تونس: هل سيستمر مشهد “من النهاردة.. أنا الحكومة”؟
وزاد من الوضع سوءا قرارات لاحقة يوم 22 سبتمبر، مانحا نفسه بها سلطة إصدار القوانين وممدا تعليق عمل البرلمان.
ولم يقتصر الأمر على هذا، بل امتدت تداعيات الأزمة السياسية إلى الاقتصاد – كما هو متوقع – لتفاقم الأوضاع سوءا.
وكل هذا قد يحل مع الوقت ولكن هل ستعود الديمقراطية للبلد الشمال أفريقي التي ينظر إليها على أنها قصة النجاح الوحيدة للديمقراطية ضمن ثورات الربيع العربي، التي كانت تونس مهدها بعد انتفاضةديسمبر 2010 التي أنهت الحكم الاستبدادي وأرست مبادئ الديمقراطية.
أولا وسريعا.. ماذا يحدث الآن؟
شهد يوم الأحد مظاهرات مناهضة وأخرى مناصرة للرئيس وقراراته، حيث طالب آلاف المحتجين المناهضين سعيد بالتنحي عن منصبه واصفين تحركاته “بالانقلاب”، فيما احتشد المئات من التونسيين للتعبير عن تأييدهم للرئيس، بحسب وكالة الأنباء التونسية.
ومنح سعيد نفسه الأسبوع الماضي سلطة الحكم بمراسيم متجاهلا أحكام الدستور التونسي، وأتت خطوته تلك بعد شهرين من عزله الحكومة وتعليقه عمل البرلمان الذي تستحوذ على أغلبيته حركة النهضة الإسلامية.
وسياسيا، استقال العشرات من أعضاء حركة النهضة -بينهم مؤسسون- بعد القرارات الأخيرة للرئيس، وكان ضمن أسباب استقالتهم ما قالوا إنه فشل قيادات الحركة في “مقاومة الخطر الاستبدادي الداهم” الذي تمثله هذه القرارات.
وعن هذا ماذا يقول الخبراء؟
قالت المحللة السياسية سارة يركيس، وهي باحثة في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، التابع لمركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط ومقره بيروت، لزاوية عربي، “عند قراءة ما بين السطور، يبدو أنه (سعيد) لا يثق في أي شخص سوى نفسه ودائرته المقربة لاتخاذ القرارات ويفضل الإدارة بطريقة محكمة بشدة بدون مجال للأصوات المستقلة أو المعارضة”.
ويقول ريكاردو فابياني، مدير عن منطقة شمال أفريقيا لدى“مجموعة الأزمات الدولية”، وهي منظمة دولية مستقلة تعمل على منع اندلاع الحروب وإدارة الأزمات، في حديثه لزاوية عربي، إن قرارات سعيد “هي تركيز واضح للسلطة أكثر مما توقعه كثيرون”، معتبرا أن “غياب الضوابط والتوازنات هو مصدر قلق”. وفابياني هو محلل لديه خبرة 10 أعوام في الشؤون السياسية والاقتصادية لدول شمال أفريقيا ومنها مصر وليبيا وتونس والجزائر، وعمل سابقا محلل بمجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية ومقرها في نيويورك.
هل انتهت الديمقراطية؟
ترى يركيس، وهي عضوة سابقة في قسم تخطيط السياسة في وزارة الخارجية الأمريكية حيث ركز اهتمامها على منطقة شمال أفريقيا، أن “هذه القرارات بالتأكيد هي تهديد للديمقراطية في تونس”، مضيفة أن تحركات الرئيس التونسي كانت إلى حد كبير منذ البداية غير ديمقراطية وأن القرارات الأخيرة “تعكس مزيد من الانحراف الاستبدادي”.
وقالت إن سعيد يبدو أنه ينجح في “تجريد عقد من التقدم الديمقراطي”.
ويوم الثلاثاء، طالبت 4 أحزاب سياسية، خلال مؤتمر صحفي، الرئيس التونسي بالعودة إلى المسار الديمقراطي والقيام بإصلاحات وفق الدستور، مشيرة إلى أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد لم يعد يحتمل حالة الفراغ التي تعيشها مؤسسات الدولة. وأعربت الأحزاب عن تخوفها من مواصلة رئيس الجمهورية “الفرار نحو المزيد من القرارات الشعبوية والفردية”.
ويرى فابياني أن الأمر المهم الآن -على الرغم من خطر تركيز السلطة هذا- هو الطريقة “التي يرغب الرئيس التعامل بها مع هذه المرحلة الانتقالية ونوع الإصلاحات التي يرغب في إدخالها”.
أسئلة أخرى مهمة:
1- أين الحكومة؟
أثار تأخر الرئيس التونسي في تكليف حكومة جديدة انتقادات ومطالبات غربية بسرعة تشكيلها بعد مضي أكثر من شهرين على إقالته الحكومة السابقة وانفراده بالسلطة. وقال سعيد في 12 سبتمبر إن الإعلان عن الحكومة الجديدة سيكون قريبا.
وأعلنت الرئاسة التونسية قبل قليل تكليف نجلاء بودن وهي استاذة جامعية متخصصة في علوم الجيولوجيا بتشكيل الحكومة.
وقال فابياني انه: “لا يتضح حتى الآن كيف ينوي الرئيس إدارة البلاد بشكل يومي”.
ونظام الحكم في تونس هجين، إذ أنه بموجب الدستور تتوزع السلطة السياسية على مجلس نواب الشعب المنتخب، ورئيس الجمهورية المنتخب والحكومة التي يمنحها البرلمان الثقة، وذلك بهدف الحد من هيمنة الرئيس ولكن في الوضع الراهن قام الرئيس بتكليف رئيسة حكومة بدون أخذ رأي البرلمان.
ويقول المحلل: “تعيين الحكومة خطوة مهمة لطمأنة التونسيين والشركاء الدوليين، لا سيما في الأمور الاقتصادية”.
2- ماذا عن الاقتصاد؟
يقول فابياني إن “تونس تواجه سلسلة من التحديات الاقتصادية الكبيرة وتحتاج لجمع الأموال من الخارج لتمويل إنفاقها”، مضيفا: “الرئيس أعاد تنظيم السلطة وعملية صنع القرار لكن ماذا عن الرواتب، والتضخم، والتمويل الخارجي، والدين؟”
وتحتاج تونس إلى توفير نحو 5 مليارات دولار لتمويل عجز ميزانيتها ولسداد ديون ودفع أجور العاملين بالقطاع الخاص، وذلك بعدما سددت أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية، بحسب رويترز.
وانكمش اقتصاد البلد بنسبة 8.2 % العام الماضي، ويتوقع صندوق النقد نموه بنسبة 3.8% العام الجاري. فيما يشكل الدين العام 87 % من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي.
وتخوض تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لحل أزمتها المالية، غير أن المفاوضات توقفت في يوليو الماضي في أعقاب قرارات سعيد التي عززت قبضته على السلطة.
وقال فابياني: “بدون حكومة تتولى كل مهامها لن تستطيع تونس معالجة هذه المشكلات”.
فهل سيصمد وينجح سعيد بدون ديمقراطية كما حدث ويحدث في الحياة السياسية مع كثيرين ممن انفردوا بالسلطة ام سيواجه نهاية سينمائية مثل بطل الجزيرة؟
(إعداد: مريم عبد الغني، وقد عملت مريم سابقا في عدة مؤسسات إعلامية من بينها موقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز وتلفزيون الغد العربي)
(تحرير: ياسمين صالح، للتواصل:yasmine.saleh@refinitiv.com)
© ZAWYA 2021
#تونس #هل #سيستمر #مشهد #من #النهاردة #أنا #الحكومة
تابعوا Tunisactus على Google News