تونس ونذر الحرب الاهلية الباردة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرامإضغط هنا للإشتراك نحن امام فرضيتان لا ثلث لهما: اما ان تتواصل الازمة السياسية الحالية لتؤدي الى سيطرة القوى الشمولية، بوليسية، عسكرية، ظلامية، أيدولوجية وغيرها من اشكال الحكم المنغلق، على مفاصل الدولة والاجهاض بالتالي على عملية الانتقال الديموقراطي الهش، واما ان يَلتقي الفُرقاء السياسيون حول طاولة الحوار مرة أخرى، لإيجاد مخرج لهذه الازمة الخانقة.لو عُدنا قليلا الى الوراء، لرأينا بأن التنافر والصراع بين الإسلاميين وبقية القوى المعارضة التونسية اندلع مباشرة بُعيد الثورة وهو صراع من اجل الحكم وتغيير النمط المجتمعي للتونسيين مع الإبقاء على مكيانيزمات اشتغال المنظومة القديمة. ساهم الحوار الوطني الذي انطلق سنة2013، بمبادرة من منظمات تونسية وعلى رأسها اتحاد الشغالين ثم لقاء الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي في باريس في إطفاء فتيل الازمة حين كانت البلاد على شفى حرب أهلية طاحنة عقٍب اغتيال زعيم المعارضة اليسارية شكري بلعيد وزعيم المعارضة القومية محمد البراهمي.بلغ حينها، منسوب العنف والتباغض الاجتماعي والسياسي أقصاه ولولا حكمة بعض الشخصيات السياسية لاندلعت مواجهات اجتماعية عنيفة تحمل كل مقومات الحرب الاهلية بسبب غياب أسس التعايش المجتمعي السلمي بين الأفراد والمجموعات ووهن الدولة.بعد الانتخابات الأخيرة السابقة لأوانها، تحول منسوب العنف في تونس من الوجود بالقوة بفعل سياسة التوافق والحوار الوطني، الى الوجود بالفعل كما يذهب الى ذلك المعلم ارسطو. ساهم صعود قوى سياسية يمينية متطرفة متمثلة في “إتلاف الكرامة” واعتماد الحزب الحر الدستوري لخطاب اقصائي رافض لأي تفاوض مع الإسلاميين، ساهم في اندلاع مواجهات جدية وخطيرة ليس بين الافراد والفئات فحسب بل أيضا، وهذا هو الأخطر، بين مؤسسات الدولة وبين السلطة التنفيذية والتشريعية ورئاسة الجمهورية، أدى الى امتداد موجة العنف الى قبة مجلس نواب الشعب ووسط نقابات امنية حاملة للسلاح، ومما زاد الأمر تعقيدا هو رفض رئيس الجمهورية قبول أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد.هذا المشهد المخيف والمرعب يصفه نورالدين الطبوبي رئيس اتحاد الشغالين في تونس بالقول ” ما أشبه الليلة بالبارحة وكأن التاريخ يعيد نفسه اذ نلاحظ اليوم بوضوح لا لبس فيه الدفع في اتجاه اعادتنا الى مربع العنف من جديد عبر التحريض وتوتير الفضاءات العامة والاستهداف الممنهج للمؤسسات من أجل التمكين والاستيطان في مفاصل الدولة”” مضيفا بأن اخفاق الائتلاف الحاكم في ادارة الشأن العام وتحقيق الحد الادنى من مطالب الشعب في الشغل والكرامة الوطنية دليل قاطع على فشله مثل سابقيه في فهم الواقع وايجاد الحلول المناسبة لذلك نجدهم مرة أخرى يلجؤون الى العنف بديلا للحوار ويهيؤون الى التسلط سبيلا للاستمرار في الحكم …تونس الآن في مأزق سياسي عميق وعجز اقتصادي لم تعرفه البلاد منذ السنوات الأولى من الإستقلال، ولا يبدو ان الطبقة السياسية الحالية مدركة لحجم الكارثة التي تنتظرنا باستمرارها في المكابرة وتلخيص الأزمة في صراع هووي وأيديولوجي بين يسار ويمين ونظام قديم و آخر جديد.ان الأزمة الحقيقية التي تعرفها تونس هي ازمة نظام حكم وأزمة فشل منظومة اقتصادية اثبتت فشلها، بل أدت الى بروز نخب فاسدة و منحرفة ساهمت في تمزيق النسيج القيمي والأخلاقي للمجتمع ومتى ادركت السلطة الحاكمة بأن نجاحها يتمثل في التخلص من هذه المنظومة سوف نتمكن من الخروج من هذا النفق المظلم.لا أحد الآن يعلم متى ستنطلق شرارة المواجهة الدامية غير ان التاريخ علمنا بان الحروب بجميع أنواعها وبينها الحروب الاهلية قد تنطلق لأسباب واهية في الظاهر، لكنها عميقة عمق الازمات في تضاريس الشعوب والمجتمعات.حذاري من اللعب بالنار والدفع بالأزمة الى أقصاها لأن سياسة كسر العظام التي يَنتهجُها الفاعلون السياسيون في ظل وضع مأزوم قد يغنم منه السياسيون على المدى القريب بعض المكاسب لكنه سيؤدي لا محالة الى القضاء على ما تبقى من دولة. حينها فقط سوف يخسِر الجميع وسوف تَحترِق كُل المراكب والقلاع. وحين يُضيّع الساسة أوراق اللعبة من بين يديهم تلتقطها الديكتاتورية التي ستأكلهم كما أُكل الثور الأبيض…ولكم “عبرة لأولي الألباب”.
تابعوا Tunisactus على Google News