- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

تونس وتجريم التطبيع: الحيلة في ترك الحيل | مختار الدبابي

في وقت كان فيه نواب البرلمان، الذي تسيطر عليه مجموعات شعبوية صغيرة، يضغطون لتمرير قانون تجريم التطبيع ضد إسرائيل، جاء رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة ليقول للجميع إن الرئيس قيس سعيد يرى أن “مقترح القانون سيضر بالمصالح الخارجية لتونس، وأن الأمر يتعلق بخانة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وأن المسألة اتخذت طابعا انتخابيا لا أكثر ولا أقل”، في إشارة إلى موجة المزايدات التي ثارت حول القضية منذ انتخابات 2019 بما في ذلك تصريحات الرئيس سعيد خلال الحملة الانتخابية.
من المهم الإشارة إلى أن تونس لا تربطها بإسرائيل أيّ علاقات دبلوماسية، ما يستدعي كل هذا الجدل من أجل إقرار قانون لتجريم التطبيع، وأن منشأ الفكرة يعود إلى المزايدات السياسية التي شهدتها البلاد بعد ثورة 2011، حيث ترك الساسة قضايا الناس الحياتية وتفرغوا لاختلاق الأزمات.
وكان الهدف الأساسي من فكرة القانون إحراج حركة النهضة في السنوات التي كانت تحوز فيها الأغلبية البرلمانية. ويبدو أن المجموعات البرلمانية الصغيرة استمرأت اللعبة ووجدت في خطاب الرئيس قيس سعيد بشأن رفض التطبيع والهجوم على الصهيونية بشكل مستمر فرصتها لتمرير القانون.

◙ الالتزام بالقضايا القومية لا يمكن أن يكون نقيضا للمصالح الداخلية، التي لها الأولوية المطلقة. كما أن تونس ليست في وضع يسمح لها بأن تملي شروطها، أو أن تختار مع من تتعامل

داخليا كان سيبدو القانون، لو تم تبنّيه، بأنه نتاج منطقي ومطلوب ومعبّر عن حماس التونسيين للقضية الفلسطينية خاصة في ظل مجريات الحرب واستمرار إسرائيل في قصف كل شيء بقطاع غزة وهدم الأحياء والمستشفيات.
لكن المشكلة تكمن في آثار القانون خارجيا وتأثيره على علاقات تونس ومصالحها مع الدول الغربية التي اصطفت كلها إلى جانب إسرائيل وباتت تؤوّل المواقف المغايرة على أنها “معاداة للسامية”. وتونس حاليا في وضع صعب اقتصاديا وماليا وهي تعمل بكل ما في وسعها لتحصيل التمويلات اللازمة لمنع تفاقم أزمتها أولا، وثانيا للتفكير في الخروج من حالة الركود وحلحلة وضع الاقتصاد.
أغلب القروض الصغيرة التي تحصل عليها تونس في الأشهر الأخيرة تأتي من دول ومؤسسات مالية غربية، وهي توظفها بشكل آلي في حل أزمة الرواتب الضخمة، وتضخها في ماكينة الإنفاق الكبرى للإدارة التونسية.
لو توقفت هذه المساعدات المحدودة والصغيرة، فلن تجد الحكومة بدائل عاجلة لتسيير أمورها، خاصة أنها لم تحصل على تمويلات من دول ولا مؤسسات مالية عربية أو إسلامية، وهناك فيتو واضح بأن الدعم يمرّ عبر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ويمكن وصف سعي المجموعات الشعبوية لتمرير قانون تجريم التطبيع بلزوم ما لا يلزم، فلا شيء يستدعيه سياسيا خاصة أن تونس في قطيعة كاملة مع إسرائيل، ولا يمكن أن تكون بأيّ حال أكثر حماسا من دول عربية كثيرة اكتفى بعضها بسحب السفراء وإصدار بيانات التنديد أو التضامن وجمع التبرعات لفائدة سكان القطاع.

◙ وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار تساءل الأربعاء “من نجرّم؟ نحن ليست لدينا علاقات مع الكيان الصهيوني، فماذا نجرّم؟”

- الإعلانات -

كما أن الجزائر التي لا علاقات تجمعها بإسرائيل، والتي تسعى الدبلوماسية التونسية بعد 2011 للتشبه بها، لم تبادر إلى سن قانون لتجريم التطبيع، وكان موقفها من التصعيد في غزة محسوبا ودون ضجيج تماشيا مع مصالحها مع أوروبا، وهي تعرف أن مزاج الأوروبيين في تغيّر كبير لصالح دعم إسرائيل، وقد تتجه المؤسسات الأوروبية الرسمية إلى سن قانون مقابل لتجريم تمجيد مقاومة حماس.
وما يثير التساؤلات بشأن حماس المجموعات الأيديولوجية، التي باتت تتحكم في تونس بعد 2011، لهذا القانون، هو أن تونس بعيدة كليا عن الصراع عمليا، وهي لا تقدر سوى على إصدار البيانات، فما الذي يدفعها إلى هذا التشدد.
كان يمكن أن نفهم الأمر لو كان مشروع القرار مدفوعا من حركة النهضة انتصارا لحماس شريكتها في الأرضية الفكرية، لكن لا يفهم حماس المجموعات اليسارية والقومية سوى من باب المزايدات التي ستزج بتونس في معركة وهمية لا مبرر لها واقعيا وسياسيا لدولة بعيدة كليا عن الصراع ولا تقيم علاقات بأيّ شكل مع إسرائيل، فما الذي يجعلها تبادر إلى المزايدة على دول أخرى موجودة على الجبهة ومصالحها الإستراتيجية وأمنها القومي يدفعان إلى الراديكالية، لكنها تتصرف بعقلانية.
ولهذا تساءل وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار الأربعاء “من نجرّم؟ نحن ليست لدينا علاقات مع الكيان الصهيوني، فماذا نجرّم؟”.
ومن الواضح أن الرئيس سعيد قد وصل إلى القناعة بأن الحيلة في ترك الحيل، أي ترك هذا القانون، أو على الأقل تأجيله إلى وقت آخر حتى لا يصطدم بالاستنفار الأوروبي – الأميركي الداعم لإسرائيل، حتى وإن كانت قناعاته تميل إلى تمريره والافتخار بأن رئاسته للبلاد قد حققت ما لم يحققه السابقون من وضع بصمة حاسمة لصالح القضية الفلسطينية.
يمكن كذلك أن تكون قد وصلت الرئيس سعيد إشارات من جهات غربية لديها مصالح مع تونس بتأجيل الخوض في هذا القانون. وما يرجّح هذه الفرضية هو ما تحدث عنه بعض النواب من وجود ضغوط وتهديدات من بعض الدوائر من دون أن يذكروا هوية هذه الدوائر، هل هي محلية أم أجنبية.

◙ يبدو أن المجموعات البرلمانية الصغيرة استمرأت اللعبة ووجدت في خطاب الرئيس قيس سعيد بشأن رفض التطبيع والهجوم على الصهيونية بشكل مستمر فرصتها لتمرير القانون

ولا شك أن هذا القانون الاستعراضي يمكن أن يثير مخاوف رجال الأعمال التونسيين وأصحاب الشركات وقطاع السياحة، ذلك أن الكثير من الشركات والمستثمرين في أوروبا ممن تتعامل معهم تونس يحملون جنسية مزدوجة، أوروبية وإسرائيلية، ولديهم مصالح في إسرائيل أو مع شركات لديها علاقات مع إسرائيل، ولا يمكن بأيّ حال رهن علاقاتهم بقانون يتم الدفع لتمريره في البرلمان لاعتبارات شعبوية ومزايدات سياسية.
وثارت مخاوف بشأن تأثير هذا القانون على اليهود من أصول تونسية، والذين يمتلك الكثير منهم جنسية مزدوجة أوروبية – إسرائيلية، والذين دأبوا على الحج إلى تونس في موسم الغريبة السنوي بمدينة جربة (جنوب شرق). ورغم التطمينات بخلوّ مشروع القانون من أيّ إشارة إليهم، وأن حالاته التفصيلية لا تنطبق عليهم، إلا أن تمريره سيشعرهم بالقلق، وقد يدفعهم إلى الغياب عن موسم الغريبة القادم من باب الحذر والتوجس.
ويجد التوجس مشروعيته، كذلك، في خطاب رسمي بات يربط كل شيء بالصهيونية، ويتهمها بالتأثير في المشهد الداخلي بما في ذلك المساعدة في تهريب عناصر خطيرة موسومة بالإرهاب من أحد السجون. فهذا الخطاب مفيد داخليا، وكان صالحا في مناخات قديمة، لكن الآن يمكن أن يكون تأثيره عكسيّا.
ولا يقلل مسعى الرئيس سعيد لقطع الطريق على تمرير القانون أمام البرلمان، في شيء، من التزامه والتزام تونس تجاه القضية الفلسطينية، والفلسطينيون يعرفون حدود الدعم وهامش التحرك لكل دولة، وهو إلى ذلك يترك لتونس الفرصة لمواجهة مشاكلها من خلال تحصيل الدعم من شركائها الأوروبيين، والاستمرار في إدارة حوار هادئ مع صندوق النقد والبنك الدولي بشأن التمويلات.
الالتزام بالقضايا القومية لا يمكن أن يكون نقيضا للمصالح الداخلية، التي لها الأولوية المطلقة. كما أن تونس ليست في وضع يسمح لها بأن تملي شروطها، أو أن تختار مع من تتعامل، أو تضع مقاسات لمن يأتيها ومن لا يأتيها.

#تونس #وتجريم #التطبيع #الحيلة #في #ترك #الحيل #مختار #الدبابي

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد