حرب أوكرانيا تعمق “أزمة السميد” بتونس.. فهل تندلع “ثورة خبز”؟ | DW | 21.03.2022
يكافح التونسي محمد القماطي بشكل يومي لتأمين بعض الكيلوغرامات من مادة السميد (الطحين) حتى يستمر في العمل. وباتت هذه المهمة الشاقة بمثابة صداع يومي للآلاف مثل القماطي ممن يعملون باليومية في محلات السندويتشات الرخيصة التي تعرف في تونس بـ”الملاوي“.
ويعد رغيف “الملاوي” الرقيق الذي يعتمد أساسا على حشو من الجبن والهريسة والبيض، من الأكلات الشعبية الخفيفة والمحببة للتونسيين ومن بينهم خاصة ذوي الدخل المحدود والطلبة. ويقع محل القماطي على مقربة من ثلاث مؤسسات تعليمية من بينها مؤسسة جامعية خاصة، ويعتبر أغلب التلاميذ والطلبة في هذه المؤسسات زبائن منتظمين عنده.
ولكن مع تصاعد أزمة السميد شبه المفقود في الأسواق سيما بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا ، أصبح القماطي غير قادر على تأمين معدل الطلبات الاعتيادية لجميع زبائنه بل أنه يضطر في اغلب الأيام الى العمل بنصف الدوام لأنه لا يملك ما يكفي من مواد أولية، الأمر الذي بات يهدد فعليا مصير المحل ويلقي بتداعيات على وضعه العائلي.
اختفاء الدقيق والسميد
محل لبيع السندويتشات في العاصمة تونس
ويقول القماطي في قلق لـDW عربية “لم نكد نخرج من تداعيات كوفيد 19 حتى ظهرت أزمة السميد بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. أحاول أن أتدبر أمري اليوم ولا أعرف مصير الغد. السميد لا يكفي لكامل اليوم. يأتي اغلب الزبائن ولا يجدون الملاوي“.
يحاول القماطي الصمود أكثر ما يمكن أمام الأزمة ولكن يتعين عليه في كل الأحوال تأمين الإيجار الشهري للمحل وايجار المنزل علاوة على المصاريف اليومية لعائلته المكونة من زوجة وابن رضيع. ويضيف في يأس لـ DW “أنا الآن بصدد البحث عن عمل آخر. لا أعرف ما الذي قد يحصل لكن عليّ التفكير دائما في حل بديل“.
وعلى خلاف القماطي اضطر كثير من باعة “الملاوي” في الأحياء الشعبية مثل الحجة خديجة وسط حي التحرير الشعبي، الى عدم الانتظار أكثر والإسراع بالإغلاق لتفادي المزيد من الخسائر، فيما فضل آخرون التوقف مؤقتا ومراقبة إمكانية تحسن علميات التزويد أو مرور الأزمة على أمل انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
لكن الأزمة تحولت على مدى أسابيع إلى أمر واقع في أغلب أنحاء تونس وتنذر بالمزيد من الاضطراب في الأسواق ما قد يهدد “السلم الأهلي”، كما ورد ذلك في تحذيرات أطلقها رئيس الدولة نفسه قيس سعيّد ردا على تفشي الاحتكار والمضاربة بمادتي السميد والدقيق الحيويتين في المخابز والبيوت التونسية.
طابور أمام محل بيع الخبز بتونس
وفي بلد عرف تاريخيا باقتران الاضطرابات الاجتماعية بأسعار الخبز، فإن هذه المادة تعد خطا أحمر للسلطة والعائلة التونسية على حد سواء. وقد بدأت قوات الأمن في شن “حرب” أطلقها الرئيس قيس سعيّد على المضاربين ومخازن الاحتكار. ومكنت حملات منظمة من مصادرة أطنان من المواد الغذائية المدعمة ومن مادتي السميد والدقيق بشكل يومي غير أن الأزمة لا تزال في ذروتها.
وبينما تتكرر مشاهد الطوابير للحصول على الخبز فإن عدد من المخابز اضطرت الى التقليص من دورات الإنتاج بسبب تراجع مخزون الدقيق لديها. وتتكرر مشاهد التدافع يوميا في المساحات التجارية للحصول على الحد الأدنى من الدقيق لكن الكميات المحدودة سرعان ما تنفد في خلال دقائق.
“أزمة إدارة“
ويرجع محمد بوعنان رئيس غرفة المخابز هذا الاضطراب إلى “أزمة إدارة ” بالأساس وليس نقصا في المخزون، ويوضح لـDW عربية قائلا “المشكل يتعلق أولا بانتشار المخابز العشوائية التي أصبحت تزاحم المخابز المصنفة في مادة الدقيق المدعمة. هذه المخابز التي يفترض بها التخصص في صناعة المرطبات تحولت الى إنتاج الخبز بنفس المادة المدعمة“.
توجد تونس قرابة 3500 مخبزة مصنفة تحصل على حصتها من الدقيق المدعم، تضاف إليها حوالي 900 مخبزة أخرى غير مصنفة. وحسب تفسير بوعنان، فإن توزيع الدقيق المدعم على كل المخابز تسبب في إهدار جزء من المواد المدعمة بدليل أن المخابز العشوائية تتبقى لها كميات هامة من الخبز غير المباع ليذهب في الأخير إلى سلات المهملات، حسب قوله.
وعلى عكس مقاربة السلطة في احتواء الأزمة، فإن وزير المالية الأسبق والخبير في الاقتصاد الفاضل عبد الكافي يرى أن الحملة ضد الاحتكار لن تحل الأزمة لأنها ليست المشكل الحقيقي في تقديره.
ويرى عبد الكافي بأن المعضلة الأساسية هي ارتباط تونس الشديد بالأسواق الخارجية وبالإمدادات التي تخضع بدورها لتطورات الحرب في أوكرانيا، حيث تستورد تونس 23 مليون قنطار من جملة 33 مليون إجمالي حاجياتها من الحبوب، بينما 50 بالمئة من واردات تونس من القمح تأتي من أوكرانيا. ويضيف عبد الكافي أن الإشكال يكمن في القمح اللين، حيث تستورد تونس ما يقارب 90 بالمئة من حاجياتها من هذا النوع المخصص لصناعة الخبز.
وحسب الأرقام التي قدمها الوزير الأسبق فإن إجمالي احتياج تونس من القمح اللين يناهز 12 مليون قنطار لا تنتج منهم سوى مليون قنطار. وتبدو تداعيات الحرب أكبر على المالية العمومية التي تعاني أصلا من صعوبات، بسبب تضاعف كلفة الحبوب في الأسواق العالمية، إذ قدر عبد الكافي تضاعف الكلفة على الواردات التونسية لتصل الى 2 مليار دينار إضافية، وهو ما يعني زيادات متوقعة في أسعار العلف و الدواجن واللحوم وغيرها من المواد.
الطبقات الهشة في مرمى الأزمة
وعلى الرغم من تطمينات وزارة التجارة بشأن توفر المخزون الكافي من الحبوب والمواد الغذائية الأساسية في الأسواق تحسبا لشهر رمضان إلا أن آخر تقرير صادر عن البنك الدولي حول مراقبة التجارة، ذكر بأن بعض الدول ستكون أكثر عرضة الى اضطرابات في التزود بالقمح الأوكراني لا سيما تلك التي يصل فيها حجم الواردات من القمح الى 40 بالمئة أو أكثر. وتواجدت تونس في قائمة هذه الدول التي ذكرها البنك الى جانب دول عربية أخرى مثل لبنان وليبيا وجيبوتي.
ولا يخفي رئيس “منظمة الدفاع عن المستهلك” في تونس عمار ضية، مخاوفه من التداعيات المحتملة للحرب في أوكرانيا وزيادة الأسعار العالمية على الطبقات الضعيفة والمتوسطة في تونس.
ويشير ضية لـDW عربية “لقد وعدت الحكومة بأن لا تمس أسعار المواد الأساسية، غير أن ارتفاع أسعار المحروقات سيجر بالضرورة الى ارتفاع في الأسعار بعدة قطاعات أخرى. والإشكال أن المواد التي تشهد غلاء على أهميتها فهي مختفية من الأسواق“.
وتهدد الأزمة المستجدة بآثار قد تكون مدمرة لعدة قطاعات اجتماعية هشة في ظل وضع اقتصادي متدهور أصلا، وهو ما لفت إليه مرارا الاتحاد العام التونسي للشغل في اجتماعات عمالية منتقدا سياسات السلطة ومحذرا من انفجار اجتماعي وشيك.
وفي أحدث بيانات قدمها وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، فإن زهاء أربعة ملايين تونسي يعانون من الفقر من بين حوالي 12 مليون نسمة بينما يعيش مليون تونسي تحت خط الفقر.
ويوضح رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك “هناك إقرار اليوم بأن معدل دخل العائلة المقدر بما يتراوح بين 1500 وألفي دينار لم يعد يغطي شهرا كاملا بل فقط نصف شهر، ما يدفع اغلب العائلات التونسية الى التداين من أجل تأمين المعيشة“.
طارق القيزاني ـ تونس
#حرب #أوكرانيا #تعمق #أزمة #السميد #بتونس #فهل #تندلع #ثورة #خبز
تابعوا Tunisactus على Google News