تونس نحو تخفيف ضوابط الصرف الصارمة
لطالما مثّل قانون الصرف الحالي في تونس الذي يعود تاريخ إصداره إلى عام 1976 حاجزاً أمام سلاسة حركة الأموال والتحويلات الخاصة بالمستثمرين أو الشبان، فضلاً عن وضع عقبات أمام مجاراته للتطورات والمستجدات.
وعلى امتداد أكثر من 4 عقود قامت السلطات المالية بتنقيح قانون الصرف في مناسبة واحدة سنة 1993، بينما كان سوق الصرف الموازي يستحوذ على مساحات واسعة في الاقتصاد، مستفيداً من التضييق التي يفترض أن يستهدفه القانون الجديد.
ومنذ أيام أقرّ مجلس الوزراء التونسي مشروع قانون جديد لتطوير منظومة الصرف الأجنبي، مؤكداً أنه سيسهل التعاملات المالية والتجارية الدولية، وذلك في إصلاح طالبت به الشركات التونسية.
وقالت الحكومة في بيان لها إن “مشروع مجلّة الصرف ثورة تشريعية ونقلة تاريخية في مجال الصرف والمالية للبلاد التونسية”.
وتكشف نسخة لمشروع القانون اطلعت عليها “العربي الجديد” الاتجاه نحو تحرير جزء من التحويلات المالية الدولية وتطوير نظام الصرف اليدوي إلى جانب إحداث مهنة صرّاف معتمد، ومراجعة الأحكام القانونية المتعلقة بالعقوبات والغرامات.
كما تضمّن المشروع الجديد إجراء تعديلات على المعايير والشروط التي تحدد الإقامة الجبائية للأفراد والكيانات. ويشكل تحرير بعض التحويلات المرتبطة بالمدفوعات المالية بين تونس والخارج من أهم الإجراءات التي يطالب بها التونسيون، ولا سيما صغار المستثمرين الذين يعانون قيوداً مشددة على حركة رأس المال عبر الحدود، الأمر الذي تسبب في كبح كل محاولات الانفتاح على المعاملات المالية الدولية.
ووفق القانون الجاري به العمل لا يحقّ للتونسيين فتح حسابات بالعملة الصعبة ولا يمكنهم الحصول على بطاقات ائتمان دولية كما لا يمكن للبنوك التونسية إصدار بطاقات ائتمان لفائدة المغتربين.
وتطاول إجراءات التضييق على حركة الأموال غير المقيمين أيضاً، حيث يواجه الأجانب في البلاد قيوداً على إجراء تحويلات مالية دولية، ما لم يسجلوا باعتبارهم كياناً خارجياً، مما يتيح لهم امتيازات.
ويشير الخبير المختص في المخاطر المالية مراد الحطّاب إلى أن تونس اختارت منذ إصدار أول قانون للصرف أن تفرض ضوابط صارمة على تحويلات الأموال الدولية في محاولة لتنظيم تدفقات رأس المال، ومنع هروب رأس المال والحفاظ على الاستقرار المالي.
وقال الحطاب في تصريح لـ”العربي الجديد” إن “هذه القيود أصبحت مع تطور الاقتصاد المحلي وانفتاحه على الخارج تعرقل سيولة التجارة والاستثمار الدوليين، مما يحد من فرص النمو الاقتصادي والتنمية”.
وأكد المتحدث أن الغاية من تحرير بعض التحويلات المالية بين تونس والخارج هو تخفيف هذه القيود من خلال تسهيل نقل أموال الأفراد والشركات عبر الحدود.
وتابع أنه “من المتوقع أن يشمل ذلك تدابير مثل تبسيط الإجراءات الإدارية، وتخفيف القيود على المبالغ القابلة للتحويل، وتوسيع أصناف المعاملات المصرح بها”.
ويعتقد الخبير المختص في المخاطر المالية أن فسح المجال أمام استخدام الأصول المشفرة، سيكون بمثابة تغيير كبير في المشهد المالي والتنظيمي للبلاد.
واستعمال العملات المشفرة على غرار “بيتكوين” و”إيثريوم” محظور في تونس بمقتضى قانون الصرف الحالي بسبب طبيعتها اللامركزية وتقلبها وإمكانية استخدامها في أنشطة غير مشروعة مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويعتقد الحطّاب أن تقنين استخدام العملات المشفرة يساعد على الابتكار في القطاع المالي محلياً من خلال السماح للشركات والأفراد بالاستفادة من الفوائد المحتملة للأصول المشفرة، مثل المدفوعات السريعة ومنخفضة التكلفة إلى جانب اندماج البلاد في الاقتصاد الرقمي العالمي من خلال تسهيل التجارة والاستثمارات عبر الحدود.
وعام 2019 حاولت السلطات المالية إقناع البرلمان بالتصديق على قانون جديد للصرف يمنح العفو في بعض الحالات عن جرائم العملة، والذي تقدمت به الحكومة وسط تحذيرات اقتصاديين من تداعيات تأخر تطوير تشريعات صرف العملة على مخزونات النقد الأجنبي ووضع الدينار، غير أن المشروع جابه رفض المعارضة التي ترأس لجنة المالية.
ويقول رئيس الجمعية التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبد الرزاق حواص، إن صغار المستثمرين يطالبون بتحرير المبادرة الاقتصادية بشكل شامل من أجل مساعدة شركاتهم على توسيع أنشطتها دون قيود مالية، مشيراً إلى أن السلطات المالية يمكنها وضع كل التدابير لحماية البلاد من تهريب العملة.
وأكد حواص في تصريح لـ”العربي الجديد” حاجة الأجيال الجديدة من المستثمرين إلى قوانين مالية متطوّرة تسمح بزيادة مساهمتهم في النمو وإيرادات النقد الأجنبي.
وأضاف أنه “من المهم جداً إزالة العراقيل التي تعترض الشركات الناشئة والجيل الجديد من المستثمرين ممن يتطلعون إلى الاندماج الشامل في الاقتصاد المعولم الذي لا يعترف بالحدود والحواجز”.
وقال: “يجب أن يقوم قانون الصرف الجديد على خدمة الاقتصاد والمؤسسات وألا يكون مكبلاً لهما على عكس القانون التونسي الحالي المخالف لكل قواعد التعاملات المالية الخارجية الموحدة”.
ويرى حواص أن قانون الصرف المعتمد منذ عام 1976 يدفع إلى مزيد من هجرة الأموال نحو الاقتصاد الموازي وأنشطة التبييض، مشدداً على بناء مناخ ثقة يساعد البنك المركزي على زيادة احتياطيات النقد الأجنبي وتحسين الميزان التجاري للحد من انزلاق الدينار.
وتتوقع سلطات تونس تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3 بالمائة هذا العام مدفوعة بالإصلاحات في القطاع البنكي ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
#تونس #نحو #تخفيف #ضوابط #الصرف #الصارمة
تابعوا Tunisactus على Google News