تونس: «عسكرة السياسة» تثير جدلا واسعا… وتحذيرات من تقويض الديمقراطية الناشئة
28 – مايو – 2021
حجم الخط
تونس – «القدس العربي»: أثارت بيانات متزامنة أصدرها جنرالات متقاعدون، تطالب الرئيس التونسي بإنقاذ البلاد واستبدال الطبقة السياسية الحاكمة، عاصفة من الجدل السياسي، دفعت البعض للتحذير من تقويض الديمقراطية الناشئة في البلاد، فضلاً عن مطالبة الجيش بالتزام الحياد تجاه العملية السياسية، وخاصة بعد دخول جنرال سابق في حملة مبكرة للانتخابات الرئاسية عام 2024.وكان الجنرال المتقاعد كمال العكروت، مستشار الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، أعلن قبل أيام عن مبادرة جديدة لحل الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتواصلة في البلاد، حيث دوّن على صفحته في موقع فيسبوك: “لقدْ حان زمن الإنقاذ. الواجب يدعونا جميعًا، ممّن يرفضُون تواصل منظومةِ الفشلِ والرداءةِ والتحيّلِ السياسيِّ من كل جهات البلاد، لرّص الصفوف وتجميع القوى من أجل حقِّنا في جرْدِ حساب شامل وشفّاف لمختلَف المجالات وخاصّة الماليّة العموميّة، وتخليص البلاد من منظومة اِستبداد بعض الأحزاب بمقدّرات البلاد بمنطق الغنيمة واحتكار القرار الوطني، وأعادة السّيادة للشًّعب للتعبير عن أرادته الحرّة، رأخراج تونس من مستنقع الفشل والفوضى والفساد بإنفاذ سلطة القانون على الجميع”.وأضاف: “أن ما آلت إليه الأوضاع اليوم، بعد عشر سنوات من التّدمير الممنهجِ لمقدّرات الوطنِ في ظلّ تفشيِّ مظاهر العنف المُجتمعي وتفاقم خطاب الكراهيَّة والتطرُّف الديِّني منبع الأرهاب ليس قدرنا. أن مواصلة المنظومة الحاليّة التحكم في مستقبل البلاد يزيد من الكلفة الباهظة التي ندفعها كل يوم، وهو ما يدفعنا إلى دعوة كل التونسيات والتونسيين والقوى السياسيّة والمجتمعيّة الوطنيّة إلى تحمّل مسؤوليتهم والااتحاد من أجل ايقاف النّزيف والخروج ببلادنا من المنحدر الذي تردّت فيه”.وتزامنت مبادرة العكروت مع رسالة وجه بها جنرالات متقاعدون إلى الرئيس قيس سعيّد، ودعوه فيها إلى إنقاذ لبلاد، عبر اتخاذ عدة قرارات، أبرزها “الإيقاف الفوري لكلّ حملات تبادل العنف والتشويه والسّباب وتجنّب كلّ ما يُعَكّر الأجواء العامّة ويُعِيق تضافر الجهود من أجل السيطرة على الوباء وإنقاذ اقتصاد البلاد مع الالتزام بروح المسؤوليّة واحترام الأطراف السياسيّة المنافسة والحرص باستمرار على تقديم مصلحة الوطن على أيّ اعتبار آخر، والتزام الجميع بتأجيل الخوض في المسائل السياسيّة الخلافيّة إلى حين التخلّص من وباء كورونا والابتعاد عن شبح الإفلاس، وتقديم الأهمّ على المهمّ، بتجميع جهود الجميع وتركيزها كلّها على مقاومة هذا الوباء الفتّاك وحماية حياة المواطنين من جهة، وإنقاذ البلاد من إفلاس يراه خبراء الاقتصاد شبه مؤكّد من جهة ثانيّة”.و”دعوة كلٍّ من السادة رئيسي مجلس النّواب والحكومة لاجتماع عاجل بقصر الجمهوريّة بقرطاج، يُعْقَد في غضون 48 ساعة من تاريخ الخطاب بمجلس النوّاب، يُخصَّص لِطَيِّ صفحة القطيعة واستعادة الاتّصالات الطبيعيّة بين الرئاسات الثلاث وتدارس رهانات المرحلة ومتطلّباتها، على أن يتمّ التوصّل في ذات الاجتماع إلى حلّ يُمَكِّن الوزراء الحائزين على ثقة مجلس النوّاب، باستثناء الذين تعلّقت أو تتعلّق بهم قضايا فساد جارية، من أداء اليمين أمام سيادتكم في غضون 3 أيّام من تاريخ الاجتماع، حتّى تستكمل الحكومة تركيبتها الطبيعيّة. ودعوة مجلس الأمن القومي للاجتماع بحضور رؤساء كلّ من البرلمان والحكومة والمنظمات الوطنيّة، في جلسة تُخَصَّصُ للتّشاور حول تراتيب إطلاق حوارٍ، أصبح لا بدّ منه، حول أهمّ أولويّات البلاد لإنقاذها من الوباء والانهيار الاقتصادي”.فيما كشفت مصادر إعلامية عن قيام الجنرال المتقاعد والمستشار السابق للرئيس قيس سعيد، محمد صالح الحامدي، بحملة مبكرة للانتخابات الرئاسية عام 2024، حيث بدأت صفحات اجتماعية تروج له باعتباره “الشخصية الأقدر لإنقاذ البلاد”.وأثارت هذا الدعوات جدلاً سياسياً كبيراً في تونس، حيث خاطب عبد اللطيف المكي، الوزير السابق والقيادي في حركة النهضة، العكروت بقوله “رغم أني لا أشجع على انخراطك مباشرة في الحياة السياسية فالتجربة الديمقراطية في بلادنا لا تزال ناشئة، فتخيل أن يقوم ضابط أو ضباط متقاعدون مثلك ويبادرون بشيء يعارض ما بادرت به وينحازون ضد انحيازك، ألا ينعكس ذلك سلباً على صورة الجيش الوطني الباسل؟ فمبادرتك فيها انحياز سياسي وحزبي وليست مواقف عامة. ما أقدره أنك مطالب بشيء من التحفظ والاكتفاء بالمواقف العامة دون انحياز سياسي واضح. ورغم ذلك لا أستطيع منعك من حقك الدستوري وأكتفي بواجبي وحقي في إبداء الرأي من مبادراتك الأخيرة”.وأضاف: “إن استبدال الطبقة السياسية الحالية لا يكون إلا بطريقتين، الدعوة إلى حوار وطني يحدد فيه المشاركون أين تكمن المصلحة الوطنية بما في ذلك ائتلاف الحكم، والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها. وهذان الحلان يجب أن يكونا تحت سقف الدستور والقانون وكذلك يتطلب أن تستثمر في فلسفة التقريب والوئام الوطنيين وليس العكس بالاستهداف لشركاء في الوطن، لأن الحوار أو الدعوة إلى الانتخابات تقتضيان تجميع كلمة أهم الشركاء لاستيفاء الشروط السياسية والدستورية والقانونية لنجاحهما. غير ذلك لن يكون إلا دفعاً نحو صيغ مجهولة وغير منضبطة قد يكون أفضلها أسوأ مما نحن فيه. وقت الأزمات السياسية لا تنفع المواقف الحادة والحريصون على الحل لا يدفعون إليها”.وكتب عدنان منصر، الأمين العام السابق لحزب الحراك: “استمعت للسيد كمال العكروت في إحدى الإذاعات، والحقيقة أنني زدت اقتناعاً بأن الرجل لن يلبث أن يطويه النسيان قريباً. هناك فيما عدا كل الأشياء التي يمكن أن تُطرح للنقاش في كلامه وارتباطاته، عبارة شدت انتباهي، وهي مقارنة نفسه بالجنرال ديغول، وهي التي تفسر تمسكه برتبته العسكرية وإمضاءه بياناته بها. هناك من أقنع الرجل بأنه ديغول تونس. هذا متوقع. غير الطبيعي هو أن يحمل الحماس الرجل لدرجة تصديق ذلك. السيد العكروت يقول أيضاً إن “الفريق” اختاره ليلعب هذا الدور. المشكل أن ديغول لم يختره أحد، بل فرض نفسه على الجميع. لا يكون المرء ديغولا بهذه الطريقة”.ودون عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري: “أعلن الأميرال العكروت أنه حان وقت إنقاذ البلاد مما تردت فيه و حل كل أزماتها مرشحاً نفسه للقيام بدور الفارس القادم على جواد الإنقاذ الوطني. من حق السيد العكروت أن يقتحم ميدان السياسة وأن يخوض فيه مع الخائضين. فقط المطلوب منه إسقاط صفة الأميرال والتخلي عنها عند حديثه في الشأن السياسي حتى لا تختلط الأمور على البعض وتجنباً لتوظيف رصيد مؤسسة حافظت على عقيدتها العسكرية وعلى ثقة الناس فيها”.وأضاف في تدوينة أخرى: “بعد الأميرال العكروت، ها هي مجموعة من العسكريين “المتقاعدين”، بقيادة أمير اللواء محمد المؤدب، تدخل على الخط باستعمال صفتهم العسكرية وتوجه نداء إلى رئيس الجمهورية لإنقاذ البلاد. بدأنا نقترب من المحظور واللعب بالنار. فالانقسامات بدأت تتسرب إلى “المتقاعدين” من الجيش الذين باتوا، على غرار غيرهم من التونسيين، يمارسون هواية الاصطفاف السياسي وهم يدّعون العمل على إنقاذ البلاد”.وتابع بقوله: “هذه التحركات لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة طبيعية لاستسهال الحديث عن الانقلابات والدعوة إلى إقحام المؤسسة العسكرية في حسم الخلافات ولتنازع الصلاحيات حول المؤسسة الأمنية والتأويل الخاطئ للفصل 80 من الدستور. إما أن نقف جميعاً في وجه هذا المنزلق الخطير وندعو هؤلاء وغيرهم ممن يعتزمون دخول غمار السياسة إلى التخلي عن صفاتهم ورتبهم والمشاركة في الحياة السياسية كمواطنين لا كفيالق عسكرية، حتى وإن كانوا متقاعدين، وإلا فإننا سنحفر قبر الديمقراطية بأيدينا”.وقبل عامين، أعلن ضباط متقاعدون تأسيس حزب جديد يحمل اسم “هلموا لتونس”، حيث دعوا لانخراط الجيش في السياسة على غرار البلدان الأخرى، إلا أن هذه الدعوة قوبلت حينها بانتقادات شديدة وتحذيرات من “توريط” الجيش التونسي في العملية السياسية، وهو الذي حافظ على دوره الوطني وحياده لأكثر من ستة عقود.
تابعوا Tunisactus على Google News