جريدة المغرب | الدولة والانخراط في لحظة 25 جويلية: سعيّد والصـــراع مع النخـــب
منذ 25 جويلية انقسمت البلاد في السردية الرسمية إلى معسكرين، يحدد هوية كل منهما مدى انخراطه في مشروع «البناء/تصحيح المسار»،
ومما ادى الى ان تتشكل الحياة السياسية على قاعدة حليف او عدو وتقفز عن ثراء الاختلاف الذي يشق النخب التونسية.
سردية رسمية نجح الرئيس في ان ينتقل بها من فضاء الكلمة، اي انتقل بها من الخطاب الى الفعل السياسي الذي انتهجه منذ 25 جويلية الفارط، لتصبح سياسة الدولة متناغمة مع خيارات الرئيس وتصوراته للدولة وللعلاقات التي تنتظم في اطارها في سياق سياسي هيمن عليه رئيس الجمهورية وبات الوحيد المتحكم فيه.
هيمنة تتجسد اليوم في سياسات الرئيس التي تبحث عن توحيد الدولة بأجهزتها وفضائها لتكون تعبيرا عن «السيادة» و»الارادة» الشعبية وفق تصور اخلاقي طهوري يجعل من السلطة مجرد وظيفة اي ان كل السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية ليست الا وظائف في الدولة، وفق ما عبر عنه الرئيس في كلمته في مجلس الوزراء يوم الخميس الفارط.
بذلك تصبح الدولة كيانا معنويا وماديا لها وظيفة، تتفرع إلى وظائف تقوم بها السلطة، بهدف خدمة صاحب السيادة والارادة وهو هنا الشعب الذي لم يعد في حاجة لاجسام وسيطة بينه وبين الدولة، ولم يعد في حاجة الى «سلطة مفوضة» لتنزيل ارادته طالما انه هو من يمسك السلطة بيديه.
تصور طهوري اخلاقوي للحكم ومسؤولياته يقوم على ثنائية الشعب والزعيم/القائد، وهذا الثنائي ليس في حاجة الى اجسام وسيطة، طالما ان الزعيم/القائد يجسد الارادة الشعبية ويعبر عنها، والدولة هنا تصبح كيانا يطبق ايديولوجية الزعيم والشعب بكل حذافيرها.
غير ان هذا التصور الذي يمضى فيه الرئيس بخطوات ثابتة يواجه اشكالية تتمثل في «القديم» الذي يحول دون تنزيل الجديد الذي بموجبه يقع «التاسيس الجديد» للدولة ولمؤسساتها ووظائفها على قاعدة انها تختزل في فرد وهو «القائد» المجسد لإرادة الشعب باعتباره صاحب «السيادة» الاصلي والوحيد.
القديم الذي يعيق ان يكون للشعب «زعيم» يجسد ارادته. ليس الدولة ككيان ومؤسسات او مجال بل «الاجسام الوسيطة» بين الدولة والشعب، اي النخب التي يمنحها الشعب تفويضا لإدارة شؤونه اليومية ورسم سياسات عمومية تحمي قواعد العيش المشترك.
هذا القديم يحدده سعيد بشكل عام في انه كل النخب، وليس فقط النخب الحزبية اي النخب التي تنتظم في احزاب سياسية كانت مؤثرة في الحياة العامة خلال السنوات العشر الفارطة، كل النخب هنا تشمل كل من هو خارج لحظة 25 جويلية وتصورها لمفهوم السيادة والإرادة الشعبية ولمنظومة الحكم وكيفية توزيع الامتيازات والمنافع وبشكل ادق وأوضح كل من يعترض على سياسات الرئيس سواء منذ 25 جويلية او بعدها.
استهداف النخب وجعلها بمثابة «الحرس» لمنظومة هلامية تحضر في الخطاب على انها كيان يتآمر على الشعب صاحب السيادة، هدفه كسر اي محاولات لإعادة تشكل مشهد سياسي تقود في النخب مساعى الحد من الانحراف الذي تقاد اليه البلاد منذ اعلان التدابير الاستثنائية.
امام هذا التمشي الذي ينتهجه الرئيس نجد ان النخب كثفت من تحركاتها منذ 25 جويلية وعبرت عن تحفظاتها واعتراضها على ما يقدمه الرئيس من مشاريع يسوقها على انها «اصلاحات» لكنها في جوهرها تعيد ممارسة ذات الاخطاء التي قادت تونس الى وضعها الراهن، اذ ان محاولة فرض تصورات وسرديات شخصية او جماعية على «تونس» وتسويقها على انها «خطة الانقاذ» و»الجنة» ليس الا اعادة انتاج لذات الاخطاء من قبل اسماء جديدة.
نخب اليوم تحشد نفسها لتشكل جسما قد يكون لسرديته او محاولته لتصحيح فرصة لتعديل المسار، وهي تحاول ان تتجمع حول مقولات اساسية اي مبادئ وقيم لا تخضع لحسابات سياسية او نفعية. هذه النخب التي تضم الاكاديميين والحقوقيين ممن لم يبحثوا عن التنظم في اجسام حزبية او سعى لمواقع في السلطة، بكل فروعها حتى الرمزية منها، هم الذين ترتفع احتمالات قدرتهم على التاثير في التونسيين، اذ ان الرئيس ومنذ ما قبل 25 جويلية انتصر في معركة الشارع والمقبولية الشعبية التي تتعزز يوما بعد يوم بخطاب يقوم على ثنائية «نحن» و«هم»، وهم لدى الرئيس حرصت على ان تقفز على حقيقة ان النخب المعارضة لسياسات الرئيس الحالية لا تعبر عن كيان واحد متجانس بل هي تعبير عن ثراء النخب واختلافاتها. لكن هذا يطمس ليقع تسويق النخب على انها كيان واحد يدافع عن منظومة 24 جويلية.
سردية جعلت النخب الحزبية معزولة في الشارع التونسي ولا امتداد لها خارج تنظيماتها الحزبية، ولكنها لم تنجح بعد في عزل بقية النخب الاكاديمية والحقوقية الثقافية السياسية الخ، نخب قد يكون الرهان عليها لا لتنزيل مشاريع سياسية بل لفتح الفضاء العام لنقاشات عن ملفات وأسئلة يتجنبها الرئيس.
#جريدة #المغرب #الدولة #والانخراط #في #لحظة #جويلية #سعيد #والصـــراع #مع #النخـــب
تابعوا Tunisactus على Google News