جدل بشأن تفعيل خطة رفع الدعم وتداعياتها على الاقتصاد في تونس | خالد هدوي
تونس – نبّه خبراء في الاقتصاد ومنظمات نقابية في تونس من تداعيات خطوة رفع الدعم في البلاد، وسط تحذيرات من انعكاساتها السلبية على الاقتصاد المحلي، في المقابل استحسن البعض الخطوة وسط دعوات إلى تفعيلها بعد أن أعلنت الحكومة عن برنامج إصلاحات هيكلية وعميقة تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية تدريجيا، وإلغاء دعم المحروقات والغاز والكهرباء في أفق سنة 2026، مع إقرار تحويلات مالية للأسر المتضررة من خطوة رفع الدعم.
وحذّر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي الأحد من تداعيات رفع الدعم، مؤكدا أن “عواقب هذه الخطوة ستكون وخيمة”.
وشدّد إثر حضوره المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي للشغل بمحافظة قابس (جنوب)، على أن “الأجر الأدنى لا يجب أن يقل عن ألف دينار”، مبينا أن رفع الدعم لا يمكن أن يكون بمنحة 200 دينار تُسند إلى العائلات الفقيرة”.
ووصف خبراء الاقتصاد خطوة رفع الدعم في الوضع الحالي للبلاد بـ”الخطيرة جدا”، والتي يمكن أن تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وتزيد من عدد العاطلين عن العمل واستهداف القدرة الشرائية، وسط دعوات ملحة إلى ضرورة دفع نسق الاستثمار والتحكم في قيمة التضخّم.
وقال الخبير الاقتصادي محمد صالح الجنادي إن “رفع الدعم في الوضع الذي تعيشه البلاد حاليا ودون إجراء أو خطة هو خطوة خطيرة جدا وستكون له تداعيات سلبية”، لافتا إلى أن “قيمة رفع الدعم على المحروقات تبلغ 1800 مليار دينار، و1500 مليار دينار بالنسبة إلى المواد الغذائية، والكهرباء في حدود 490 مليار دينار، أما النقل العمومي في حدود 450 مليار دينار، فارتفت القيمة الجملية للدعم من 4500 مليار دينار إلى 6000 مليار دينار”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “ستكون هناك انعكاسات سلبية من بينها ارتفاع نسبة التضخّم والبطالة واتساع رقعة الفقر، كما أن المقدرة الشرائية اليوم غير مناسبة مع الأسعار وستتدهور أكثر برفع الدعم وكتلة الأجور سترتفع من 21 ألف مليار دينار إلى 23 ألف مليار دينار، والحل يكمن في كيفية التحكم في قيمة التضخّم ويجب أن يكون هناك دعم مباشر للصناعة والنقل والعائلات”.
وأردف الجنادي “الاستثمار هو المحرك الأساسي للاقتصاد للتقليص من البطالة وتوفير فرص العمل ويمكن أن يقلص التضخّم، وضروري تأسيس شركات جديدة لتوفير الطاقة البديلة، وأنبوب النفط مع الجزائر يوفر 750 مليار دينار ومن الضروري أن يكون أكثر من ذلك”.
وخلال العشرية الأخيرة التهم بند الدعم نحو 1.24 مليار دولار في المتوسط منها 880 مليون دولار لدعم السلع الأساسية و220 مليون دولار لدعم النقل و150 مليون دولار لدعم الوقود من موازنة سنوية تتأرجح بين 12 و15 مليار دولار.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “كل المعطيات والأرقام تشير إلى أن الرفع الكلي للدعم عملية انتحارية اجتماعيا وسياسيا لأن لدينا 4 ملايين فقير يعيشون بدخل فردي أقل من 4 دنانير”.
وأضاف لـ”العرب”، “رفع الدعم يحتاج إلى آليات جديدة، ورقعة الفقر اتسعت، ومن يحتاج الدعم تقريبا هم نصف المجتمع فما فوق، وليست لدينا أيّ آليات لرفع الدعم الآن أو توجيهه إلى مستحقيه، كما أن هذه العملية ستجعل قطاعا واسعا من المجتمع متضررا، وهذه ضرورة لا يمكن ترحيلها”.
وتابع ثابت “هناك رجة اجتماعية حتمية ستحدث بسب ذلك، والحل هو تحرير الاستثمار وضخّ الأموال في شرايين الاقتصاد، فضلا عن عفو خاص على رجال الأعمال، والاقتراض متاح أيضا ومفروض أن يوجّه للاستثمار”.
وأردف “نحن الآن بصدد الرفع التدريجي، وهناك زيادة في أسعار المحروقات التي ستكون لها تداعيات اجتماعية مباشرة وغير مباشرة مثل الزيادة في تعريفات النقل، وأمام عجز الميزان التجاري جراء توريد الطاقة، لا بدّ من البحث عن مصادر طاقة جديدة أو التفكير في الطاقة النووية”.
وقال “نحتاج إلى عقلنة استهلاك الطاقة، ويمكن قطع الكهرباء والغاز عن الاستهلاك المنزلي لمدة ساعتين ليلا على الأقل، والدولة تستهلك الطاقة المدعمة في الوزارات والمؤسسات والدواوين”.
في المقابل، طالب خبراء بمراجعة منظومة الدعم معتبرين أنها خطوة إيجابية، داعين إلى إسناد الدعم إلى مستحقيه عبر تعويضات مالية للعائلات ضعيفة الدخل.
وأفاد فوزي بن عبدالرحمن خبير الاقتصاد ووزير التكوين المهني والتشغيل الأسبق في تصريح سابق لـ”العرب” أنه “منذ أكثر من عشر سنوات ونحن نناقش هذه المسألة، ولم نفهم أنه علينا أن نبادر بالإصلاح من خلال رفع الدعم تدريجيا، والسلطة أخذت القرار بأنها ستخصص قاعدة بيانات تحتوي على مليون و200 ألف عائلة ترصد لها منحة شهرية (في حدود 80 دينارا تقريبا) مقابل رفع الدعم بصفة تدريجية”.
وأضاف فوزي بن عبدالرحمن “رفع الدعم هو الخطوة التي يجب أن تفعّل، وتأثيراتها ستكون إيجابية على الميزانية العمومية، في ظلّ وجود ممارسات فساد في منظومة الدعم”.
وفي يونيو الماضي، كشفت الحكومة التونسية في مؤتمر صحافي كبير حضره 13 وزيرا من حكومة نجلاء بودن عن برنامج وطني للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية يرنو إلى تركيز مقومات نمو إدماجي ومستدام والخروج من أزمة اقتصادية ومالية حالكة.
ويستهدف البرنامج الإصلاحي الوطني للحكومة جملة من الإصلاحات الهيكلية والعميقة، تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية تدريجياً، وإلغاء دعم المحروقات والغاز والكهرباء في أفق سنة 2026، مع إقرار تحويلات مالية للأسر التونسية وبخاصة منها الفقيرة كي لا تتأثر بإلغاء الدعم.
وقالت وزيرة التجارة فضيلة الرابحي، خلال ندوة عقدت بالعاصمة تونس حول البرنامج الوطني للإصلاحات الذّي أطلقته الحكومة، “لن يتم التخلي عن منظومة الدعم بالبلاد.. بل سيتم تنفيذ برنامج لمنظومة عادلة تستهدف مستحقيه من العائلات الفقيرة ومتوسطة الدخل”.
وتبلغ كلفة الدعم لسنة 2022 نحو 4.2 مليارات دينار (1.385 مليار دولار)، بما يعادل 3.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام.
وتحتاج تونس إلى اقتراض 7.2 مليار دولار من بينها حوالي 5 مليارات دولار على شكل قروض خارجية، خلال العام الجاري.
وكان صندوق النقد الدولي طالب حكومة نجلاء بودن بمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية تتضمن أساسا رفع الدعم وتجميد الأجور ومنع الانتدابات في الوظائف العمومية للحصول على التمويل لكن الاتحاد العام التونسي للشغل رفض تلك الشروط وهو ما يجعله يدخل في خلافات مع السلطة ومع مؤسسة الرئاسة.
#جدل #بشأن #تفعيل #خطة #رفع #الدعم #وتداعياتها #على #الاقتصاد #في #تونس #خالد #هدوي
تابعوا Tunisactus على Google News