تونس لم تعد تتحمل أكثر | دنيا الرأي
بقلم: محمد علي القايدي – تونس
بعد دخوله قصر قرطاج وتربّعه على كرسي العرش انكشف أمره وبانت أهدافه التي تتلاقى مع أهداف عدد كبير من النافذين وقلّة من المثقفين العلمانيين بما فيهم قيادة اتحاد العمال الموالين لفرنسا ذات الماضي الاستعماري البغيض، والذين يمثلون حقا الدولة العميقة التي تدير شؤون البلاد من وراء الستار وتؤثر في القرار السياسي والاقتصادي، كلهم وبدون استثناء يستعجلون رحيل النهضة رغم تنازلاتها المهينة وتحوّلها إلى حزب مدني وتخليها نهائياً عن الجانب الدعوي، ومعها ائتلاف الكرامة الحزب الأكثر” وضوحاً” في طرحه لإصلاحات جدّية وجذرية للنهوض بالبلاد، والتي تمرّ أساسا عبر إعادة النظر في علاقاتنا السياسية والثقافية والتجارية بفرنسا وبالأخص في ما يتعلّق بموضوع سيطرتها المطلقة على ثرواتنا الملحية والطاقية بموجب اتفاقية الاستقلال المذلّة، والعمل على استعادة جزء كبيرمن صحرائنا المقتطعة من جغرافية بلادنا والخاضعة خضوعاً كلّياً لفرنسا والتي لا يسمح للتونسي دخولها إلا بترخيص من السلطات الأمنية والعسكرية، وهي منطقة غنيّة بالبترول والغاز والسيليسيوم المطلوب في الصناعات الالكترونية الجد دقيقة حتى لا تستمر عملية استنزاف ونهب ثرواتنا إلى ما لا نهاية.
أي إن هؤلاء وعلى رأسهم رئيس البلاد الحالي الذي قدم لماكرون عربون وفائه وولاءه المطلق لفرنسا الحماية، يرومون العودة بنا إلى ما قبل 14 جانفي 2011 ومآسيه، حيث كان نظام الحكم آنذاك رئاسيّا ولا صوت يعلو فوق صوت بطل السابع من نوفمبر، وها هو التاريخ يعيد نفسه فبعد أن تحركت في الخفاء ماكينة الانقلاب على المسار الديمقراطي وبضوء أخضر فرنسي مصري خليجي، وبأمر من رئيس البلاد سارعت القوى الحاملة للسلاح يوم 25 جويلية 2021 ليلاً، إلى إغلاق البرلمان” بدبابة ” وكذلك رئاسة الحكومة واحتجاز رئيسها و رفع الحصانة عن نواب ائتلاف الكرامة تحديداً ومنعهم من السفر وهي فضيحة كبرى أساءت لسمعة تونس بين الأمم، حيث استند قيس في انقلابه على سوء تأويل الفصل 80 من دستور 2014 الذي لا يجيز له إغلاق البرلمان، ولا حل الحكومة ولا احتجاز رئيسها وإخفائه قسراً ولا رفع الحصانة عن نواب الشعب ولا إحالتهم على القضاء العسكري أي أنه اتخذ كل هذه الإجراءات والتدابير بناء على ذرائع واهية وغير قانونية سماها ” الخطر الداهم” أي أنه تعمد خرق الدستور ووقف العمل به.
وفي تحدّ صارخ للجميع قالها صراحة وبتهكّم أن الدستور” أكله الحمار” وأنه أضحى من الماضي ثم بدأ العمل ب “المراسيم” حيث جمّع كل السلطات بين يديه وتعمد شراء ذمم وضمائر الأمنيين بتكرّمه عليهم بالعلاوات والرتب والنياشين مقتطعاً قرابة 6200 مليار من وزارتي الصحة و التعليم ليطبقوا أوامره ويتصدون لكل من يخالفه الرأي وينكلون به أيّما تنكيل، وقد تعمّد في عديد المناسبات مهاجمة معارضيه واتهامهم بأقذر العبارات وتهديدهم بالويل والثبور، مع العلم أنه ومنذ استلامه زمام الحكم لم ينجز أي مشروع يذكر فيشكر، بل في عهده تفاقمت أزمة البطالة والهجرة غير الشرعية وانتشرت الجريمة المنظمة والبلطجة واتسعت دائرة الظلم وكثر الاحتكار، وعمّ الفقر واستفحلت ظاهرة تجميع القوارير البلاستيكية والأكل من حاويات القمامة بعد أن شهدت البلاد ارتفاعاً جنونياً في أسعار المواد المعيشيّة وفقدان الكثير منها، فلا زيت ولا سكر ولا حليب ولا سميد ولا أدوية أي أن متوسط الحال أصبح غير قادر على شراء البيض واللحوم البيضاء والياغورت.. فما بالك اللحوم الحمراء والسمك والغلال والفواكه التي لم تعد من نصيب الفقير.
إلى جانب الزيادات المهولة في فواتير الكهرباء والماء والغاز والبنزين. ففي عهده دخلت البلاد في أزمة مالية خانقة واقتصادية صعبة وسياسية محرجة يصعب تحملها أو الخروج منها بسلام، فسيّدنا لا يهمّه هدر المال العام في شراء كرسي باهظ الثمن وسيارات مدرعة وشعبه يتضوّر جوعاً وعطشاً، والمقلق حقاً هو في استمرار تدهور الوضع المعيشي واتساع دائرة الفقر حينها لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث في الأشهر أو الأعوام القادمة، مع العلم أن هذا الذي اخترناه مجبرين تعمّد صياغة دستور جديد بمفرده بدل دستور 2014.
#تونس #لم #تعد #تتحمل #أكثر #دنيا #الرأي
تابعوا Tunisactus على Google News