جريدة المغرب | تونس على شفا جـــرف هار
تونس أمام مفترق طرق جديد لم تشهد له مثيلا..مفترق طريق دون أي أفق واضح لكل الخيارات المطروحة بقوة.
الأزمة السياسية التي تعيش البلاد على وقعها منذ الثورة تقريبا مع استراحات قصيرة تستعر الآن وقد تتحول إلى أزمة مؤسسات إذا ما أصّر رئيس الدولة على موقفه ورفض أن يؤدي أمامه بعض الوزراء الذين نالوا ثقة مجلس نواب الشعب اليمين الدستورية ممّا قد ينجر عنه تعطيل كلي لإدخال التعديل الحكومي حيز الواقع ،فأداء القسم –على شكليته – عنصر ضروري لمباشرة المهام .. وإذا صحّت الأخبار المتواترة إلى حدود كتابة المقال والتي مفادها إصرار رئيس الجمهورية على الموقف الذي أعلن عنه أمام مجلس الأمن القومي وإصرار رئيس الحكومة على أن لا يقصى أحدا من الوزراء الأحد عشر فالنتيجة لن تكون سوى نقل الصراعات السياسية والحزبية إلى قلب مؤسسات الحكم بشكل غير مسبوق لا يحافظ حتى على الحدّ الأدنى من مظاهر سير الدولة ..لاشك أن أهم الأطراف المتناحرة اليوم بصدد الاستعداد لخطط بديلة ولكن عملية التصعيد وصراع الإرادات ومحاولة كل طرف فرض أمر واقع ما .. كل هذا من شأنه أن يدخل الأزمة السياسية في منعطف يجعل من إصلاح ذات البين والعمل العادي للدولة أمرا أصبح شبه مستحيل .والخطر هو أن يفتي المفتون لكل طرف في النزاع بما يرضي نرجسيتهم وبما يقضي على كل منطقة وسطى ممكنة وان يدفعوا إلى سياسات متهوّرة لا ينتصر فيها احد بل يخسر فيها الجميع.يحصل كل هذا والبلاد تواجه أخطر أزماتها الصحية والاقتصادية والمالية والاجتماعية وما قد ينجر عن تحطيم وحدة قيادتها الظاهرية من عجز عن التفاوض الداخلي والخارجي ومن إمكانية التقدم في أي إصلاح ممكن مهما كان جزئيا ..لو وصلنا إلى أزمة تنازع الشرعيات اليوم أو غدا (بالمعنى الحقيقي لا المجازي لكلمتي اليوم وغدا ) فلن يكون لإمضاء تونس –كدولة– أي معنى لا داخليا ولا خارجيا،وسينتظر كل شركاء البلاد مآلات هذا التنازع خوفا على ضياع مصالحهم وحقوقهم في أتون صراعات لا يفقهون سرّها ولا يملكون مفاتيح حلها ..ولكن السؤال الأهم لأطراف النزاع الثلاثة اليوم: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والائتلاف الأغلبي في البرلمان هو عن الأفق السياسي لهذا التصعيد المتبادل ؟ وكيف يعتقد كل طرف انه بإمكانه حسمه لفائدته ؟المخيف هو غياب هذا الأفق والاكتفاء بشنّ الحرب لمجرّد شنّها فقط لا غير .وتحصل هذه الأزمة المسعورة والبلاد تشهد تعمق الهوة بل القطيعة بين شبابها وحكامها ومشهد البرلمان المطوق من كل جهة بقوات الأمن شبيه – من الناحية الرمزية- بما يعرف بالمناطق الخضراء التي أرستها الولايات المتحدة الأمريكية في كابل وبغداد بعد الاحتلال..فكل سلطة تحتاج إلى قوة تحميها ولاشك، ولكن لو ارتهن وجود سلطة ما للقوة فقط فذلك إيذان بنهايتها ولو بعد حين .يخطئ من يعتقد أن الشباب المنتفض والحانق إنما هو غاضب فقط على هذه الحكومة أو على حزامها السياسي ..انه حانق على المنظومة بأسرها ولا ينجو من حنقه لا حكم ولا معارضة ولا مؤسسة تنفيذية ولا تشريعية ولا آية مؤسسة رسمية ،وتقديرنا أن مؤسسة الرئاسة -الناجية إلى حدّ ما من هذا الغضب العارم- لن تنجو إلى ما لا نهاية له ،وهي أن كانت اليوم ملاذ البعض ضد بقية مؤسسات الدولة ستكون غدا حتما في عين الإعصار لأنها لا تملك حلاّ ولا خطة لإنقاذ البلاد .عندما نادى الاتحاد العام التونسي للشغل – وقبله أحزاب وشخصيات شتى – بحوار وطني لإنقاذ البلاد كان ذلك استشعارا جماعيا لهذه الخطر الداهم، لهذه العدمية التي بدت تستبد بأهم مفاصل السلطة وان لا مخرج للبلاد دون جلوس أهم مكونات المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي على طاولة الحوار للاتفاق على الحد الأدنى الوطني المشترك.ولكن حسابات البعض وتعنت البعض الأخر أضاع على البلاد هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة..هل مازالت هنالك إمكانية لتجنب الكارثة ؟ نعم فالتاريخ لم يكتب بعد والخيار الأسوأ ليس قدرنا المحتوم .البحث عن منطقة وسطى لحل النزاع أفضل من المغالبة والمكابرة والتهور ..والحوار يبقى في كل الحالات أفضل من الصدام وان يتنازل بعضنا للبعض الأخر أفضل من الاضطرار إلى التنازل لقوى أجنبية مالية أو سياسية ..تجنب الأسوإ مازال ممكنا شريطة الترفق بالبلاد وإحكام العقل بدلا من تنازع الأهواء.
المصدر