“تكرونة”.. آخر شهود التاريخ على حضارة الأمازيغ في تونس
تاريخ النشر:
09 فبراير 2022 10:57 GMT
تاريخ التحديث: 09 فبراير 2022 12:10 GMT
تواجه قرية ”تكرونة“ آخر معاقل الأمازيغ بالساحل التونسي، واقعا صعبا بعد أن أثرت العوامل الجغرافية والمناخية على طريقة عيش السكان الذين هجر معظمهم مسقط الرأس ولم يبق بها سوى بضع مئات، لكن القرية الساحرة باتت جاذبة للسياح أكثر من أي وقت مضى رغم الصعوبات.
وتعد ”تكرونة“ من أقدم القرى الأمازيغية، ومن آخر المواقع التاريخية في الساحل التونسي، التي ترمز لحضارة الأمازيغ، التي استمرت بحسب بعض الدراسات لآلاف من السنين.
وعلى بعد بضعة كيلومترات من مدينة النفيضة من محافظة سوسة الساحلية، على الطريق المؤدية لمحافظة زغوان المجاورة، تقبع تكرونة على هضبة هي عبارة عن جرف صخري عملاق يعود تاريخه لأكثر من 20 مليون عام، بحسب خبراء جيولوجيين.
وتحافظ المنطقة إلى اليوم على اسمها الأمازيغي، الذي يرتبط باسم قبيلة أمازيغية سكنت الأندلس منذ القرن الثامن ميلادي، حيث أطلق اسم ”تكرونة“ على منطقة جبلية قرب مدينة ملقا الإسبانية، ومع خروج المسلمين من الأندلس هاجرت منذ العام 1609 العديد من العائلات إلى البلاد التونسية واستقرت عائلة أمازيغية في أعلى الصخرة وهي مرجع التسمية وأصلها، وفق ما يؤكده المؤرخون.
و“تكرونة“ التي تتراءى للناظرين على بعد كيلومترات عدة، هي منطقة فريدة لا مثيل لها في تونس من حيث تركيبتها الجغرافية، تنتشر فيها المنازل من السفح لأعلى نقطة فيها، حيث ينتصب المسجد الصغير، ومن أعلى تلك الهضبة يستمتع زائر تكرونة بمشاهد غابات الزيتون المحيطة بها من كلّ جانب.
وبالنظر لموقعها الفريد، فقد كانت تكرونة مسرحا للحرب بين قوات المحور والحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ما أدى لتدمير عدد من المنازل وأجبر السكان على النزول إلى أسفل الهضبة والاستقرار في المناطق القريبة من الطريق الرئيسة وإلى المرافق العامة ولا سيما الماء والكهرباء والمواصلات.
واليوم تواجه ”تكرونة“ معضلة أساسية وهي غياب الماء الصالح للشرب، بالنظر لصعوبة الوصول لأعلى الهضبة ما دفع بكثير من السكان لهجرها والعيش في المدن والقرى القريبة منها، بينما يتحمل العدد القليل من العائلات التي تمسكت بالعيش في تكرونة عناء نقل الماء على ظهور الدواب لإيصالها لأعلى الهضبة حيث لا تزال بعض المنازل محافظة على كامل تقاليدها وعاداتها في المأكل والملبس والمعمار.
وعند أعلى الهضبة أيضا، ينتصب مقهى هو وجهة معظم السياح المقبلين على ”تكرونة“ لا سيما خلال فصل الربيع، ولا يمكن لزائر تكرونة أيضا أن يمرّ من بين معالمها ومواقعها دون التوقف عند منزل ”حميدة“ المرأة التي اشتهرت بإعداد الخبز و“الكسكسي“ الأصيل وتقدمه للسياح من التونسيين أو الأجانب.
وإلى جانب المقهى أسست إحدى السيدات وهي عائدة قمش، أصيلة ”تكرونة“، متحفا صغيرا يضم كل ما تعلّق بتاريخ المنطقة وفيه تحفظ الذاكرة في تفاصيل الصّور والأثاث والأدوات المتناثرة في ذلك الفناء.
وتأمل، عائدة قمش، في أن يحافظ أهالي ”تكرونة“ على كل ما يرمز إليها من تراث وأن ”ينجزوا مشاريع توثّق للموروث الحضاري للمدينة حتى يتم خلق ديناميكية عمل للأهالي يتم استثمارها كموارد رزق من جهة وكعناصر جذب للسياح والباحثين عن الهدوء والجمال والاستمتاع بعبق التاريخ الذي تجده في كل ركن من أركان القرية“.
و“تكرونة“ هي مسقط رأس الأديب التونسي، الطاهر قيقة، الذي قال عنها واصفا ثراء مخزونها الثقافي والحضاري ”تكرونة هي الجبل، هي الريف، هي الجامع والزاوية والمقبرة والصخور المتناثرة بين المنازل، تذكر أهل القرية بالشدة والصلابة اللتين جبلوا عليهما مع الأنفة وعزة النفس والشموخ، تكرونة هي المنبت“.
ولا يختلف حاضر المنطقة اليوم كثيرا عن ذلك الذي شخصه الأديب الطاهر قيقة، فالمدينة التي تعتبر جزءا من التراث الوطني باتت مهددة بالانهيارات الأرضية التي تصيب في كل مرة جانبا من المرتفع الذي تقبع فوقه القرية، كما حصل قبل أشهر وأدّى إلى إغلاق القرية كوجهة سياحية.
وقال رئيس المجلس المحلي بالنفيضة، عبد اللطيف حمودة، لـ ”إرم نيوز“ إن المنطقة تتطلب اليوم تدخلا عاجلا على أعلى مستوى لإنقاذها من هذا الخطر، معتبرا أن ”إمكانيات المجلس المحلي متواضعة للتدخل والترميم والصيانة وضمان استمرارية القرية بكامل مكوناتها وخصوصياتها“.
وأوضح، حمودة، أن ”الأمر يتطلب تضافر الجهود وتدخلا حتى من الجيش للقيام بصيانة تكرونة كما حصل من قبل سنة 1990، لإنهاء حالة الخوف التي تنتاب المواطنين جراء التساقطات والانهيارات الأرضية التي حصلت في مناسبتين في أقل من سنتين وخلفت أضرارا طالت عددا من المنازل“.
وأشار مصدر من المعهد التونسي لإحياء التراث في تصريح لـ ”إرم نيوز“ إلى أن ”دور المعهد يقتصر على الحفاظ على المكونات الأثرية والمواقع التراثية بالمنطقة وهو ما يجري فعلا“، مشيرا إلى أنه ”لا يمكن لمعهد التراث أن يقوم بدور وزارة التجهيز أو المجالس المحلية في القيام بأشغال تخرج عن دائرة اختصاصه“.
وفي السياق ذاته دعا الناشط في المجتمع المدني بالمنطقة، مكرم السعيدي، إلى ”تدخل السلطات وضبط قائمة المنازل التي تقع في مرمى الخطر وإجلاء السكان والتدخل العاجل لترميم ما دمرته الانهيارات الأرضية لإعادة البريق إلى المنطقة“.
وأضاف السعيدي في تصريح لـ ”إرم نيوز“ أن ”هناك حاجة اليوم أيضا لتدخل السلطات من خلال وضع خطة إستراتيجية للتسويق السياحي للمنطقة، وضبط مسلك سياحي واضح وتوفير أدلاء يتولون تعريف الزوار بتاريخ المدينة وموروثها الحضاري إضافة لإبرام عقود شراكة بين وزارة السياحة ووكالات الأسفار والفنادق القريبة من هناك في سوسة والحمامات، لجلب السياح“.
واعتبر أن تلك الخطوان تسهم في ”إدخال تكرونة ضمن المسلك السياحي المتكامل للمنطقة السياحية الممتدة من الحمامات بمحافظة نابل شمالا إلى سوسة جنوبا مع تركيز مركز أمني وصحي مشترك يضم إطارا صحيا وممثلا عن الحماية المدنية، لتوفير الرعاية الصحية والأمنية للسياح الوافدين“.
ودعا السعيدي إلى ”تفعيل قرار منع صعود الزوار لأعلى الهضبة إلى حين ترميم الأماكن المتضررة“.
#تكرونة #آخر #شهود #التاريخ #على #حضارة #الأمازيغ #في #تونس
تابعوا Tunisactus على Google News