حرب غزة: قصة أم تكافح من أجل إطعام رضيعها الذي ولد يوم السابع من أكتوبر – BBC News عربي
صدر الصورة، SUPPLIED17 مارس/ آذار 2024ستيفاني هيغارتيمراسلة شؤون السكانفي صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت أمل العبادلة تستلقي في فراشها مع صغيرها نوح البالغ من العمر 18 شهراً، قبل أيام من الموعد المفترض لولادة طفلها الثاني، عندما استيقظت بعد سماع دوي هائل.لقد شنت حماس هجومها على إسرائيل، وأطلقت آلاف الصواريخ عبر الحدود، فشنت المقاتلات النفاثة الإسرائيلية هجمات انتقامية بعد فترة وجيزة.وفي خان يونس، لم يكن لدى أمل أي فكرة عما يحدث. كانت قلقة ومذعورة، وبدأت تنزف بشدة إذ كانت في الشهر الثامن من الحمل. كان عليها أن تصل إلى المستشفى، لكن زوجها كان يعمل خارج غزة، في الضفة الغربية المحتلة، وكانت هي وحدها.وبعد انتظار دام 3 ساعات، لم يتمكن سائق عربة الأجرة من اصطحابها سوى لمسافة صغيرة من الطريق. كانت الشوارع مليئة بالناس الذين لا يعرفون ماذا يفعلون أو إلى أين يذهبون.وكانت طوال الوقت تنزف.وعندما وصلت أمل، وهي مهندسة معمارية، إلى المستشفى، خضعت على الفور لعملية قيصرية، أسفرت عن ولادة محمد في عالم تغير بشكل لا رجعة فيه.ومنذ ذلك الحين، تخوض والدته معركة يومية لإبقائه هو وشقيقه نوح، البالغ من العمر عامين، على قيد الحياة.كما هو الحال مع 90 في المئة من سكان غزة، لم تحصل أمل وعائلتها على غذاء صحي ومتوازن منذ أشهر. وتتفاقم المشكلة بشكل خاص في الشمال، حيث يواجه 90 في المئة من الأطفال و95 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات نقصاً حاداً في الغذاء.وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت منظمة الصحة العالمية، بعد زيارة المستشفيات هناك، إن الأطفال يموتون جوعا في شمال غزة.ولكن حتى في الجنوب، يعد العثور على حليب الأطفال بمثابة معاناة.معاناة من أجل الحصول على حليب الأطفالوفي العديد من حالات الطوارئ التي تستجيب لها الأمم المتحدة، يكون معدل الرضاعة الطبيعية في تلك المناطق مرتفعاً. ولكن في غزة، كما هو الحال في المملكة المتحدة، فإن حوالي نصف النساء فقط يقمن بإرضاع صغارهن رضاعة طبيعية بعد مرور 6 أسابيع على الولادة.صدر الصورة، GETTY IMAGESالتعليق على الصورة، يعتقد أن نحو 24 ألف طفل ولدوا في غزة خلال الحربوقد تمكنت أمل من إرضاع محمد لمدة شهر، لكنها وجدت بعد ذلك أنها لا تنتج ما يكفي من الحليب.وتقول: “كنت خائفة ومتوترة طوال الوقت لذلك لم يكن لدي حليب له، ولكن حاولت”.ومع تقدم الحرب، أصبح الأمر أكثر صعوبة. وشبكة المياه في غزة لا تعمل إلا بالكاد، وتعاني معظم الأمهات الجدد من الجفاف، مما يعيق قدرتهن على إنتاج الحليب.وتقول آنو ناياران من اليونيسف: “يحصل الناس على أقل من لترين من الماء يومياً، وهذا بالكاد يكفي للشرب، ناهيك عن الاستحمام”.ولا يدخل إلى غزة ما يكفي من حليب الأطفال ومن ثم لم يتبق سوى القليل منه في الأسواق. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة استجابت بإرسال مساعدات، إلا أن عدد الشاحنات التي تدخل غزة أقل بكثير مما كان عليه الوضع قبل اندلاع الحرب. وفي الوقت نفسه، فإن القتال يعني أن القوافل داخل غزة تتعرض للهجوم والنهب.وتنفي إسرائيل عرقلة دخول المساعدات إلى غزة وتلقي باللوم على وكالات الإغاثة على الأرض لفشلها في توزيع ما يتم إدخاله. لكن وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ قالت إن هناك مخزونات كبيرة من المواد الغذائية تنتظر الدخول إلى غزة “لكن لا سبيل لنقلها عبر الحدود إلى غزة وتسليمها على نطاق واسع دون تعاون إسرائيل، ونحن نناشد إسرائيل السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة الآن”.وبسبب نقص المياه النظيفة، تقوم اليونيسف بإرسال حليب أطفال مخلوط مسبقاً إلى غزة. إنه أكثر أمانًا للاستخدام، ولكن من الصعب نقله بكميات كبيرة.وبعد 3 أيام من تعافيها من ولادتها القيصرية، نزحت أمل للمرة الأولى، وأُجبرت على إخلاء منزل والدتها.وفي المرة الرابعة التي نزحت الأسرة فيها، غادروا ليلاً، قبل ساعتين من قصف المكان. وقالت: “لم أتمكن من أخذ الحليب والحفاضات معي لأنهم دمروا المبنى بأكمله”.صدر الصورة، AMAL ALABADLAالتعليق على الصورة، نوح، الذي يبلغ من العمر عامين تقريبًا، مصاب بالصرع لكن أمل لا تستطيع العثور على الدواء في غزةانتقلت أمل مع طفليها في البداية إلى رفح، معتقدة أن المكان سيكون أكثر أمانًا، لكنها عادت إلى منطقة خان يونس حيث لم تتمكن من العثور على الأشياء التي تحتاجها في رفح. ويعاني محمد من حساسية الألبان حيث يجعله حليب الأطفال العادي مريضا. وقد عثرت على علبة واحدة من تركيبة خالية من الألبان، لكن سعرها كان 40 دولارًا، أي عشرة أضعاف سعرها قبل الحرب.وبحلول منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، كانت الأسرة تعيش في قطعة أرض ذات شجيرات خارج خان يونس، ولم يبق لدى أمل من مخزون من حليب الأطفال سوى ما يكفي ليومين فقط. كان عمر محمد آنذاك 3 أشهر ولم يتمكن من تناول أي شيء آخر.وكتبت في رسالة نصية: “سأحفر الجبال لأوفر الطعام لطفلي”. وقد أرسلت أمل إخوتها للبحث في أنقاض المباني، لكنهم عادوا خالي الوفاض.فقررت الذهاب إلى رفح لتفتيش المحلات التجارية والأسواق مرة أخرى. وكانت هذه الرحلة تستغرق عادة 20 دقيقة فقط بالسيارة، ولكن القوات الإسرائيلية صارت نشطة على الطريق.وفي الطريق واجهوا ثلاث دبابات وقد أطلقت إحداها النار في اتجاههم بالقرب من السيارة، فرجع السائق إلى الخلف ولاذوا بالفرار. ومع شعورها بالذعر والرغبة العارمة في العودة إلى أطفالها، عادت دون العثور على أي حليب.طعام قليل وماء أقلاشتد القتال في خان يونس في شهر فبراير/شباط الماضي، وكان ضجيج الانفجارات صعباً بشكل خاص على نوح الذي يعاني من الصرع والقصف يجعل نوباته أسوأ. لقد نفد دواء الصرع الخاص به ولم تتمكن أمل من العثور عليه في أي مكان.والأسرة لديها القليل من الطعام ومياه أقل. كانت أمل تغلي الماء على النار لمحاولة تنظيفه. وقالت: “إن المياه لا تزال قذرة ولكني أبذل قصارى جهدي”.صدر الصورة، SUPPLIEDالتعليق على الصورة، كانت الأسرة تعيش في خيمة في منطقة المواصي الساحلية، ولكن في نهاية الأسبوع الماضي تعرضت المنطقة للقصف فاضطروا إلى النزوح مرة أخرىوقد ولد حوالي 24 ألف طفل في غزة منذ بداية هذه الحرب، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. ويواجه جميع سكان غزة أزمة الجوع، ولكن الخطر حاد بشكل خاص بالنسبة للأطفال الصغار.وتقول آنو ناياران من اليونيسف: “يمكن أن يمرض الأطفال بسرعة كبيرة حيث أن لديهم مخزونا أقل من الدهون والعضلات ويمكن أن يصل الأمر بسرعة إلى سوء التغذية الحاد”.وحتى عندما يتم علاجهم، تكون هناك عواقب طويلة المدى حيث يمكن أن يؤدي سوء التغذية إلى ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب وحتى السمنة في وقت لاحق من الحياة.ووجدت دراسة أجريت على البالغين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الذين عولجوا من سوء التغذية الحاد وهم أطفال، أن ذلك كان له تأثير طويل المدى على نموهم المعرفي، مما يؤثر سلبا على التحصيل التعليمي واحترام الذات.ولقد تخلت أمل عن إيجاد حليب الأطفال في الوقت الحالي. لكن محمد لم يعاني الجوع بعد فقد وجدت أمل أماً في نفس المنطقة ترضعه إلى جانب طفلها، وتدفع لها أمل مقابلا يتمثل في بعض ملابس الأطفال وقليل من المال.وكانوا يخيمون فوق منطقة من الرمال في منطقة المواصي الساحلية في خيام مصنوعة من الألواح الخشبية والمطاطية، ويأكلون الأطعمة المعلبة والخبز من الدقيق المتبرع به إذا تمكنوا من الحصول عليه، ويطبخون باستخدام الحطب. وقد تم تصنيف المواصي على أنها “منطقة إنسانية” من قبل الجيش الإسرائيلي في وقت سابق من الحرب.وحتى هذا الوضع لم يستمر طويلا. فقد تم تهجيرهم مرة أخرى عندما تعرض مخيمهم للهجوم. وتعرضت الخيمة المجاورة لخيمة أمل للقصف وقُتل 4 أشخاص.وكتبت في رسالة نصية “إنها معجزة أننا على قيد الحياة”.ومثل العديد من سكان غزة الآخرين، لجأت أمل الآن إلى التمويل الجماعي عبر الإنترنت لمحاولة جمع آلاف الدولارات التي ستحتاج أسرتها إلى دفعها للوسطاء كي يتم إدراج أسماءهم على قائمة الأشخاص الذين تمت الموافقة على مغادرتهم غزة إلى مصر حيث الأمان.وفي إحدى الأمسيات، نشرت أمل آخر صورة التقطتها لحياتها قبل الحرب، بتاريخ ليلة 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.صدر الصورة، SUPPLIEDالتعليق على الصورة، آخر صورة التقطتها أمل قبل اندلاع الحربكان نوح مستلقيًا على السجادة الناعمة، متكئًا على وسادة كبيرة، يشاهد الرسوم المتحركة في التلفزيون ويرضع حليب الأطفال من الزجاجة المخصصة لذلك وكان يركل ساقيه في الهواء تحت الوهج الناعم للأضواء الخيالية على جدار غرفة المعيشة.لقد نام مع والدته في تلك الليلة في عالم بعيد عن الغبار والأوساخ والوحشية التي تتسم بها حياتهم الآن.وقالت أمل: “أحاول أن أفعل ما هو ممكن، أنا فقط بحاجة لإنقاذ أطفالي من هذه الحرب المروعة”.
#حرب #غزة #قصة #أم #تكافح #من #أجل #إطعام #رضيعها #الذي #ولد #يوم #السابع #من #أكتوبر #BBC #News #عربي
تابعوا Tunisactus على Google News