جهاد الحرازين: وقف تغلغل إسرائيل فى أفريقيا واجب عربي
وجهت القمة الأفريقية الخامسة والثلاثون صفعة لدولة الاحتلال الإسرائيلى بعد رفض منحها صفة مراقب فى الاتحاد الأفريقى، وهى الصفة التى كان يحظى بها الكيان الصهيونى فى منظمة الوحدة الأفريقية. وقررت القمة تشكيل لجنة سداسية برئاسة السنغال وعضوية الجزائر والكاميرون ورواندا ونيجيريا وجنوب أفريقيا لإجراء مزيد من التشاور حول الموضوع بين البلدان الأعضاء للوصول إلى توافق بشأن هذا الأمر وتقديم تقرير للقادة الأفارقة فى القمة المقبلة.
جاء قرار القمة الأفريقية بعد تصاعد لغة الرفض من جانب عدد من الدول العربية والأفريقية لمنح إسرائيل هذه الصفة، خاصة وأن سجلها فى ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطينى، وانتهاجها سياسة التفرقة العنصرية يجعلها ليست أهلا لدخول الاتحاد الأفريقى بصفة مراقب.
يذكر أن الجزائر وجنوب أفريقيا وناميبيا اعتبرت بأن منح عضوية مراقب لإسرائيل “مخالف لأسس وأهداف العقد التأسيسى للاتحاد الأفريقى. ويمثل خروجاً على تقاليد ومقررات الاتحاد الذى صنف تاريخياً إسرائيل كنظام استيطانى عنصرى ودولة احتلال.
محاولة للتوغل
أكثر فى أفريقيا
ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة الدكتور محمد حسين إن إسرائيل تحاول القفز إلى مرحلة تالية من العلاقات داخل أفريقيا، ففى الوقت الذى تحظى العلاقات الثنائية بين بعض الدول الأفريقية وإسرائيل بدرجة كبيرة من التطور، فإنها تسعى لدخول مؤسسات الاتحاد الأفريقى، بعد أن غادرته بعد تحوله إلى الاسم الجديد. وكانت إسرائيل تحظى بمقعد المراقب فى منظمة الوحدة الأفريقية. مضيفاً أن هذا المقعد رغم أنه شرفى، وتحظى به دول أخرى وكثير من المنظمات الدولية، إلا أن حصول إسرائيل عليه يسمح لها بالتغلغل داخل مؤسسات ودهاليز هذه المؤسسة الدولية، وبما يضر بالتالى بالمصالح الاستراتيجية للدول العربية ومن بينها مصر.
وأضاف حسين أن تغلغل إسرائيل داخل القارة الأفريقية يضر بالمصالح العربية، فالكيان الصهيونى يتعامل مع الدول العربية كعدو، وذلك بعيداً عن خطابها الإعلامى وحديث مسئوليها الدائم عن السلام والتعايش. فدولة الاحتلال لها دور “غير محمود” فى ملف السد الإثيوبى.. وغيره من ملفات مياه نهر النيل، وهذا يعنى أنها تقوم بالإضرار بمصالح مصر. لافتاً إلى أن مصر تدرك مخاطر هذا الوجود الإسرائيلى فى قارة أفريقيا وهذا ما يفسر موقف مصر الرافض لمنح إسرائيل مقعد المراقب فى الاتحاد الأفريقى.
ولفت حسين إلى أن مصر تتخذ هذا الموقف المبدئى بالتنسيق مع عدد من الدول العربية والأفريقية مثل الجزائر وتونس وجيبوتى والسنغال ونيجيريا، ولم يشذ عن هذا الموقف العربى الموحد سوى المغرب التى ترتبط بعلاقات وطيدة مع دولة الاحتلال الصهيونى، وهى علاقات تتعارض مع المصالح العربية الاستراتيجية ونتمنى أن تتراجع عنها الرباط قريباً.
إسرائيل تلوث القارة السمراء
وأشار حسين إلى أن إسرائيل تتوغل فى أفريقيا من خلال “أعمال قذرة” مثل التعاون المخابراتى مع أنظمة ديكتاتورية أو تسليح بعض الفصائل المسلحة لتغذية حروب أهلية لصالح هذه الدولة أو تلك، وهى علاقات لا ترتبط بالشعوب الأفريقية فى الغالب، بل تتركز على العلاقات مع الأنظمة الحاكمة. وذلك لأن الشعوب الأفريقية فى غالبيتها لا تنظر لدولة الاحتلال الصهيونى نظرة احترام، بل تتخذ منها موقفاً عدائياً خاصة فى الدول الأفريقية ذات الغالبية المسلمة، وهى شعوب تتمسك بدعم الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، وأغلب هذه الدول قطع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل عقب عدوان يونيو 1967، ولم يعد فتح السفارات الإسرائيلية إلا فى العقود الأخيرة.
إسرائيل حاولت
فرض إرادتها بالترهيب والترغيب
ويقول القيادى بحركة فتح وأستاذ العلوم السياسية فى جامعة القدس دكتور جهاد الحرازين إن تعليق قرار الاتحاد الافريقى بمنح دولة الاحتلال صفة مراقب بالاتحاد الأفريقى يؤكد على موقف ثابت للمنظمة الدولية بالوقوف بجانب حقوق الشعوب التى عانت وتعانى من الاستعمار والاحتلال ورفضا للعنصرية وسياسة الابرتهايد الاسرائيلية، حيث كانت تأمل إسرائيل أن تنال صفة المراقب حتى تستطيع السيطرة على القرار الافريقى والتغلغل أكثر بداخل القارة الافريقية خاصة وأن لها امتدادات اقتصادية وتكنولوجية بالدول الافريقية، وكانت تسعى للحصول على غطاء سياسى، لكن انحياز الدول الأفريقية نتيجة للجهد الدبلوماسى العربى الكبير الذى بذل خلال المرحلة السابقة لكشف ممارسات دولة الاحتلال وجرائمها ضد الشعب الفلسطينى. فكان الاتجاه الافريقى العام نحو عدم البت فى قرار منحها العضوية بصفة مراقب رغم كل محاولات اسرائيل سواء بالترغيب أو الترهيب والابتزاز مع بعض الدول الافريقية، لكن ذلك تبخر أمام مواقف الدول العربية والافريقية، والتى أوصلت لدولة الاحتلال رسالة بأنها لن تستطيع تجميل وجهها القبيح، أو أن تضلل الشعوب بروايتها الكاذبة والخادعة.
وقف تغلغل
إسرائيل فى أفريقيا واجب عربي
وأضاف الحرازين أن القرار الذى اتخذه الاتحاد الأفريقى يحد من حالة التغلغل السياسى لإسرائيل بالقارة الأفريقية، لكن الدول العربية مطالبة بمجهود أكبر لوقف تغلغل دولة الاحتلال فى القارة بالمجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية وبيع السلاح، مع ايلاء القارة السمراء المزيد من الاهتمام الاقتصادى والتجارى العربى.
وأشار الحرازين إلى أن الموقف الأفريقى أحدث تأثيرا إيجابيا على الداخل الفلسطيني، وكشف حجم الانحياز الايجابى لصالح القضية الفلسطينية والوقوف بجانب الشعب الفلسطينى فى المحافل الدولية بما يشكل قوة فاعلة خاصة فى المؤسسات الدولية وتشكيل حالة من الضغط على اسرائيل لانهاء احتلالها للارض الفلسطينية.
وشدد الحرازين على ضرورة مواصلة الجهود وتمتين العلاقات السياسية والدبلوماسية العربية مع دول القارة الافريقية وتكثيف عمليات التبادل التجارى والثقافى والصناعى والتكنولوجى وزيادة المساهمات والاستثمارات بالدول الافريقية هذا من جانب، ومن جانب آخر مواصلة كشف الحقائق والجرائم التى ترتكبها دولة الاحتلال أمام المجتمع الدولى والدول الأفريقية خاصة أن دولة الاحتلال تحاول دائما الاختباء والتخفى بثوب الديمقراطية وحقوق الإنسان وهى الدولة الأكثر ممارسة للدكتاتورية والفصل العنصرى والابرتهايد فى العالم، مما سيؤدى إلى حالة من النفور من هذه الدولة المحتلة وإجهاض محاولاتها للتدخل فى المنظومة السياسية والاقتصادية لدول الاتحاد الأفريقى خاصة وأننا نتحدث عن ٥٤ دولة أى ما يقارب ثلث المجموعة الدولية مع ضرورة مواصلة الجهود الدبلوماسية على المستوى الدولى والعمل على إعادة إدراج الحركة الصهيونية كحركة عنصرية فى الأمم المتحدة وخاصة بعد تقرير منظمة العفو الدولية الذى أكد بأن دولة الاحتلال هى دولة نظام فصل عنصرى.
مكافأة لمن لا
يستحق
ويقول الكاتب والباحث فى الشئون الإسرائيلية دكتور خالد سعيد إن موافقة بعض الدول الأفريقية على منح الاتحاد الأفريقى لإسرائيل صفة المراقب هو مكافأة غير مستحقة، وذلك بسبب سلوك دولة الاحتلال غير الإنسانى تجاه الشعب الفلسطينى، وانتهاجها سياسة التمييز العرقى ، وهى مسألة حساسة بالنسبة للشعوب الأفريقية لأنها أكثر الشعوب التى عانت من هذه المأساة.
وأضاف سعيد أن الاتحاد الأفريقى له مواقفه المشهودة فى دعم القضية الفلسطينية، وكانت أصوات الدول الأفريقية دائماً تنحاز للحقوق العربية فى هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة. حتى أن إسرائيل فى مرحلة من المراحل لم يكن لها سفارة مفتوحة سوى فى جنوب أفريقيا، خلال حكم نظام التمييز العنصرى البائد.
وأشار سعيد إلى أن إسرائيل تحاول كسب نقطة رمزية هى وجودها فى قمة العمل الأفريقى المشترك، وهو الاتحاد الأفريقى، ورفض أو تعليق هذا القرار لن يؤثر كثيرا – للأسف- فى مسار علاقات إسرائيل بالدول الأفريقية، خاصة وأن الكيان الصهيونى يعتمد سياسة العلاقات الثنائية، بل وتقتصر علاقاته السياسية والاقتصادية والأمنية مع حكومات أفريقية فحسب، وفى بعض الحالات تقتصر علاقات إسرائيل بقمة الحكم بالدول الأفريقية. وهى علاقات تتركز على قضايا الأمن والتسليح وتبادل المعلومات، ونادراً ما تسعى إسرائيل للتعامل فى مجالات مثل الرى والزراعة ويحدث ذلك فى دول لا يمثل المسلمون غالبية سكانها، لأن إسرائيل لا تحظى بقبول شعبى فى الدول الإسلامية.
إسرائيل تتعامل
مع أفريقيا بمنطق “تاجر السلاح”
ولفت سعيد إلى أن إسرائيل رغم نشاطها ووجودها المكثف فى أفريقيا إلا أنها لم تنقل للدول الأفريقية خبراتها فى التنمية الزراعية، أو فى علوم الهاى تكنولوجى وتقتصر علاقاتها الاقتصادية على عمليات تصدير السلاح أو تبادل الخبرات الأمنية، وهذا العلاقات دفعت إسرائيل إلى المطالبة بالحصول على صفة مراقب فى الاتحاد الأفريقى وساندتها بعض الدول لكن الدول العربية والإسلامية ومعها ناميبيا وجنوب أفريقيا نجحت فى عرقلة هذه الجهود وهو ما أصاب دوائر الحكم فى إسرائيل بالصدمة.
وأوضح سعيد أن الرأى العام الإسرائيلى لم ينتبه كثيرا إلى هزيمة إسرائيل الدبلوماسية فى الاتحاد الأفريقى، وذلك لأن الشارع الإسرائيلى يركز اهتمامه على قضية الصراع الروسى الأوكرانى واحتمالات نشوب حرب تلقى بظلالها اقتصادياً وسياسياً على دولة الاحتلال، وعلى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى واحتمالات أن تتسبب هذه الحرب المحتملة فى اشتعال الأوضاع فى الشرق الأوسط.
ولفت سعيد إلى أن انقسام دول الاتحاد الأفريقى حول مدى استمرارية إسرائيل بصفة مراقب صورة من مدى نجاح إسرائيل فى اختراق الدول الأفريقية، وهو ما يلزمنا كمصريين وعرب أن نوطد ونعزز علاقتنا بدول القارة السمراء، كما كانت لنا علاقات ممتازة بهذه الدول إبان فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
#جهاد #الحرازين #وقف #تغلغل #إسرائيل #فى #أفريقيا #واجب #عربي
تابعوا Tunisactus على Google News