تونس: سنة الأزمات السياسية والحكومات المتعاقبة والاضطرابات الاجتماعيىة
لأول مرة في تاريخ البلاد تداولت ثلاث حكومات على إدارتها مع فشل رابعة في نيل ثقة البرلمان وهي حكومة يوسف الشاهد التي واصلت تصريف الأعمال حتى بداية العام.
تونس-“القدس العربي”: كانت سنة 2020 استثنائية بكل المقاييس في تونس على الصعيد السياسي، حيث شهدت أحداثا كثيرة وبوتيرة متسارعة وعرفت أزمات ومفاجآت بالجملة. فلأول مرة في تاريخ تونس تداولت ثلاث حكومات على إدارة شؤون البلاد مع فشل حكومة رابعة في نيل ثقة البرلمان وهي حكومة يوسف الشاهد التي واصلت تصريف الأعمال إلى بداية العام بسبب الفترة الطويلة التي قضاها الحبيب الجملي في مشاوراته لتشكيل الحكومة ثم فشله في نيل تزكية البرلمان، ثم جاءت حكومة الفخفاخ التي أجبر رئيسها على الاستقالة ليخلفه هشام المشيشي.
وقضت تونس فترة طويلة نسبيا لتشكيل حكومة بعد انتخابات خريف سنة 2019 واستقبلت سنة 2020 بدون حكومة منبثقة عن صناديق الإقتراع بعد أن فشل مرشح حركة النهضة الحبيب الجملي في نيل تركيبته لتزكية البرلمان فأوكل الأمر لرئيس الجمهورية قيس سعيد وفقا للدستور. وبعد جملة من المشاورات تم تكليف إلياس الفخفاخ 20 كانون الثاني/يناير بتشكيل الحكومة من الأحزاب القريبة من الرئيس إضافة إلى حركة النهضة وحزب غير ممثل في البرلمان هو التكتل.
وبمجرد نيل تركيبة الفخفاخ لتزكية البرلمان التونسي اجتاح فيروس كورونا البلاد وهو ما اضطر الحكومة إلى فرض إجراءات وبروتوكولات صحية وتقييدا لحرية التنقل وصل إلى حد فرض الحجر الصحي الإجباري والشامل خلال النهار وحظر التجوال ليلا. وتجندت الحكومة الجديدة لمحاربة الفيروس وقد أصاب الذعر غالبية التونسيين بسبب انتشاره في إيطاليا المجاورة التي يمكن رؤية أراضيها بالعين المجردة من بعض المناطق في البلاد.
الصفر حالة
وخلافا لجيرانها، فقد تمكنت تونس من الوصول إلى “الصفر حالة” أي النجاح في التغلب على فيروس كورونا وعدم تسجيل إصابات جديدة وذلك مع بداية آيار/مايو الماضي، فقامت بفتح حدودها بالكامل بعد أن صنفتها المنظمة الدولية للسياحة كوجهة آمنة صحيا للسياح الأجانب فاستعدت الفنادق لاستقبال التونسيين المهاجرين الراغبين في قضاء عطلة الصيف في بلادهم وكذا السياح الأجانب. إلا أن عدم فرض تونس على القادمين من أوروبا إظهار ما يفيد سلامة الوافد من فيروس كورونا جعل الإصابات تظهر مجددا في البلاد.
وبعد خمسة أشهر من نيل حكومته لتزكية البرلمان، أجبر إلياس الفخفاخ على تقديم استقالته يوم 15 تموز/يوليو لرئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي كان أشد الداعمين للفخفاخ وهو الذي كلفه بتشكيل الحكومة. وجاءت الاستقالة إثر إصرار حركة النهضة على سحب الثقة من إلياس الفخفاخ على خلفية شبهة فساد طالته تتعلق بتضارب المصالح وقيل أن الحركة هي التي أثارت هذا الملف الذي كان بحوزتها منذ البداية وأرادت تحريكه في الوقت المناسب.
حرب الملفات
وعادت الكرة مجددا إلى ملعب رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي كلف وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط في صيف ساخن واستثنائي مليء بالصراعات السياسية داخل قبة البرلمان. وبقيت حكومة المشيشي تدير شؤون البلاد إلى نهاية العام رغم صعوبة المهمة وانفجار الاضطرابات الاجتماعية في موعدها المألوف أي مع نهاية السنة وبداية السنة الموالية.
وخلال هذه الفترة عرفت البلاد استفحال ما سمي بحرب الملفات التي ظهرت مع رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد حيث يتم إعداد ملف لإزاحة شخص ما من السلطة، فقد تم تتبع رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب وإجباره على الاستقالة بعد أن تم إعداد ملف له يتضمن شبهات فساد. ويعتقد أن الملف أثاره فريق الفخفاخ المدعوم من رئيس الجمهورية وذلك انتقاما من شوقي الطبيب الذي أقر بوجود تضارب المصالح في قضية الفساد المتعلقة بإلياس الفخفاخ.
فك العزلة
وعرفت تونس خلال شباط/فبراير أول زيارة رسمية خارجية للرئيس قيس سعيد وكانت للجزائر، وقد تعهد خلالها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بإيداع وديعة في البنك المركزي التونسي حتى تتمكن تونس من الاقتراض من الصناديق المالية. وثارت ثائرة كثير من الجزائريين من الذين لا يميزون بين الهبة والوديعة والذين اعتقدوا أن تبون أعطى هبة لتونس من أموال بلادهم، وغضب بالمقابل كثير من التونسيين على رئيسهم ورأوا أنه أذلهم أمام الجزائريين واعتبروا أن أوروبا تمنح تونس فعليا هبات، وليس ودائع يسترجعها أصحابها، ورغم ذلك لم يحتج مواطن أوروبي على حكومة بلاده بل على العكس تماما فإن الكثير منهم يدفع باتجاه أن تكون أوروبا سندا لبلادهم وهو ما حصل خلال أزمة كورونا حيث ضخت أوروبا أموالا خيالية في الاقتصاد التونسي في شكل هبات.
وفي 22 حزيران/يونيو زار قيس سعيد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد أوروبي منذ توليه الحكم، وانتقد البعض عدد زياراته المحدودة جدا إلى الخارج رغم أنه من يضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية التونسية. وقد تمحور اللقاء بالأساس حول الأوضاع في ليبيا ولم تتمخض عنه اتفاقيات هامة بين الطرفين خلافا لما كان ينتظره الشارع التونسي من هذه الزيارة باعتبار فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس.
الإطاحة برئيس البرلمان
وشهد شهر تموز/يوليو الماضي فشل القوى السياسية المعارضة لحركة النهضة في سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي بعد أن كان في الحسبان أن ذلك سيحصل، لكن بعض الكتل النيابية تراجعت عن رغبتها في الإطاحة بالغنوشي في اللحظات الأخيرة وبقي رئيس حركة النهضة على رأس السلطة التشريعية في تونس. وتسعى اليوم الكتلة التي تضم نواب حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب إلى إقناع عدد هام من النواب إلى السعي لسحب الثقة مجددا من راشد الغنوشي متهمين إياه بالصمت على العنف الذي طال نائبا من كتلتهم وبأنه يساند أطرافا في المجلس على حساب أطراف.
ولعل أسوأ ما في هذه السنة هي مشاهد العنف والدماء السائلة التي نقلتها وسائل الإعلام من البرلمان التونسي وشاهدها العالم وكذا الاقتتال بين قبائل في الجنوب التونسي نهاية العام من أجل السيطرة على أراض بين منطقتي دوز وبني خداش. كما سيبقى تعطيل إنتاج النفط في الكامور في أقصى الجنوب التونسي من قبل معتصمين من ولاية تطاوين راسخا في الأذهان باعتبار أن الأزمة التي استجابت فيها الدولة لمطالب المحتجين باتت نموذجا يحتذى لأهالي المناطق الأخرى الذين أصبحوا يحتجون بتعطيل إنتاج الثروات الواقعة في مناطقهم من فوسفاط ونفط وغاز وغيره.
الحوار الليبي
كما شهدت تونس نهاية العام احتضان جولة من الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة وكان الهدف منها الإتفاق على اقتسام الحكم بين الشرق والغرب في مرحلة انتقالية يتم الإعداد فيها للانتخابات. وسعت تونس لتوفير كل ظروف النجاح لهذا اللقاء ولم تتدخل في أي طرف من الأطراف الحاضرة خلافا لدول أخرى كان سفراؤها في تونس في حالة استنفار قصوى.
وبالتالي فإن فشل الجولة الحوارية في الخروج بنتائج ملموسة يتحمله الليبيون بالأساس وتحديدا الحاضرون في المؤتمر بالإضافة إلى الدول التي يدينون بالولاء لها وهي كثيرة. وتعطل هذه البلدان الحل منذ سنوات باعتبارها لم تتفق على نصيب كل منها من كعكة الثروات الطبيعية والنفوذ السياسي في البلد في آتي السنوات.