جهاز “الموساد”.. ذراع إسرائيل الطويلة التي تعمل من دون رادع
رغم تعدد مهماته، تعد سياسة الاغتيالات والتصفية الجسدية، المهمة الأبرز التي يُكلَّف بها “الموساد” منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي حتى اليوم.
أعاد اغتيال الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بقلب الضاحية الجنوبية في بيروت، في الثالث من يناير/كانون الثاني الحالي، إلى الأذهان العمليات الخاصة وسلسلة الاغتيالات التي نفّذها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي “الموساد”، ضد قادة وعلماء فلسطينيين عرب وإيرانيين وغربيين، خلال عقود طويلة من الصراع، وفي عواصم عربية وأوروبية مختلفة.الذراع الطويلة خارج إسرائيلتختزل عبارة “أن ترى ما لا يُرى، وأن تقوم بما لا يمكن القيام به” التي وضعها جهاز المعلومات والعمليات الخاصة الذي يُعرف عالمياً باسم “الموساد” على موقعه الرسمي، الطبيعة الخاصة والسرية للمهمات التي تولّى تنفيذها منذ تأسيسه عام 1949، أي بعد عام واحد من إنشاء دولة إسرائيل.يعد الموساد واحداً من أجهزة الاستخبارات والتجسس الإسرائيلية، وهو يتبع مكتب رئيس الوزراء مباشرةً، ويُعد جزءاً من منظومة الأمن المكلَّفة جمع المعلومات وتنفيذ مهمات سرية وخاصة ضد أفراد ومؤسسات ومنشآت عسكرية ومدنية تشكل “تهديداً” أو يُعدّ المس بها حيوياً لأمن إسرائيل، خارج حدودها.عُدّ “الموساد” الذراع الطويلة والسرية القادرة على الوصول إلى أي مكان في العالم، وتنفيذ مهمات خاصة لم تقتصر على الاغتيالات، إذ نجح في تهريب أرشيف بمئات آلاف الوثائق من إيران في 2018، وهي عملية اعترف بها نتنياهو، بالإضافة إلى عمليات متنوعة نُسبت إليه؛ مثل تفجير منشآت نووية إيرانية، والحصول على معلومات وخطف مجرمي حرب ألمان وإحضارهم للمحاكمة في إسرائيل مثل المسؤول النازي أدولف أيخمان.رغم تعدد مهماته، تعد سياسة الاغتيالات والتصفية الجسدية، المهمة الأبرز التي يُكلَّف بها “الموساد” منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي حتى اليوم.تاريخ من الاغتيالاترغم سياسته في عدم تبني أو الاعتراف بالعمليات التي ينفذها، والطبيعة السرية، وتعمّد الغموض والضبابية في نشاطه، فإن عشرات عمليات الاغتيال نُسبت إلى “الموساد”.جزء كبير من هذه العمليات كشف عنها بعد فترة من خلال تصريحات ضباط وقادة سابقين في الجهاز، أو من خلال برامج وثائقية، أو الكشف عن الأرشيف، أو تلميحات قادة إسرائيليين، أو من خلال تسريبات لصحف غربية، أو الاستدلال عليها من خلال هوية المستهدف والجهة المستفيدة من إزاحته عن مسرح الأحداث.بدأت سياسة الاغتيالات في الخمسينيات من القرن الماضي، وكان ضحيتها ضابطان مصريان عملا على تدريب وتأهيل طلائع المقاتلين الفلسطينيين (الفدائيين)، تلتها عملية إرسال مظاريف مفخَّخة لعلماء ألمان كانوا يعملون على تطوير منظومة صواريخ مصرية في الستينيات.بعد انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، أصبح قادتها وممثلوها في العالم هدفاً للموساد، وجرت ملاحقتهم وتصفية كثير منهم في عواصم أوروبية وعربية، في حرب سرّية جرت في الظل وامتدت لعقود.بين الانتقام والردعوجّهت إسرائيل سلاح الاغتيال لتحقيق هدفين رئيسيين، هما العقاب والردع وتغييب شخصيات قيادية يشكل دورها ووجودها (خطراً) على أمن إسرائيل حاضراً ومستقبلاً، والانتقام على أفعال حدثت في الماضي.يمكن الاستشهاد بعشرات الحالات التي استهدفتها سياسة الاغتيال التي نفّذها “الموساد”، وأبرزها اغتيال القيادي الفلسطيني البارز خليل الوزير (أبو جهاد) وهو الشخصية رقم 2 في حركة فتح ومنظمة التحرير عام 1988 في تونس، للتأثير في أحداث الانتفاضة الشعبية التي شهدتها الأراضي المحتلة، إذ عُدَّ مهندسها. كذلك اغتيال أمناء عامّين وقادة بارزين في فصائل مقاومة عربية وفلسطينية، مثل عباس موسوي، أمين عام حزب الله اللبناني، وفتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، والشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، وأبو علي مصطفى، أمين عام الجبهة الشعبية.ومن أبرز عمليات الانتقام التي نفّذها الموساد عملية “غضب الآلهة”، وهي أكبر عملية انتقام نفّذها الموساد واستهدفت منظمة “أيلول الأسود” الفدائية الفلسطينية، التي نفّذت عملية خطف واحتجاز رياضيين إسرائيليين على الأراضي الألمانية في ميونيخ في دورة الألعاب الأولمبية عام 1973.وطلبت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، من رئيس الموساد تسفي زامير، ملاحقة وقتل كل من شارك أو تورط في عملية احتجاز الرهائن، وهي عملية ملاحقة استمرت قرابة عقدين (1992)، إذ جرت تصفيتهم جميعاً.بين النجاح والفشل رغم الصورة المبهرة والأداء الأقرب إلى الخيال واتساع مسرح عمليات “الموساد” في كل القارات، فإن عمليات “الموساد” لا تعد كلها قصة نجاح، أو أنها أدت إلى نتائج إيجابية؛ فهناك عمليات اغتيال أدت إلى ردود فعل كلّفت إسرائيل ثمناً كبيراً، وجرت خلفها سلسلة عمليات صعبة وموجعة، كما أن الشخص الذي حل مكان الشخصية التي جرى اغتيالها، قاد خطاً أكثر تشدداً وتطرفاً وعدوانية ضدّ إسرائيل، كما حدث في اغتيال أمين عام حزب الله عباس موسوي، الذي خلَفه حسن نصر الله الذي حوّل التنظيم من بسيط وشعبي إلى تنظيم عسكري يتمتع بقوة هائلة.الأمر نفسه تكرر مع اغتيال فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، وفي كلتا الحالتين تبع الاغتيال عمليات انتقام صعبة داخل إسرائيل وضد أهداف يهودية في العالم خلّفت عشرات القتلى.قاد فشل بعض عمليات “الموساد” إلى تداعيات دبلوماسية خطيرة، مثلما حدث عند محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الأردن خالد مشعل، عام 1996، واعتقال المنفذين واضطرار إسرائيل إلى إطلاق سراح مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، وإنقاذ حياة مشعل (بإعطائه مصلاً مضاداً) وتقديم اعتذار للأردن، لإنهاء الأزمة الدبلوماسية معها.تعددت الوسائل التي لجأ إليها “الموساد” في ملاحقة وتصفية الشخصيات التي يستهدفها، والتي تراوحت بين القتل المباشر بالرصاص والتصفية الجسدية، ورش السم على الجسد كما في حالة خالد مشعل في الأردن، أو وضع السم في الطعام (شوكولاته) كما في حالة وديع حداد القيادي العسكري في الجبهة الشعبية، الذي يقف خلف عمليات خطف طائرات وتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية (1978)، وإرسال مظاريف مفخخة، أو عبر الاستهداف بالطائرات والقصف كما في حالات عباس موسوي وصالح العاروري، أو من خلال تفخيخ الشقة أو السيارة كما في حالة أهم شخصية عسكرية في حزب الله اللبناني عماد مغنية (دمشق 2008)، وغيرها من الوسائل الغامضة.الاغتيالات: جدل قانونييعد مسرح عمليات الاغتيال التي ينفذها “الموساد”، هو حدود دول أخرى لها سيادتها وقوانينها الوطنية، وهو ما يجعل مجرد الإقدام عليها انتهاكاً لسيادة وقوانين هذه الدول، وتعريض شعوبها للخطر، وذلك بشكل مباشر أو جراء ردات الفعل والصراع على أراضيها. يَستخدم “الموساد” من أجل التخفي والتستر على عملياته، جوازات سفر مزورة، كما كشفت عن ذلك عملية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010، التي استُخدمت فيها جوازات سفر لأسماء وشخصيات من دول متعددة، وهذا يعد خرقاً لقوانين هذه الدول.بخلاف خرق القوانين المحلية وسيادة الدول، “تعد عمليات الاغتيال إعداماً خارج نطاق القانون ومن دون محاكمة”، وهي “جريمة حرب”، وفق ما يرى الباحث ومدير مركز المسار للدراسات نهاد أبو غوش.ويوضح أبو غوش لـTRT عربي، أن “إسرائيل أعطت نفسها الحق أن تكون الحكم والجلاد، وأن تتصرف بحرية خارج حدودها من دون أدنى ضوابط قانونية أو احترام لقوانين الحرب وسيادة الدول وسلامة مواطنيها على أراضيها بعد أن حولتها إلى ساحة مواجهة بذريعة محاربة الإرهاب”.رغم عمره المتزامن مع عمر دولة إسرائيل، فإن جهاز “الموساد” لم يجرِ تنظيم عمله وضبطه في قانون خاص به، وما زال يعمل حتى اللحظة وفق توجهات ولوائح حكومية تخضع لسياسة رئيس الحكومة ومكتبه مباشرة.ويختلف حقوقيون إسرائيليون في آرائهم حول أهمية وضرورة وجود قانون خاص بـ”الموساد”، إذ يرى البعض أن طبيعة عمله السرية التي يكون مسرحها خارج حدود الدولة، تتنافى مع الضوابط القانونية التي قد تحدّ من قدرته على الحركة، فيما يرى آخرون أن قوانين الحرب والأطر القانونية مهمة لإضفاء مشروعية على نشاطه.يفسر القاضي السابق في المحكمة العليا الإسرائيلية والمستشار القانوني السابق للحكومة الإسرائيلية يتسحاق زامير، سبب عدم وجود قانون يضبط عمل جهاز “الموساد” بقوله إن “ذلك يمنح الأجهزة السرية حرية عمل أكبر من دون رقابة أو ضوابط”.وهو ما يؤكده البروفيسور القانوني يورام رابين، إذ يرى “أن القوانين غير مرنة بما يكفي لاحتواء الطبيعة المعقدة والمهمات غير المتوقعة والخاصة بطبيعة عمل أجهزة الأمن السرية”.بدوره، يرفض أبو غوش هذه الادعاءات، معتبراً أن “قوانين الحرب وسيادة الدول وحقوق الإنسان ليست اختيارية ولا يجوز أن يجري التعامل معها بانتقائية، كونها تشكّل الناظم للعلاقات بين البشر والدول على قدم المساواة حتى في فترات الحروب والطوارئ، وهي تكتسب أهمية خاصة، في حالات العمل السري الملازم لعمل أجهزة الاستخبارات”.
TRT عربي
#جهاز #الموساد. #ذراع #إسرائيل #الطويلة #التي #تعمل #من #دون #رادع
تابعوا Tunisactus على Google News