حرفيون في تونس يتوقفون عن عزف سمفونية النحاس |
ويعد لطفي محظوظا هذا اليوم مع قدوم زبون إلى الورشة. ويتعين عليه الانتهاء بسرعة من نقش خارطة تونس وعلم البلاد على الصحن قبل تسليمه إليه.
يقول لطفي “عندما كان الوضع مستقرا ويأتينا السياح من كل العالم كنت أجني أكثر من ألف دينار. وفي خلال أسبوع قد أحصل على 400 دينار ما يعادل 145 دولارا أميركيا، لكن اليوم سأكون محظوظا لو جمعت 60 دينارا (21 دولارا) في الأسبوع”.
ويضيف دون أن يحيد بتركيزه عن الصحن النحاسي “نحن على الحافة. نعاني من هذا الوضع منذ سنوات. والأزمة متراكمة بدءا بالضربات الإرهابية ولكن زاد الوضع تعقيدا مع تفشي فايروس كورونا”.
ويشير لطفي المحاط بالسلع المكدسة في محله إلى أنه سيحتاج إلى خمس سنوات لخلاص ديونه المتراكمة.
وفي ذروة الموسم السياحي في سنوات الاستقرار تجتذب القطع النحاسية بألوانها الذهبية والفضية والنقش على واجهاتها انتباه أغلب الوفود السياحية التي تزور المدينة.
ويختلف الضرب على النحاس عن تقنية الحفر وهناك إجمالا أكثر من عشرة اختصاصات في التعامل الحرفي مع النحاس. ومن الواضح أن الحرفة استفادت بشكل كبير من التأثيرات الشرقية القادمة من تركيا والشام والعراق.
ويروي لطفي أن الحرفيين يقدمون أعمالا يدوية تلقى قبولا واسعا عند الزائرين والسياح لتقديمها كهدايا والاحتفاظ بها كتذكار عن زيارتهم لتونس. لكن عدد الحرفيين بدأ يتناقص بشكل حاد في السوق.
ويقول حرفي ستيني على بعد أمتار من ورشة لطفي “هذه حرفة تحتاج إلى الصبر والكفاح وهذا الأمر لا يتوافق مع الجيل الجديد من الحرفيين”.
ويضيف الرجل “ثمة عنصر مهم هو الموهبة والذوق الفني. تصقل الموهبة بمرور الوقت وبالتسلح بالصبر”.
ولكن الصبر قد لا يكون متاحا لدى الجميع، فقد أصابت الأزمة الصحية القطاع السياحي المنهار في مقتل، ولم تساعد المنح الصغيرة التي قدمتها الحكومة لصغار الحرفيين على الاستمرار في فترات الحجر الصحي. وفضل كثير منهم الإغلاق المؤقت والانتظار على أمل انفراج قريب للأزمة.
وكثيرون منهم هاجروا السوق وذهبوا إلى أعمال أخرى أو غادروا البلاد مثلما تشير إلى ذلك المحلات المهجورة. ويقول تجار إن عددا من الحرفيين باتوا ملاحقين قضائيا بسبب الديون.
وقال الشيخ الستيني “لم تبد الدولة اهتماما بحماية الحرفيين المهددين بالإفلاس. كثيرون غادروا للبحث عن لقمة العيش في مكان آخر ولا يتوقع عودتهم ثانية إلى النقش على النحاس. لقد تعبوا”.
ولا تقتصر متاعب القطاع على الأزمة الاقتصادية وحدها، فالنحاس لم يعد ذا أولوية في بيوت التونسيين كما كان الأمر في الماضي. كما لا يستهوي العدد القليل من السياح القادمين من روسيا ودول شرق أوروبا اقتناء مثل هذه الهدايا المترفة، وفق ما يقوله التجار والحرفيون.
وثمة عامل آخر مهم يرتبط بأسعار الأواني النحاسية، إذ أن ارتفاع أثمانها بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وغلاء مادة النحاس والمواد الأولية الأخرى أدى إلى تراجع الإقبال عليها محليا بسبب تضرر القدرة الشرائية للتونسيين.
وحلت محل تلك المنتجات قطع عصرية رخيصة مصنعة من مواد أخرى مثل البلاستيك، وهو ما أدى إلى ركود المنتجات النحاسية التي فقدت قاعدتها الأساسية المتمثلة في السياح القادمين من الأسواق التقليدية في غرب أوروبا بسبب تعطل الرحلات الدولية نتيجة الجائحة.
ومن جهة ثانية، يشكو الحرفيون من بروز القطع النحاسية المزيفة وانتشار المواد الأولية المغشوشة في ظل احتكار المواد ذات الجودة من قبل بعض التجار والمضاربين المتطفلين على القطاع.
وبسبب تدني هامش الربح إلى الحد الأدنى، لا يجد التجار مفرا من استيراد منتجات نحاسية رخيصة الثمن من الخارج بالرغم من رداءتها.
لكن لطفي ومثل الكثير من الحرفيين في المدينة العتيقة لا يعفي السلطة والسياسيين من مسؤولية تدهور الأوضاع إلى هذا المستوى غير المسبوق. ويعلق على هذا قائلا “لقد فشلوا في إدارة الأزمة الصحية وفي السياسة الخارجية لكن أتوقع الأفضل. ليس لدي خيار آخر… لن أترك المهنة. هذا عالمي”.
ويتابع لطفي متفائلا “إذا زال الوباء سينتعش الوضع تدريجيا ومع تولي الرئيس سعيد زمام الأمور نتطلع إلى تغير الأوضاع وإلى مستقبل أفضل”.
ويستدرك“إذا عادت الطبقة السياسية السابقة فلن يتغير شيء. ليس لدي انتماء سياسي ولكن هؤلاء تسببوا في وضع كارثي وفي تدمير الاقتصاد . لقد تسببوا في إفقارنا حد الخصاصة”.
#حرفيون #في #تونس #يتوقفون #عن #عزف #سمفونية #النحاس
تابعوا Tunisactus على Google News