جون كيري في مذكراته.. كيف تعاملت إدارة أوباما مع ملفات أفغانستان والعراق وفلسطين وسوريا؟
محمد عبدالرحمن عريف
هو جون فوربس كيري (من مواليد 11 ديسمبر 1943) هو سياسي أمريكي شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة الثامن والستين من عام 2013 إلى عام 2017 و يشغل منصب ممثل الرئيس لشؤون المناخ في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من 21 يناير 2021 وهو ديمقراطي مثل سابقًا ولاية ماساتشوستس في مجلس الشيوخ الأمريكي في الفترة من 1985 إلى 2013. وكان المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية عام 2004، وخسر أمام الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش.
ولد كيري في مدينة أورورا في كولورادو ودرس في مدارس داخلية في ماساتشوستس ونيو هامبشاير. تخرج من جامعة ييل في عام 1966 مع تخصص في العلوم السياسية. انضم كيري إلى احتياط البحرية في عام 1966، وفي الفترة ما بين 1968 و1969، قام بجولة مختصرة مدتها أربعة أشهر في جنوب فيتنام بصفته ضابطًا مسؤولًا عن قارب سريع. ونال مقابل خدمته أوسمة قتالية تشمل الميدالية الفضية، ميدالية النجمة البرونزية، وثلاث من ميداليات القلب الأرجواني. عاد كيري إلى الولايات المتحدة وانضم إلى منظمة محاربي فيتنام ضد الحرب، حيث كان متحدثا عن المنظمة وكان معارضًا صريحًا لحرب فيتنام. وقد ظهر في جلسات استماع فولبرايت أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ حيث اعتبر سياسة الحرب الأمريكية في فيتنام هي السبب في ارتكاب جرائم الحرب هناك.
نال كيري درجة الدكتوراه من كلية القانون في جامعة بوسطن، وعمل كمساعد مدعي عام في ماساتشوستس. شغل منصب نائب الحاكم في عهد مايكل دوكاكيس من عام 1983 إلى 1985 وانتخب لمجلس الشيوخ الأمريكي في عام 1984 وأدى اليمين في يناير التالي. دخل كيري لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وقاد سلسلة من جلسات الاستماع في الفترة من 1987 إلى 1989 والتي كانت مقدمة لقضية إيران – كونترا. أعيد انتخاب كيري لفترات إضافية في أعوام 1990 و1996 و2002 و2008. في 11 أكتوبر 2002 صوت كيري على تفويض الرئيس “باستخدام القوة إذا لزم الأمر لنزع أسلحة صدام حسين”، لكنه نبه الإدارة بأنه يجب أن تستنفد كل وسائلها الدبلوماسية قبل شن الحرب.
نال كيري ترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004، وانتقد جورج دبليو بوش في سياسته في حرب العراق. وقد خسر هو وزميله جون إدواردز من كارولاينا الشمالية الانتخابات، حيث كان الفرق هو 35 صوتًا انتخابيًا خلف بوش ونائبه ديك تشيني. عاد كيري إلى مجلس الشيوخ وأصبح رئيس لجنة المجلس للأعمال التجارية الصغيرة وريادة الأعمال في عام 2007 ثم لجنة العلاقات الخارجية في عام 2009. في يناير 2013، تم ترشيح كيري من قبل الرئيس باراك أوباما ليخلف وزيرة الخارجية المنتهية ولايتها هيلاري كلينتون ثم وافق مجلس الشيوخ على القرار، وتولى مهامه رسميا في 1 فبراير 2013. احتفظ كيري بالمنصب حتى نهاية ولاية أوباما في 20 يناير 2017، وخلفه ريكس تيلرسون في المنصب.
النشأة
جده لأبيه جون كيري، هو فريدريك كيري (ولد فريتز كون) وهو من أصل نمساويي مجري. ولد في بلدة HORNI Benesov، وقيل انه نشأ في Modling (وهي بلدة صغيرة بالقرب من فيينا، النمسا). جدته من جهة الأب، هي إيدا لوي فيتون، ولدت في بودابست، في المجر. وكلا جديه من أصل يهودي، واعتنق فريتز وإيدا الكاثوليكية في عام 1901، غيرا اسمهما إلى كيري وتركا أوروبا في عام 1905. ولم يعرف جون كيري الهوية الحقيقية لجديه إلا في وقت لاحق. وربى فريدريك وزوجته أطفالهم، ريتشارد والد جون كيري بحسب التعاليم الكاثوليكية.
ولد جون كيري في أورورا، كولورادو، دخل ثانوية داخلية في ولاية ماساشوستس ونيو هامبشير. ثم تخرج من جامعة ييل عام 1966، تخصص العلوم السياسية. جند كيري في كاحتياطي في البحرية في عام 1966، وخلال 1968-1969 قام لمدة بمهمة عسكرية في جنوب فيتنام دامت اربع أشهر كان الضابط المسؤول (OIC) من قارب سريع. لهذه الخدمة، وقال انه حصل ميداليات القتالية التي تشمل النجم الفضي وسام، الميدالية البرونزية ستار، وثلاث ميداليات القلب الأرجواني.
تزوج كيري مرتين كلاهما من امرأة غنية، وزوجته الأولى هي جوليا ثورن من فلاديلفيا والتي كانت تعاني من اكتئاب وله منها ولدان وثلاثة أحفاد، وبعد انفصالهما عانى كيري من الفقر لسنوات، ثم في عام 1995 تزوج ثانية من تيريزا هاينز الأرملة التي توفي زوجها عضو مجلس الشيوخ جون هاينز في تحطم طائرة، وترك لها إمبراطورية الأغذية الشهيرة.
تخرج كيري في جامعة ييل عام 1966 وكلية بوسطن عام 1976 وخدم في البحرية الأميركية من عام 1966 إلى 1970 خلال حرب فيتنام. وعمل مساعدا للمدعي العام لمقاطعة مديل سيكي بولاية ماساتشوستس من 1977 إلى 1979 ثم محاميًا من 1979 ـ 1982. خاض كيري انتخابات مجلس النواب عام 1972 ولكنه لم يفز فيها، وانتخب بعد ذلك حاكمًا لماساتشوستس عام 1983 وانتخب في مجلس الشيوخ لأول مرة عام 1984 وأعيد انتخابه عامي 1990 و1996 وعمل من خلال منصبه على إصلاح التعليم العام والاهتمام بقضايا الأطفال وتعزيز الاقتصاد وتشجيع نمو اقتصاد التقنية المتقدمة وحماية البيئة وتقدم السياسة الخارجية الأمريكية حول العالم.
الترشح للانتخابات الرئاسية
فاز جون كيري على منافسيه في سلسلة التصويتات الأولية لاختيار منافس ديمقراطي أمام جورج دبليو بوش في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2004 وقد خسر أمام بوش في تلك الانتخابات. عينه اوباما وزيرًا للخارجية الأمريكية منذ 1 فبراير 2013. ثم أقر مجلس الشيوخ الأمريكي ترشيحه وزيراً للخارجية في 29 يناير 2013 ليخلف هيلاري كلينتون، أستلم المنصب رسمياً في 1 فبراير 2013.
عاش العالم لحظة تاريخية، مع وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة عام 2008، وقضى 8 سنوات داخل جدران البيت الأبيض عايش خلالها فترات عصيبة أحاطت بها الأزمات والصرعات. فقد كانت الإدارة الأميركية الجديدة في مواجهة الكثير من الملفات الساخنة التي خلفتها إدارة جورج بوش الابن، خاصة في ملفي العراق وأفغانستان، وسرعان ما زادت الأمور تعقيدًا بعد اندلاع الثورات في منطقة الشرق الأوسط، وتأزم المفاوضات آنذاك في الملف النووي الإيراني.
“كل يوم هو إضافة”
كانت وزارة الخارجية الأميركية منذ عام 2009 وحتى 2017، تدير مجموعة من القضايا الشائكة والمتناقضة التي ربما لم يسبق لأي إدارة أميركية أن تتعامل معها، لتأتي شهادات وزراء الخارجية الأميركية لتحكي الكثير مما كان يدور في هذه الفترة.
واحدة من هذه الشهادات، هي شهادة جون كيري وزير الخارجية الأميركي في الفترة الثانية لحكم أوباما، حيث حملت مذكراته عنوان “كل يوم هو إضافة”. وقدمت مذكّرات كيري، الكثير من تفاصيل إدارة الخارجية الأميركية للعديد من القضايا الدولية في فلسطين، وإيران، وسوريا، وكيف لعبت الدبلوماسية دورًا في عالم محفوف بالمخاطر والحروب.
فوفق ديفيد ميدنيكوف أستاذ العلوم السياسية بجامعة “ماساتشوستس”، تمكنت هذه الدبلوماسية من إيقاف إيران عن تطوير أسلحتها النووية بسرعة، والتي امتدت لفترة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
أما جون فوربس كيري، فهو أحد الضباط السابقين في سلاح البحرية الأميركي التي انضم لها عام 1966، وهو خريج كلية الحقوق الذي كان يرغب في مزاولة مهنة الصحافة قبل أن ينتهي به الحال متطوعًا في الجيش الأميركي، ومشاركًا في حرب فيتنام عام 1967 حتى أصبح واحدًا من أشد معارضيها. هذه المعارضة، فتحت له باب السياسة على مصراعيها ليصبح عضوًا في مجلس الشيوخ الأميركي عام 1984، ومرشحًا لرئاسة الولايات الأميركية عام 2004، ثم وزيرًا للخارجية منذ عام 2013 وحتى 2017. ولعب كيري دورًا رئيسيًا في العديد من ملفات الشرق الأوسط، لذا أفرد في مذكراته مساحة واسعة للحديث عن فترة ما قبل توليه منصب الخارجية، مفسرًا ومبررًا بعض قراراته.
دعم الحرب على أفغانستان والعراق
في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 يتخذ جون كيري موقفًا داعمًا لقرار الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن بشن الحرب على أفغانستان والعراق. ويعتبر كيري قرار الحرب على أفغانستان “ضرورة فرضها الواقع”. أمّا دعمه للحرب على العراق فقد اعتبره كيري من أسوأ مواقفه السياسية، بل واعترف بأنّ ذلك كان أكبر خطأ ارتكبه في الـ28 عامًا التي قضاها في مجلس الشيوخ الأميركي.
عن مواقف كيري في مذكّراته، يشير السفير الأميركي السابق في تونس غوردون غراي أن الوزير السابق “كان يعتقد أن بوش الابن سيعود إلى مجلس الشيوخ للحصول على إذن باستخدام القوة، لكنه لم يدرك أن الرئيس السابق كان عازمًا على متابعة الحرب في العراق بغض النظر عما إذا سيأخذ الإذن أو لا”. ويلفت غراي إلى أن الأمر الآخر الذي أشار إليه كيري في مذكّراته هو “أنه لم مدى ضعف المعلومات الاستخبارية حول سعي صدام حسين لامتلاك أسلحة دمار شامل”. ويوضح أن تلك المعلومات التي استندت إليها الإدارة الأميركية في حربها على العراق “قدمها أحمد الجلبي الذي لا يعتبر مصدرًا محايدًا لمثل هذه المعلومات”.
“طريق الشيطان”
في مذكّراته يفرد جون كيري مساحة من الحديث عن ملف السلام في الشرق الأوسط. وتحت عنوان “شرف المحاولة”، تحدث عن واقع السياسة الخارجية الأميركية في هذا الملف واصفًا إياها بـ”التحدي الدائم النابع من قلقه على أمن إسرائيل”. وكان جون كيري من الرافضين لسياسة الخطوة خطوة، ووصفها بأنها “طريق الشيطان”، لذا فكان الحل من وجهة نظره هو حل الدولتين الذي سيكون مقبولًا بعدما تراجعت القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط بعد عام 2011. وحلّ مكان انشغال الدول المعنية بالقضية الفلسطينية، بإيران بدلًا من إسرائيل، ويدلل كيري على ذلك بالاجتماع الذي حضره قبل أن يصبح وزيرًا للخارجية بدعوة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مدينة العقبة على الحدود الأردنية الإسرائيلية. كما كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في سبتمبر/ أيلول عام 2010، تحاول أن تكون طرفًا فاعلًا في حلّ الصراع الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنّ محاولاتها كانت تجابه بمعارضة قوية من إسرائيل. فعندما طالب أوباما في ولايته الأولى من رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتنياهو وقف بناء المستوطنات، لم تتوقف هواتف البيت الأبيض سواء من الصحافيين أو قادة المنظمات اليهودية والأميركية أو أعضاء الكونغرس والذين اتهموه جميعًا باستهداف إسرائيل. لذا عندما عرض عليه كيري عام 2013 إعادة تنشيط عملية السلام قال له أوباما: “أنظر يا جون، هذه مسألة صعبة وأنا متشكك من نجاحها، لكنّي سأدعمك”. وفي مارس/ آذار عام 2013، ألقى الرئيس أوباما خطابًا هامًا تحدث فيه عن إطلاق عملية تفاوض جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية.
ضحية الكذب الإسرائيلي
يحكي جون كيري في مذكّراته ما حدث في تلك الفترة بينه وبين الإسرائيليين، فيقول إنه التقى نتنياهو بعد هذا الخطاب، فنظر نتنياهو إلى عينه مباشرة وبحدة شديدة قال له: “يجب عليك أن تعرف أن كل الناس في هذه المنطقة يكذبون كما يتنفسون وعليك أن تفهم أن أقصى ما يمكنني فعله قد يكون أقل مما قد يقبله عباس”. لكنّ كيري لم يخطر بباله أن يكون هو ضحية الكذب، ليس من الفلسطينيين، ولكن من نتنياهو نفسه. واستمرت المفاوضات 9 أشهر حيث كان الملف الأمني هو الملف الذي يشغل الإسرائيليين، لذا اقترحت الولايات المتحدة أن تتواجد قوات مصرية وأردنية، بالإضافة إلى قوات أميركية على الحدود الأردنية للتدخل إذا احتاجت إسرائيل ذلك.
في مذكّراته، يقول كيري: “كانت تلك الخطوات مجتمعة جديرة بإيجاد أكثر الحدود أمانًا في العالم. خلال تلك الفترة كانت محادثاتنا مع الفلسطينيين حول التعاون الأمني محادثات بناءة، فقد وافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يلتزم إلى الأبد مشاركة إسرائيل في تنسيق أمني مشترك”، مضيفًا: “لكن لم يكن أحد يريد لهذا الصراع أنّ ينتهي.. خاصة إسرائيل التي رفضت الخروج من الضفة الغربية”.
“مبادئ كيري”
كما ذكر جون كيري في شهادته الصعوبات الكثيرة التي واجهته في إقناع الإسرائيليين للوصول إلى اتفاق، وأن الطرق التي سلكها في ذلك قد أغلقت واحدًا بعد الآخر، ولم يتبق أمامه إلا الجبهة الإقليمية وكانت هذه هي بطاقته الأخيرة التي ألقى بها على طاولة المفاوضات. فأطلقت الولايات المتحدة في نهاية عام 2016، مجموعة من المبادئ لاستئناف المفاوضات بين الطرفين حيث أطلق عليها “مبادئ كيري”.
في اقتباس من مذكرات كيري، كشف وزير الخارجية السابق: “عقدت اجتماعًا سريًا في العقبة في يناير/ كانون الثاني 2017 مع نتنياهو وملك الأردن والرئيس المصري وكانت لحظة مهمة حيث كانت الدول المهمة في العالم العربي مستعدة لقبول مطالب إسرائيل الأساسية بما فيها بالدولة اليهودية”.
بالرغم من ذلك، لم يكن نتنياهو سعيدًا بما وصل كيري إليه الذي قال إن هدف إسرائيل كان إعطاء الفلسطينيين “بعض الفتات في مقابل أن تدخل في مفاوضات مباشرة مع السعوديين ودول الخليج الأخرى من أجل التوصل إلى السلام”.
“الكاذب المستبد”
كذلك استعرض كيري في مذكّراته، مجهوداته الدبلوماسية في الملف السوري منتقدًا سياسة بوش، ومعتبرًا إياها أحد أسباب ما وصلت إليه سوريا اليوم، وذلك بسبب تبنيه “مسارات خشنة” في التعامل مع دمشق ما دفع بسوريا إلى أحضان إيران، وتحولها تدريجيًا إلى ما يشبه “برميل بارود ديمغرافي يصعب جدًا إعادة تجميع أجزائه إذا انفجر”.
يحكي كيري كواليس زيارته الأولى إلى دمشق عام 2009، والتي كان هدفها الأول معرفة نوايا سوريا فيما يخص السلام مع إسرائيل، فقدم خلال المذكّرات تحليلًا عن شخصية بشار الأسد الذي وصفه بـ”الكاذب المستبد”. ويدلل كيري على ذلك بالمناقشات التي تمت بينه وبين بشار، حول مسألة محطة الطاقة النووية السورية وتهريب السلاح إلى حزب الله اللبناني، فبالرغم من امتلاك الولايات المتحدة الأدلة على ذلك إلا أن رئيس النظام السوري كان مصرًا على الإنكار.
سوريا الجرح المفتوح
يأتي جون كيري للحديث عن سوريا التي يسميها “الجرح المفتوح” بعد أن أصبح وزير خارجية، وبعد قتل الأسد أكثر من مئة ألف في تلك الفترة، وفي 2011 قال باراك أوباما إن على الأسد التنازل عن السلطة. بعد ذلك رسم خطاً أحمر شهيراً وهو استخدام الأسلحة الكيميائية، لكن الأسد تجاوز ذلك الخط الأحمر. ويصف كيري في المذكرات مشهد أطفال سوريين تعرضوا للغازات السامة وقال إن بعض هؤلاء الأطفال من عمر أحفاده، ومع وصول الأخبار إلى كيري شعر بالغثيان والحنق من الأسد.
برغم أن كيري توجه إلى روسيا للقاء بوتين قبل ذلك عندما وصلت معلومات إلى الحكومة الأمريكية عن نية الأسد استخدام غاز السارين في بعض المناطق، قابل كيري بوتين، ويهمنا أن نرى وجهة نظر بوتين التي حكاها لكيري، والتي عبر فيها بوتين عن أسفه عن تخلي أمريكا عن الحكام في مصر وليبيا يقصد مبارك والقذافي، فهؤلاء برأي بوتين يمكن التعويل عليهم، وهناك موجة تطرف ظهرت في ليبيا بعد سقوط القذافي هكذا أخبر بوتين وزير الخارجية الأمريكي وأوضح له هذا ما يحدث عندما يسقط الحكام الأقوياء دون إعداد بديل، ثم يوضح كيري أنه “وجد بوتين متلوناً ويتهرب من النقاش حول مسألة انتقال السلطة في سوريا بحجة أن هذا ليس وقت إجراء هندسة اجتماعية في البلدان ذات السيادة وأنه يخشى من انهيار سوريا وسوء تصرفات الأسد”.
كان كيري يرى أن توجيه ضربات عسكرية للنظام رد مناسب وضروري على إطلاق الأسلحة الكيمياوية، وقد تفاءل كيري بتخيل أن هذه الضربات قد تفتح مساراً للتفاوض مع النظام، وتتشكل حكومة انتقالية تتكون من عناصر النظام الأكثر قبولاً مع جانب ممثلي المعارضة العلمانية. نقل كيري هذه الأفكار للبيت الأبيض في ثلاث ساعات ونصف في أحد الاجتماعات، واتفق الحضور على أن الرد بضربات عسكرية ضروري على تجاوزات الأسد، وقد دعم مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان لمشتركة وتشاك هاغل وزير الدفاع هذه المقترحات. كانت هناك حجج لبعض المعترضين منها أن تكرار نموذج ليبيا لم يكن نتيجته مرضية أو أن هناك قلقاً من تدفق اللاجئين للبلدان المجاورة.
لم يتوقع كيري ردة فعل أوباما، ويشرح كيف أن أوباما كان يطلب تحليلات شاملة للعواقب المحتملة على أي قرار سياسي، ثم يذكر كيري كيف انزعج أحد الموظفين في البيت الأبيض عندما قال كيري في أحد الاجتماعات إن إعلاننا دعم المعارضة وضرورة رحيل الأسد مع عدم تقديم دعم حقيقي لهذه المعارضة هو عبارة عن عجز. لكن العبارة لم تنجح في جعل الأدارة الأمريكية أكثر حماسة في ملف سوريا، وذلك بسبب أن الأمريكان تدخلوا كثيراً دولياً لكي لا يظهروا بمظهر العاجز والضعيف، وأتت إدارة أوباما وهي تشعر أن هذه الحجة لا يجوز أن تشكل ضغطاً على أي من قراراتها.
في الاجتماعات التالية اقترح مارتن ديمبسي إطلاق صواريخ توماهوك من المدمرات المنتشرة في البحر المتوسط على أهداف للنظام، علماً بأن البنتاغون كان قد جمع بالفعل قائمة بالأهداف المحتملة قبل أسابيع. في الاجتماعات التالية اقترح مارتن ديمبسي إطلاق صواريخ توماهوك من المدمرات المنتشرة في البحر المتوسط على أهداف للنظام، علماً بأن البنتاغون كان قد جمع بالفعل قائمة بالأهداف المحتملة قبل أسابيع تضمنت منشآت عسكرية. وكان الاجتماع التالي بحضور أوباما وتعثرت المناقاشات في هذا الاجتماع بسبب الذريعة القانونية للتدخل العسكري، كان الاستدلال بتجربة تدخل كلينتون في كوسوفو سابقة يمكن الاعتماد عليها، فأمريكا التي تعلم أن روسيا ستمارس حق الفيتو للاعتراض على أي قرار من مجلس الأمن، قد وجدت في مشروعية العمل الإنساني مهرباً من سؤال مجلس الأمن.
بدأ أوباما باقتراح إشراك الكونغرس في قضية سوريا، وأوضح كيري أنه لا يطلب تدخلًا عسكريًا وقصفا مستمرًا لشهور بل فقط ردًا سريعًا ومباغتًا يجعل الأسد يدرك عاقبة فعلته. ومما يذكره كيري أنه عندما تواصل مع الحكومات لحشد قرار بالضرب فقد دعم الأردن قرار التدخل وكذلك السعودية. ثم كانت محادثة روسيا التي يصفها كيري بالمحادثة العجيبة إذ اعترض سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، وادعى أن الثوار هم من قاموا بتجميع المواد الكيميائية واستخدامها لحشد التعاطف الدولي، ورد كيري بطلب السماح بلجنة دولية للتفتيش في تلك المناطق التي تعرضت للقصف، ورد الروس بالرفض.
كانت المكالمات مستمرة بين كيري ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الذي وعد أن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء ملتزم بالخطوات الأمريكية، لكن المفأجاة كانت طلب كاميرون من البرلمان البريطاني الموافقة على عمل عسكري، والذي توقع أن يحصل على الموافقة بسهولة لكن أحداث التدخل البريطاني في العراق كانت ماثلة في أذهان البرلمان وتم رفض المقترح بسبب تعاون بلير السابق مع بوش إبان حرب العراق والذي ألقى بظلاله على قرارات البرلمان، وأبلغ كاميرون الامريكان عن التزامه بقرار البرلمان.
مرت ثمانية أيام بعد الهجمات الكيماوية التي شنها النظام دون رد من المجتمع الدولي. شعر كيري بالقلق من تضييع الروس الوقت، وطلب الافصاح عن تقرير سري يتعلق بدور النظام في الهجوم ليطلع الرأي العام على ما قام به النظام السوري، لكن خطاب كولن باول القديم الذي يصفه كيري بالمخزي في مجلس الأمن بشأن وجود أسلحة دمار شامل في العراق كان ماثلاً في الأذهان واستخدمت الدعاية الروسية هذه الأحداث للقول إن معلومات الأمريكان خاطئة مثلما كانت خاطئة في العراق.
أجرى أوباما اتصالًا مع كيري ليخبره عن نيته طلب قرار من الكونجرس، لم يكن كيري يتوقع ذلك وعندها شعر بشخصية أوباما المترددة في الملف السوري وعن تغييره قناعاته فيها، توقعت سوزان ريس مستشارة الأمن القومي أن الكونجرس لن يوافق، ولن يمنح الجمهوريون أوباما أي تفويض للقيام بأي شيء، وكانت أحداث التدخل العسكري الأمريكي في العراق ماثلة في الأذهان وجعلت الكونجرس يخاف من التصويت على التدخل العسكري، وهناك بعض الأعضاء تبلدت أحاسيسهم تجاه ما يحدث في سوريا كما يقول كيري.
العجيب أن بعض المتظاهرين من منظمة كود بينك المناهضة للحرب كانوا يرفعون لافتات في جلسات الاستماع تحمل شعار “لا تقصفوا سوريا” و”لا تلطخوا أيديكم بالدماء” ويعلق كيري أن هذا ذكره بسنوات قضاها كناشط سياسي لكنه تساءل أين اللافتات التي تحمل صور الأطفال الذين ماتوا بسبب أسلحة الأسد؟ ألا يشعرون بالغضب من الأسد. تزامن ذلك مع وجود أوباما في سان بطرسبرج لحضور قمة مجموعة العشرين مع بوتين، قام الأخير بإقناع أوباما بأنه يمكن ضمان تأمين مخزون الأسلحة الكيماوية الموجودة لدى النظام ونقلها للخارج
توصل كيري مع لافروف لمناقشة التفاصيل التقنية بخصوص إخراج الأسلحة الكمياوية ونجد في الكتاب وصفا لشخصية وزير الخارجية الروسي فهو يتمتع بالذكاء والحذر واستخدام الحيل الذهنية او أساليب يحصل بها على نقاط على طاولة المفاوضات، من ضمن هذه التصرفات التي اعتبرها كيري فظة هو تجهيز الوفد الروسي الشنط عند باب الفندق للإيهام أنهم يتجهزون للرحيل دون الوصول إلى اتفاق، ورد كيري هل نضيع وقتنا هنا يا سيرغي؟ أم نحن بصدد اتفاق، وفشلت لعبة لافروف وأشعل سيجارته واستكملوا النقاش.
من المضحك أن النظام حاول أن يطلب بعض المعدات العسكرية بحجة استخدامها في نقل الأسلحة الكمياوية مثل مركبات لنقل الدبابات، وكانت المشكلة هي الحصول على دولة للقيام فيها بتدمير الأسلحة رفضت تركيا والأردن المشاركة في العملية، وافقت ألبانيا، ثم مع ضغط المتظاهرين تراجعت، ورفضت روسيا أن يتم ذلك على أرضها، وكان الحل هو التخلص منها في البحر عن طريق خبراء الأسلحة الكمياوية وهكذا تم التخلص من 1300 طن من الأسلحة الكيميائية. لم ينجح كيري في إقناع أوباما بتوجيه ضربات للنظام السوري. ويستكمل الكتاب الحديث عن ظهور داعش وبرغم قول كيري “أن الأسد هو مغناطيس جاذب للإرهاب”، قامت الإدارة الأمريكية بملاحقة داعش دون التوجه لسبب ظهور داعش نفسها، ذلك بعد حادثة مقتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي والتي قام بعدها أوباما بتوجيه ضربات لداعش، وقام كيري بالتنسيق مع الحكومات العربية للمشاركة في تحالف لضرب داعش. ثم ينتهي حديث كيري بذكر اجتماع جنيف الذي تضمن مناقشة إخلاء حلب ويقول “لم أشعر يوماً بالعبثة قدر شعوري ذلك اليوم”. ويذكر غضب السعودية من عدم توجيه أوباما ضربات لنظام الأسد، لكنها شاركت مع الدول العربية الآخرى في التحالف الدولي ضد داعش. يشرح كيري كل محاولاته التوصل إلى اتفاق مع روسيا للهدنة، وتواصله المستمر مع سيرغي لافروف ومدى كذبه هو وبوتين، ويذكر رده على لافروف في اجتماعات الأمم المتحدة بالقول “كيف يمكن للناس أن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات مع النظام الذي يقصف المستشفيات ويلقي بغاز الكلورين مرارا وتكرارا ومرارا وتكرارا، و يتصرف وكأنه سيفلت من العقاب؟”. ثم ينتهي حديث كيري بذكر اجتماع جنيف الذي تضمن مناقشة إخلاء حلب ويقول “لم أشعر يوماً بالعبثية قدر شعوري ذلك اليوم”. تنتهي شهادة كيري بأن الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنقاذ سوريا قد ماتت وأن الجرح مازال مفتوحاً.
السماح للقاتل بالإفلات من العقاب
صباح 21 أغسطس/ آب 2013، استيقظ العالم على حادث أليم حيث شنت قوات النظام على منطقة الغوطة شرقي دمشق هجومًا صاروخيًا بأسلحة كيميائية، تسبب في وفاة المئات بعد استنشاقهم الغازات السامة. حينها، كان موقف الإدارة الأميركية من هذه الأزمة “مرتبكًا”، فقد انتظر العالم الرد الأميركي على ممارسات يضعها الأميركيون في خانة المحظورات، إلا أن الرد الأميركي لم يأت.
في هذا الإطار، يرى السفير الأميركي السابق في تونس أن أحد الأخطاء التي ارتكبها أوباما هو عدم القيام بالإجراءات اللازمة ضد نظام الأسد، الذي أدين بهجماته الكيميائية ضد المدنيين، حيث سبق وحذر من أن استخدام هذا النوع من الأسلحة هو “خط أحمر” بالنسبة له، لكنه لم يتصرف وفقًا لذلك. وكشف كيري عن كواليس ما دار في هذه الأزمة، فيقول إن المناقشات داخل الإدارة الأميركية منذ اللحظات الأولى للهجوم، كانت تتجه نحو توجيه ضربة عسكرية ضد نظام الأسد. لكن مع مرور الوقت تحول الأمر للعبة سياسية، فمن ناحية ربط أوباما قراره بموافقة الكونغرس وهو ما لن يحدث بسبب الخلاف بين الجمهوريين وأوباما من جهة، بينما كان والديمقراطيون يريدون الابتعاد عن سيناريو العراق، خوفًا على شعبيتهم لدى الناخبين. على جانب آخر، كانت روسيا تدافع عن النظام السوري متهمة المعارضة بأنهم هم من خططوا لهذه المجزرة، وبعد أسابيع بدأ التفاوض بين كيري وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي حول تسليم النظام السوري أسلحته الكيميائية. فيسرد جون كيري أنه كان مجبرًا على التفاوض مع لافروف لساعات طويلة “ليس من أجل توجيه ضربة عسكرية، ولكن حول كيفية نقل الأسلحة الكيميائية والتخلص منها”. وهكذا استطاعت روسيا أن تمنع الولايات المتحدة من توجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، وحول هذا الأمر كتب كيري في مذكّراته: “يجب معاقبة القاتل وليس فقط تجريده من ترسانة أسلحته.. لقد رأت المعارضة السورية والبلدان التي تدعمها أن الأسد يفلت بجريمته”.
جون كيري ينتقد في مذكراته نتنياهو الذي أظهر ’قلة احترام’ و’حرّف’ الاتفاق مع إيران
قال كيري، إن نتنياهو انخرط في “خروج تام عن البروتوكول والتقاليد” عندما قبل بدعوة رئيس مجلس النواب حينذاك، جون بينر، له لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونغرس لمهاجمة المفاوضات النووية التي كانت جارية في حينها. والأكثر من ذلك، كما يضيف، هو استخدام رئيس الوزراء لهذه المنصة للتلاعب بمحتوى الاتفاق التاريخي (الذي كان في هذه المرحلة قيد التفاوض). وكتب كيري عن خطاب نتنياهو سيء السمعة في عام 2015 “لم يكن من المستغرب أن يقوم نتنياهو بتحريف الاتفاق بشكل فاضح. لقد ألقى كلمة مصاغة بعناية ولكن سياسية بحتة، وليس تحليلًا صادقًا لاستراتيجية حظر الانتشار النووي أو حجة موضوعية لكيفية جعل إسرائيل في الواقع أكثر أمنا من دون اتفاق”. ويضيف كيري، “لكن مجددًا، أدرك الجميع أن الخطاب كان موجها للعواطف – خطبة طويلة عاطفية محسوبة لحشد مؤيديه في الولايات المتحدة وتخويف أعضاء مجلس الشيوخ من المصادقة على الاتفاق”.
يصف السناتور المخضرم من مساتشوستس في مذكراته “Every Day Is Extra” المكونة من 584 صفحة، نشأته المتميزة، من دراسته في كلية “سانت بول” وجامعة “ييل” الراقيتين إلى خدمته العسكرية في فيتنام ونشاطه المناهض للحرب، ووصوله في نهاية المطاف إلى مسيرة طويلة في الخدمة العامة، بما في ذلك محاولة فاشلة في عام 2004 للفوز بالرئاسة. وتتناول آخر مئتي صفحة من الكتاب فترة تولية منصب كبير الدبلوماسيين في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، مع مقاطع مكدسة مخصصة لاثنتين من أهم أولوياته: تثبيت اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني والتوصل إلى اتفاق لكبح برنامج إيران النووي. في فقرة مثيرة للاهتمام، يشرح كيري كيف “فقد الثقة” بنتنياهو بعد قيام نتنياهو كما زعم بتسريب مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة “حماس” خلال حرب غزة في عام 2014 – والتي لاقت انتقادات شديدة في الحكومة الإسرائيلية – قام هو بنفسه (نتنياهو) بإدخال بعض المقترحات فيها. لكن علاقتهما ستزداد سوءا بعد عام من ذلك، مع اقتراب إدارة أوباما من التوصل بشق الأنفس إلى إبرام اتفاقية مع إيران.
يروي كيري عن لقاء جمعه مع سفير نتنياهو في واشنطن، رون ديرمر، في مكتبه في وازرة الخارجية في يناير من عام 2015، قبل يوم واحد من إعلان بينر عن أن رئيس الوزراء سيلقي كلمة أمام الكونغرس ضد المحادثات مع إيران. (لقد كان ديرمر هو من رتب الخطاب). وكتب كيري “لقد فوجئت. جلس رون في مكتبي في اليوم السابق وهو على علم بصدور هذا الإعلان ومن دون حتى أن يعطيني تنبيها ضمنيا بأنه يعمل مع رئيس مجلس النواب لترتيب زيارة كهذه. لقد تم خداعي، إلى جانب الرئيس وكل من في الإدارة”. في حين أن علاقة أوباما ونتنياهو كانت متوترة منذ البداية – فلقد جاءت العلامة الأولى على الاحتكاك بين الرجلين عندما أعطى نتنياهو محاضرة لأوباما في المكتب البيضاوي أمام الكاميرات حول دعوات الرئيس الأمريكي لإسرائيل بالعودة إلى حدود عام 1967 مع تبادل للأراضي -لكن كيري يقول إن الخطاب في الكونغرس دمر هذه العلاقة بشكل دائم.
يكتب كيري “كنت أعلم أن انعدام ثقة إسرائيل بقادة إيران كان عميقا – شاركنا جميعا هذا الشعور – ولكن في قبولها دعوة الجمهوريين في الكونغرس، كشف الحكومة الإسرائيلية عن عدم احترامها للرئيس أوباما (…) العلاقات بين الرئيسين لم تتعافى أبدا”.
في فصل في الكتاب مكون من 40 صفحة تحت عنوان “منع حرب”، يروي كيري الرحلة الطويلة التي قطعتها الولايات المتحدة لإبرام “خطة العمل الشاملة المشتركة “، التسمية الرسمية للاتفاق النووي مع إيران. في مرحلة معينة، يشرح كيري قرار الولايات المتحدة تغيير موقفها بشأن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم.
في بداية المحادثات، قال الممثلون الإيرانيون إنه يحق لهم قدرات تخصيب بصفتهم موقعين على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، كما يكتب كيري، لكنه وأوباما غيّرا رأيهما في نهاية المطاف باعتبار ذلك جزءا من الأساليب التفاوضية.
يكتب كيري “مع ترك ما إذا كان لإيران ’الحق’ في التخصيب جانبًا، في أعماقي أدركت أنه ما لم نبدي استعدادا لمناقشة احتمال استمرار إيران في التخصيب تحت قيود محددة بعناية، فليس هناك طريقة للحصول على صلاحية للوصول ومساءلة وشفافية وضبط النفس الضروري للتأكد من أن إيران لا تسعى إلى برنامج أسلحة. قد لا تكون هناك حتى طريقة لجلب إيران إلى الطاولة”. فأحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى تعديل موقفها حول المسألة هو أن القوى العالمية الأخرى المنخرطة في المفاوضات – بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين – قامت هي أيضا بتغيير مواقفها.
كتب كيري “لطالما كان موقف الولايات المتحدة أن أي تخصيب، مهما كان بسيطا، سيعني نهاية المفاوضات. لكن شركائنا في التفاوض من مجموعة 5+1 ابتعدوا عن هذا الموقف بالإجماع. لقد قرروا، خاصة بالنظر إلى ما تفعله دول أخرى، أنه يجب أن تتم مناقشة بعض التخصيب في المستقبل حتى يتعامل الإيرانيون مع أي مفاوضات بصورة جدية”. ويقول أيضا في الكتاب أن الإدارات السابقة اتخذت هذا الموقف مع الإيرانيين من وراء الأبواب، على الرغم من إصرارها على العكس أمام الرأي العام. ويضيف كيري “لقد علمت في محادثات خاصة أنه على الرغم من الموقف العام، فإن إدارة جورج دبليو بوش وافقت على هذا الموقف بهدوء وبصورة سرية، على الرغم من أنها لم تتفق حول ماهية المبنى أو المستويات التي قد يتم فيها ذلك”، ويضيف “في أعماقي، وافقت أنا أيضا. وكذلك، كما علمت، وافق الرئيس أوباما”.
نهاية رحلة التناقضات
في يناير/ كانون الثاني عام 2017، انتهت رحلة جون كيري في وزارة الخارجية الأميركية دون بصمة واضحة في السياسة العالمية، فلم تستطع الولايات المتحدة في عهده فرض سياسة خارجية قوية كعادة وزراء خارجيتها. فكانت سياسية التناقضات، هي العنوان الأبرز الذي خطّه جون كيري على حائط جدران وزارة الخارجية الأميركية.
#جون #كيري #في #مذكراته. #كيف #تعاملت #إدارة #أوباما #مع #ملفات #أفغانستان #والعراق #وفلسطين #وسوريا
تابعوا Tunisactus على Google News