تونس.. صراع بين «رأسي» السلطة
د.محمد عزالعرب *
تصاعدت الأزمة السياسية في تونس على خلفية الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الدولة ورئيس الحكومة) نتيجة اعتراض الأول على اختيار الثاني لبعض الوزراء، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتصاعد المطالب بالكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لاغتيال الناشط السياسي «شكري بلعيد»، فضلاً عن الاعتراض على توغل حركة النهضة، والمطالبة بمحاسبة قادتها.
شهدت تونس خلال الأسابيع القليلة الماضية تزايد الاحتجاجات الجماهيرية والفئوية، وكان آخرها تلبية لدعوة بيان «66» الذي أصدرته عدد من منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية المعارضة، وتضمن البيان مطالب محددة تمثلت في الإفراج الفوري عن المعتقلين الذين تم القبض عليهم أثناء مشاركتهم في المسيرات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد قبل أربعة أسابيع، والتنديد باستخدام أجهزة الأمن العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة في البلاد، مع التركيز على الكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد سابقاً. سياقات ضاغطة كما تزامنت تلك الاحتجاجات مع أزمات حادة تواجه البلاد، على مستويات مختلفة، على النحو التالي:1- صراع رأسي السلطة التنفيذية: تشهد تونس خلافاً بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي على خلفية رفض سعيد التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي في منتصف يناير الماضي وصادق عليه البرلمان، وعدم قبول الوزراء الجدد الذين تلاحقهم شبهات فساد وتضارب مصالح لأداء اليمين الدستورية أمامه قبل تسلم مهامه، وهو ما يعمّق الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية ويضع البلاد أمام سيناريوهات مقلقة. لذا، دعا الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي «نور الدين الطبوبي»، ورئيس كتلة تحيا تونس بالبرلمان «مصطفى بن أحمد» إلى انسحاب الوزراء الأربعة الذين عينهم «المشيشي» ورفضهم «قيس سعيد»، وذلك لإنهاء الأزمة السياسية الدستورية. وقد اتهم البيان الصادر عن حركة تحيا تونس البرلمان وحمله مسؤولية تلك الأزمة بسبب تصويت أعضائه على منح الثقة لهؤلاء الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات الفساد، بما يلقي باللائمة على النهضة وحلفائها بالأساس.2- انتقاد سياسات حركة النهضة: يعد أحد المحركات الرئيسية للأزمة السياسية في تونس سلوك حركة النهضة في التعامل مع المشكلات المتراكمة منذ قيام ثورة الياسمين في عام 2011، وعلاقتها بالقوى والتيارات السياسية المخالفة لها. فما يشغل النهضة هو البقاء في التحالف الحكومي وقيادته دون الاهتمام بوضع حد للأزمات التي تواجه البلاد، بل تعمل على تكميم الأفواه لمنع الأصوات التي تنتقدها.وفي هذا السياق، أشارت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، في عام 2018، إلى تورط حركة النهضة عبر «تنظيم سري» في اغتيال المعارضين التونسيين، وكشفت عن وثائق وصفتها بال«خطيرة»، قائلة إنها كانت مودعة في «غرفة سوداء» بوزارة الداخلية، الأمر الذي يفسر تنامي الانتقاد لها في احتجاجات يناير 2021. وفي سياق متصل، حمّل كل من حزب العمال والمسار الديمقراطي الاجتماعي، في بيانين منفصلين، حركة النهضة المسؤولية في اغتياله. وتعمل حركة النهضة على الإيحاء بأنها ليست طرفاً في تلك الأزمة، على الرغم من انحيازها الواضح للمشيشي، وأنها داعمة للتصدي للمشكلات التي تواجه البلاد. ولذا، دعا المكتب التنفيذي لحركة النهضة في بيان بتاريخ 6 فبراير الجاري لاستكمال مسار التعديل الوزاري، وتمكين الوزراء من مباشرة مهامهم، معبراً عن «دعمه للحكومة لاستعادة الدورة الاقتصادية ومعالجة الإشكاليات الاجتماعية وكسب المعركة ضد الوباء». «مناطق الظل»3- تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية: تزايدت وتيرة الاحتجاجات لعدد من الشرائح الاجتماعية في تونس فيما يطلق عليه «مناطق الظل» وهي المحرومة من خطط التنمية، وترتفع فيها معدلات الفقر والبطالة في أوساط الشباب، وضاعفت أزمة كوفيد-19 من تلك التأثيرات، لاسيما العجز في الموازنة العامة للدولة. لذا، رفعت وزارة الطاقة في 6 فبراير الجاري، بنحو 2% وهي أول زيادة منذ عامين.إذ تحاول الحكومة كبح هذا العجز، لاسيما بعد تحذير صندوق النقد الدولي من أن تونس مقبلة على عجز مزمن إذا لم تطبق الحكومة إصلاحات ضرورية منها السيطرة على دعم الطاقة إضافة إلى ضبط الأجور.4- تزايد التهديدات الأمنية: تستغل التنظيمات الإرهابية تأزم الأوضاع السياسية والسخط المجتمعي على الأوضاع الاقتصادية بغرض توجيه ضربات موجعة لقوات الأمن والجيش. ولذلك، لم يكن غريبا، أن تتزايد تهديدات تنظيمي «داعش» و«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».وكان آخرها استشهاد 4 من أفراد الجيش التونسي أثناء ملاحقتهم بعض العناصر الإرهابية في مرتفعات «جبل مغيلة» الواقع بين ولايتي «القصرين» و«سيدي بوزيد»، وأدت تلك العملية إلى إعلان الرئيس قيس سعيد مواصلة الحرب على الإرهاب، واتفق معه في ذلك رئيس الحكومة هشام المشيشي. باب الخروج خلاصة القول إن الاحتجاجات التي تشهدها تونس تعمل على المزيد من الإرباك لدوائر الحكم، بأشكال مختلفة، سواء للرئيس أو لحكومة المشيشي أو للبرلمان وخاصة الائتلاف الداعم للنهضة، وهو ما يتوقع استمراره خلال المرحلة المقبلة.* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
تابعوا Tunisactus على Google News