تونس: تواصل التجاذب بين سعيّد والمشيشي
تونس تعيش ازمة سياسية بين الرئاسة والحكومة
تونس – وكالات:
بلغت الأزمة السياسية في تونس ذروتها، بإعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد رفضه القاطع التراجع عن موقفه من التعديل الحكومي برمته، في وقت دعت فيه حركة النهضة لاستكمال مسار التحوير وتمكين الوزراء الجدد من ممارسة مهامهم. فيما دعا الأمين العام لاتحاد الشغل، وهو لاعب رئيسي ومؤثر في المشهد السياسي في البلاد، أربعة وزراء عينهم رئيس الحكومة في تعديل وزاري ورفضهم الرئيس بسبب شبهات تضارب مصالح، إلى الانسحاب من أجل إنهاء الأزمة السياسية المحتدمة في البلاد. ويُنظر إلى دعوة اتحاد الشغل الحائز جائزة نوبل للسلام على أنها خطوة من شأنها نزع فتيل الأزمة السياسية التي تضاف لأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة وسط احتجاجات مستمرة منذ نحو ثلاثة أسابيع للمطالبة بالتنمية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. وقال نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل لإذاعة إكسبريس إف.إم «أطلب بكل لطف من الوزراء المقترحين ومحل الخلاف التخلي والانسحاب لمصلحة الوطن». والوزراء الذين يرفضهم الرئيس هم وزراء الصحة والطاقة والتشغيل والرياضة. وقال سعيّد خلال لقائه أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، إنه غير مستعد على الإطلاق بأن يتراجع عن مبادئه وإنه أقسم على احترام الدستور. وسبق أن وصف قيس سعيد التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي وصادق عليه البرلمان في 25 يناير الماضي بأنه «غير دستوري»، كما لوّح برفضه استقبال بعض الوزراء لأداء اليمين الدستورية أمامه بحجة وجود شبهات فساد تحوم حولهم. ولم يكتفِ رئيس الجمهورية بتجديد موقفه الرافض للتعديل الحكومي، بل وجّه سهام نقده لأطروحات قدمتها مجموعة من كبار أساتذة القانون الدستوري للخروج من هذا المأزق السياسي. وقال سعيد ساخرًا «وإن كان البعض يعتبر اليمين الدستورية مجرد إجراء وحتى المرور على الصراط يوم القيامة يمكن أن يعتبروه مجرد إجراء وحتى النطق بالشهادتين يمكن أن يعتبروه مجرد إجراء يستلهمون بعض الحلول الفقهية – وما هم بفقهاء – من القانون الإداري وليس من القانون الدستوري».
وأعرب رئيس الحكومة هشام المشيشي منذ أيام عن أمله في أن يتمكن الوزراء الجدد من أداء اليمين الدستورية، بعد نيلهم ثقة البرلمان، الذي وصفه بمصدر «الشرعية»، مؤكدًا دستورية مسار التعديل الوزاري. وجاء بيان صادر عن المكتب التنفيذي لحركة النهضة، ليؤكد تشبث الحركة بالتعديل الوزاري رغم فيتو رئيس الجمهورية، وعبّر رئيسها راشد الغنوشي عن دعم النهضة لحكومة هشام المشيشي، «ودعوتها لاستكمال مسار التحوير الوزاري وتمكين الوزراء من مباشرة مهامهم». وجدد بيان الحركة الترحيب بمبادرة الحوار الوطني التي دعا لها الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من المكونات السياسية والشخصيات الوطنية. وقال أستاذ القانون الدستوري رافع بن عاشور، إن الحل لم يعد دستوريًا بل هو سياسي بين الأطراف المتصارعة على الصلاحيات، في ظل تشبث الرئيس بموقفه وتغليب «منطق المغالبة» بدل الحوار. واتهم بن عاشور رئيس الجمهورية بتلبيس مأزق سياسي جبة قانونية ودستورية قصد إضفاء الشرعية عليها وتصفية حساباته مع خصومه، وفق قوله. واستغرب طعن رئيس الجمهورية في المخارج الدستورية التي ذهب إليها غالبية كبار الخبراء الدستوريين، متهمًا إياه بمناقضة نفسه، مذكرًا بموقفه السابق من الإشكال ذاته إبان حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد.
وسبق أن حذّر قيس سعيّد في 2018 بصفته خبيرًا دستوريًا، رئيس الجمهورية الراحل من السقوط في وضعية «خرق الدستور»، بحال قرر تعطيل إصدار الأوامر المتعلقة بتعيين أعضاء حكومة يوسف الشاهد أو عدم تحديد موعد لأدائهم اليمين الدستورية. وقال سعيّد في الحوار ذاته إن تداعيات عدم موافقة رئيس الجمهورية على التمشي الذي انتهجه رئيس الحكومة في التحوير الوزاري سياسية ولا أثر قانونيًا لها. ويرى الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي أن الحل الوحيد الممكن لخروج البلاد من وضعية الشلل الحكومي والسياسي يكون بتنازل رئيس الحكومة، ودعوته للوزراء محل الشبهة إلى تقديم استقالاتهم بشكل طوعي وتعويضهم بآخرين. ودعا رئيس الحكومة لعدم المخاطرة والمرور بقوة، محذرًا من أن مباشرة الوزراء مهامهم دون أداء اليمين الدستورية، يطرح بدوره إشكالًا قانونيًا في علاقة بفرضية تعطيل صدور أسمائهم في الجريدة الرسمية للبلاد التونسيّة من قِبَل رئيس الجمهورية.
مقالات ذات صلة
تابعوا Tunisactus على Google News