حركة النهضة تخطط لمقايضة تلتفّ بها على جوهر الأزمة في تونس | الجمعي قاسمي
تونس- لا تترك المؤشرات المصاحبة للمعركة المُحتدمة بين الرئاسات الثلاث في تونس، وما رافقها من صراع مكشوف بين الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة الإسلامية، المجال للشك بحجم المأزق الذي دخلته البلاد على مختلف الأصعدة، وسط تزايد اتساع الهوة بين مقاربات أبرز الفاعلين السياسيين.
وتشي تلك المؤشرات وما يتصل بها من تفاصيل مُلحقة بأن ما تظهره المنابر الإعلامية من مواقف سياسية يبقى مختلفا إلى حد كبير عما يدور في الكواليس من لقاءات ثنائية وثلاثية وحتى رباعية بين الأحزاب والكتل البرلمانية، وكذلك أيضا المنظمات الوطنية بحثا عن مخرج للأزمة يحفظ ماء وجه الجميع.
وتقول مصادر سياسية لـ”العرب”، إن العنوان الأبرز المطروح في تلك اللقاءات التي تتم بعيدا عن الأضواء هو مُحاولة بلورة مقاربة جديدة تعيد اصطفاف المواقف على أساس ترحيل الخلافات الراهنة بين الأحزاب والكتل البرلمانية التي تنتمي إلى “الخط الثوري” دون الإخلال بالثوابت في خطوطها العريضة.
العجمي الوريمي: النهضة انطلقت في مشاورات من أجل تسوية سياسية
وتدفع بهذه الفكرة حركة النهضة الإسلامية التي كثفت من اتصالاتها وتحركاتها في هذا الاتجاه، تحت عنوان يُوصف بالمخادع هو إعادة “بناء الكتلة التاريخية” بما يُمكنها من التصدي لـ”دعاة الحكم الفردي الاستبدادي المتخلف، والشعبوية المدمرة”، وذلك في إشارة إلى الرئيس سعيد.
وتحاول حركة النهضة من خلال هذه الفكرة الالتفاف على جوهر أزمة البلاد التي تسببت فيها بمواقفها ومناوراتها التي تصاعدت منذ أن أدركت فشل سياسة الاحتواء التي استخدمتها مع الرئيس سعيد، حيث سعت إلى الدفع بمبادرات تقوم على مقايضات تشمل المسار الحكومي.
وتستهدف حركة النهضة من وراء ذلك إغراء بعض الأحزاب السياسية الوازنة برلمانيا بتمكينها من عدد من الحقائب الوزارية، حيث أكد القيادي بحركة النهضة العجمي الوريمي في تصريحات إذاعية بُثت الخميس، أن حركته “انطلقت في مشاورات مع العديد من الأطراف، من أجل مبادرة أو تسوية سياسية تشمل أيضا المسار الحكومي”.
وأشار إلى أنه تم “عقد العديد من الجلسات الاستكشافية حول هذا الموضوع”، لافتا إلى أن حركته “ترغب في أن تكون الحكومة قوية، وفي أن تخلص البلاد من حالة الشلل، وتتمسك ببقاء هشام المشيشي رئيسا للحكومة حتى إذا تم تطويرها لتكون أقوى”.
وقبل ذلك، كشف زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب (16 مقعدا برلمانيا) عن وجود مُقايضة جديدة تسعى حركة النهضة الإسلامية إلى توفير قاعدة توافقات لها لتمريرها في قادم الأيام.
وقال المغزاوي الذي يُشكل مع حزب التيار الديمقراطي الكتلة الديمقراطية النيابية بـ38 مقعدا برلمانيا، في تصريحات إذاعية إن “هناك مقايضة عن طريق إبعاد المشيشي من رئاسة الحكومة، مقابل الحصول على حقائب وزارية، والإبقاء على راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان”.
وأوضح أن حركة النهضة تدفع بتعلة توسيع الحزام البرلماني والسياسي للحكومة، وأن هذه المقايضة جاءت عبر وسطاء لم يذكرهم بالاسم، مؤكدا في نفس الوقت أن حركته “غير معنية بهذا الطرح”.
زهير المغزاوي: النهضة تقايض بإبعاد المشيشي مقابل الحصول على حقائب وزارية
وشدد في المقابل على أن “بقاء المشيشي في الحكم لن يزيد الوضع إلا تعقيدا”، مُحذرا في هذا الصدد من أن “الأزمة في تونس بلغت مدى خطيرا جدا، وأن استمرار هذا العبث السياسي سيُؤدي إلى ضياع البلاد واندلاع ثورة شعبية تهدم ما بُني طيلة السنوات الماضية”.
وذهب المغزاوي إلى القول في تصريحاته إن رئيس الحكومة المشيشي “يوهم نفسه والشعب في ظل هذا الوضع بأنه بصدد البحث عن حلول للمشاكل، في حين أن استمرار تواجده في الحكم لا يزيد الوضع إلا تعقيدا خاصة بعد دخوله في مواجهات مع العديد من الأطراف”.
ورأى أن “ثلاثة حلول لا رابع لها، أولها إجراء حوار حقيقي وجدي يطرح كل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية بكل استحقاقاتها، وثانيا تكوين حكومة جديدة تُكمل العهدة ببرنامج دقيق وواضح يطرح حلولا على المدى القريب والمتوسط دون حسابات ضيقة”.
وأضاف أن الحل الثالث يتمثل في إيجاد “اتفاق الشجعان”، أي “اتفاق حقيقي بين كافة مكونات المشهد السياسي والحزبي في البلاد على الذهاب إلى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها”.
ورغم هذا الموقف الواضح، كثر الحديث خلال اليومين الماضيين عن تفاهمات وشيكة بين عدد من الأحزاب حول أهمية تخفيف التصعيد في المواقف، ترافق مع تعمد حركة النهضة الترويج لها وسط سيل من الاستنتاجات القائمة في جزء كبير منها على افتراضات بدت مُتعارضة مع منطق الأحداث وتطوراتها.
وتضمنت تلك الاستنتاجات التي دفع بها أكثر من قيادي نهضاوي في تصريحات مُتتالية عوامل مغالطاتها من داخلها قبل أن تكون خارجها، بدليل أن كل ما تم تداوله سقط في الماء بعد البيان التصعيدي الذي حمل توقيع راشد الغنوشي، الذي أعادت فيه حركة النهضة عوامل الأزمة إلى مربع الصراع.
وعكس البيان المذكور تصعيدا خطيرا أدخل البلاد في مُنعرج جديد، لاسيما وأنه ترافق مع اتهامات إلى الرئيس سعيد بالنزوع إلى “الحكم الفردي والاستبدادي”، ترافقت مع اتهامات أخرى وجهها عبدالكريم الهاروني رئيس مجلس شورى حركة النهضة إلى الرئيس سعيد بـ”تكديس السلاح في قصر قرطاج الرئاسي”.
ما تظهره المنابر الإعلامية من مواقف سياسية يبقى مختلفا إلى حد كبير عما يدور في الكواليس من لقاءات ثنائية وثلاثية وحتى رباعية بين الأحزاب والكتل البرلمانية
ولم يكتف الهاروني بتلك الاتهامات، وإنما ذهب إلى المشيشي، إلى ممارسة صلاحياته واستكمال التحوير الوزاري حتى ينطلق الوزراء الجدد في عملهم، ما شجع المشيشي على تعيين مدير جديد لجهاز المخابرات في خطوة وصفها مراقبون على أنها “استفزاز واضح للرئيس سعيد”.
وأثار هذا الموقف استياء مصطفى بن أحمد رئيس كتلة تحيا تونس (10 مقاعد برلمانية) الذي سارع إلى رفض هذه الدعوة، حيث وصفها في تدوينة على صفحته بفيسبوك بأنها “متهورة واستفزازية”، وشدد على أن من شأن ذلك “وضع كامل منظومة الحكم خارج كل شرعية”.
تابعوا Tunisactus على Google News