الحاصلين على اللقاح 90 في المئة أو أكثر، وهي النسبة التي تحققت في 7 دول فقط على مستوى العالم هي الصين ومالطا والبرتغال وبروناي والإمارات إلى جانب كوبا وتشيلي.

أغلبية الدول العربية
أقل من المتوسط العالمي

على مستوى الدول العربية ككل فإن عدد الدول التي سجلت نسبة الحاصلين على اللقاح بين سكانها معدلا يعادل المتوسط العالمي البالغ 64 في المئة أو يزيد هي 7 دول فقط تشمل بالترتيب: الإمارات وقطر والكويت والسعودية والبحرين والمغرب وسلطنة عمان. ويبدو من هذا التوزيع أن الدول العربية الغنية المصدرة للنفط، أي دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى المغرب هي التي تتصدر القائمة العربية.
أما المجموعة الثانية من الدول العربية من حيث إتاحة جرعة واحدة أو أكثر من اللقاحات الواقية بنسبة تقل عن المتوسط العالمي حتى تبلغ ثلث عدد السكان (33 في المئة) فتضم 7 دول أخرى هي على الترتيب: تونس والأردن وفلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) وجزر القمر ومصر ولبنان وموريتانيا. بعد ذلك تأتي المجموعة الثالثة التي يقل فيها معدل إتاحة اللقاح بمعدل جرعة واحدة على الأقل للبالغين، وهذه المجموعة يبلغ عددها 8 دول، تضم على الترتيب ليبيا والعراق والجزائر وجيبوتي وسوريا والسودان والصومال واليمن. ومن الملاحظ أن هذه الدول بإستثناء الجزائر تعاني من حالة اضطراب سياسي وأمني. على سبيل المثال فإنه بسبب الحرب في اليمن تضاءل معدل إتاحة اللقاح، على الرغم من كل المساعدات وجهود قوافل الإغاثة الدولية، ليبلغ 1.3 في المئة في حال إتاحة جرعتين، ونسبة 2.1 في المئة في حال إتاحة جرعة واحدة. وإلى جانب انتشار جائحة كورونا فإن اليمن يعاني كذلك من انتشار حمى الضنك، والكوليرا.
على المستوى العالمي تعترف منظمة الصحة العالمية التي تقود مع البنك الدولي مبادرة «كوفاكس» بصعوبة توفير الكميات الكافية، وعدم القدرة على تنظيم مواعيد تسليم دقيقة ومنتظمة، وذلك نظرا لصعوبات الإنتاج، واضطراب سلاسل الإمدادات العالمية، سواء فيما يتعلق بتوفير المواد الخام، أو تشغيل المصانع، أو توفير مستلزمات التعبئة، أو النقل. كما تظهر تقارير المتابعة التي تصدرها المنظمة أن قصر مدة صلاحية اللقاحات بشكل عام تؤدي إلى إهدار نسبة كبيرة منها.

تفاوت في مواجهة
التداعيات الاقتصادية

منذ بداية أزمة جائحة كورونا خصص البنك الدولي وصندوق النقد موارد مالية هائلة لمكافحة انتشار الفيروس وعلاج تداعيات الإصابة به في المجالات الصحية والاقتصادية والاجتماعية. وتبلغ القدرة التمويلية الحالية لدى صندوق النقد الدولي حوالي تريليون دولار، تشمل الزيادة في حصص حقوق السحب الخاصة، وموارد برامج التسهيلات الائتمانية المتاحة للدول الأعضاء، وكذلك موارد صناديق الطوارئ والإغاثة العاجلة. وإضافة إلى ذلك فقد بلغت قيمة المخصصات المالية التي رصدها البنك الدولي منذ نيسان/أبريل 2020 حتى حزيران/يونيو 2021 حوالي 157 مليار دولار، تتضمن 50 مليار دولار من موارد وكالة التنمية الدولية في صورة منح أو تسهيلات بشروط ميسرة جدا، استفادت منها نحو 100 دولة يسكنها ما يقرب من 70 في المئة من سكان العالم.
وعلى الرغم من هذه الموارد غير المسبوقة، التي تم تخصيصها لتمويل جهود مكافحة انتشار فيروس كورونا والحد من تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه من الملاحظ أن توزيع الموارد يتسم بالتفاوت وعدم المساواة. على سبيل المثال فإن الحصص الإضافية من حقوق السحب الخاصة التي بلغت قيمتها 650 مليار دولار، تم توزيعها حسب حصص رأس المال الفعلية للدول الأعضاء، وهو ما يعني أن الدول المتقدمة والغنية ذات الحصص الكبيرة هي التي حصلت على نصيب الأسد، في حين أن الدول الفقيرة وذات الدخل المنخفض والمتوسط حصلت على نسبة ضئيلة. وقد بلغت قيمة مخصصات زيادة حقوق السحب الخاصة للدول العربية حوالي 28.2 مليار وحدة، فازت السعودية وحدها بما يقرب من ثلثها، في حين أن الدول النفطية الغنية حصلت على النصيب الأكبر، ولم تحصل الدول الفقيرة إلا على قيمة هامشية بلغت على سبيل المثال 466.8 مليون وحدة حقوق سحب خاصة لليمن، مقابل 9.57 مليار وحدة للسعودية التي تشن حربا على اليمن.
كذلك فإن مساعدات الصندوق الموجهة مباشرة أو بشكل غير مباشر بواسطة برامج التسهيلات الائتمانية لمكافحة انتشار فيروس كورونا وتداعيات الإصابة به في الدول العربية تأثرت أيضا بحصة كل دولة في رأس مال الصندوق. على سبيل المثال فقد حصلت مصر على قرضين من الصندوق في العام 2020 بقيمة تقرب من 8 مليارات دولار، كما حصل الأردن على 3 قروض خلال عامي 2020 و 2021 بقيمة تقرب من 1930 مليون دولار، في حين حصلت دول منكوبة مثل اليمن والصومال على قروض صغيرة القيمة تتراوح بين 40 إلى 400 مليون دولار. و لم يحصل السودان على تسهيلات من لمواجهة فيروس كورونا إلا بعد تسوية ديونه المستحقة للصندوق، وهو ما أتاح له الحصول على تسهيلات ائتمانية ممتدة بقيمة 2.5 مليار دولار تقريبا في منتصف العام الماضي.
ويتوقع تقرير للبنك الدولي أن يستمر ارتفاع معدلات الفقر في الدول العربية الفقيرة وغيرها بإستثناء الدول النفطية الغنية، بسبب التأثير المتداخل لتداعيات انتشار فيروس كورونا، وظروف عدم الاستقرار السياسي والحروب، وضعف هياكل الأمان الاجتماعي، خصوصا في بلدان مثل العراق ولبنان، كذلك زيادة حدة الفقر في الدول العربية الفقيرة مثل اليمن والسودان.
ويتفق كل من البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة الصحة العالمية على أن مواجهة التفاوت الحالي في توزيع اللقاحات، والتهديدات الطويلة المدى لتداعيات كورونا صحيا واقتصاديا واجتماعيا تستوجب ضرورة العمل على إتاحة الموارد الكافية لتوفير اللقاحات المطلوبة للدول الفقيرة وذات الدخل المتوسط، بما في ذلك جمع ما يزيد على 23 مليار دولار لتغطية فجوة تمويل برامج إتاحة اللقاحات ورصد وتتبع الفيروس المعتمدة من منظمة الصحة العالمية. وترى المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أن السياسات المالية والنقدية لدول العالم يجب أن تأخذ في اعتبارها احتياجات إعادة البناء الاقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا، وهي المرحلة التي ستتميز برفع مستويات التنمية في الاقتصاد الأخضر الصديق للبيئة، والتكنولوجيا الرقمية التي تساعد على زيادة القدرة على المنافسة.
وقالت في مقال نشرته على موقع الصندوق أخيرا أنه على الرغم من أن سياسات التوسع النقدي والمالي ساعدت على منع وقوع كساد عالمي كبير في العامين الأخيرين، إلا أنها في الوقت نفسه أدت إلى ارتفاع قياسي في حجم الديون العالمية في عام واحد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث وصلت قيمة الديون العامة والخاصة إلى 226 تريليون دولار.

- الإعلانات -

#تفاوت #في #توزيع #اللقاحات #والمساعدات #المالية #يزيد #أعباء #جائحة #كورونا #في #الدول #الفقيرة #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد