حروب النفوذ التى غاب عنها الدين
الارتباط واضح بين ازدياد الضغوط الأوروبية على مشروع الإسلام السياسى والحد من وجود جماعة الإخوان على أراضيها، بل تصاعد مطالبات برلمانية لضرورة إصدار تشريعات تجرّم تلك الجماعة فى مختلف الدول الأوروبية بعدما خططت منذ عقود عبر اختراق الجاليات العربية والمسلمة، للسيطرة على عدة مفاصل فى أوروبا، ومن جهة أخرى، اندلاع «الحرب الأهلية» داخل أذرعها مؤخراً.
تسير الجماعة منذ تأسيسها فى الاتجاه المعاكس لمنطق حكمة الفيلسوف اليونانى هرقليطس «إنك لا تنزل إلى النهر الواحد مرتين».. تصر على خوض نفس مياهها الآسنة مئات المرات. 1932 نشب أول خلاف بين حسن البنا ومجموعة بسطاء من أوائل الأعضاء حول أموال التبرعات التى اختطفها «البنا» عند انتقاله من الإسماعيلية للتدريس فى القاهرة.. توالت سلسلة خلافات أدت إلى انشقاق مجموعة عن الجماعة نتيجة الخداع الذى شاب جمع تبرعات للحرب فى فلسطين عام 1948، بينما كانت تذهب إلى خدمة أهداف مؤسس الجماعة.. تلتها انشقاقات أخرى من معترضين على تغليب المسار السياسى للجماعة على الشق الدينى الأساسى.
المثير للدهشة أن جميع الخلافات التى عصفت بالجماعة منذ تأسيسها كان محورها الوحيد يدور حول التمويل أو الصراع على السلطة وطريقة التعاطى مع الأنظمة للوصول إلى المرحلة النهائية من مشروع البنا.. «التمكين» الذى فشلوا فى تحقيقه نتيجة جشعهم للاستحواذ على السلطة.. لم يذكر التاريخ جدلاً أو صراعاً دار داخل الجماعة سعياً لدعم وخدمة الدين أو أى قضية فقهية رغم كونه الهدف المعلن لإنشائها.
حتى مؤخراً مع انفجار صراع هو الأقوى بين ما يُعرف بجبهة لندن بقيادة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام إثر قراره تجميد عضوية مجموعة من مجلس شورى الجماعة، على رأسهم محمود حسين، ليأتى رد جماعة الأخير الذى يقود جبهة تركيا بفصل منير عن منصبه. تصاعد الخلاف، دون أى بوادر تهدئة، خلق باعتراف قادة كلتا الجبهتين تصدّعاً قسم الجماعة إلى اثنين – ربما أكثر من هذا العدد مستقبلاً -دون أن تفلح محاولات «منير» تسويق صورة اكتمال السيطرة على مقاليد الأمور وانتهاء الأزمة.. تصريحات تبدو منفصلة تماماً عن واقع صراع شرس تشهده الجماعة.
زاد اشتعال الأزمة تحولات عبّرت عنها بقوة شعوب الدول العربية وهى تقصى أذرع الجماعة، كما يحدث فى تونس، المغرب، ليبيا، وسوريا، وظهر بوضوح لا لبس فيه أن مشروع «البنا» لم يكن إلا مغامرة تهدف للاستحواذ السياسى على البلدان العربية، حتى إن كان ذلك بقوة إراقة الدماء، حتى أفسدت لعبة السياسة الوئام بين قادة وأعضاء الجماعة.. النهج الذى اعتمده «البنا» عام 1928 بين مجموعة من بسطاء مدينة الإسماعيلية لم يتغير «اكذب.. اكذب.. حتى تتمكن من السلطة».
خدعة إخفاء العورات التى ظلت الجماعة تتفاخر بها لعقود عبر ادعاء تماسكها كجماعة دولية تتميز بوحدة الصف، لم تكن سوى قشرة زائفة تخفى تاريخاً من الانشقاقات ولم تصمد مؤخراً أمام قوة زلزال التصدّع الذى يعتبر الأقوى فى تاريخ الجماعة. أثبت الواقع بما لا يدع مجالاً للشك حتى عند دول غربية فتحت أذرعها للتنظيم الدولى لاعتبارات إما اقتصادية وإما سياسية تحت ستار مسمى الإسلام السياسى، أن ضعف ونهم هذه التنظيمات كشفته ممارستها للسلطة والفجوة الكبيرة بين شعاراتها وحكمها السلطوى.
أضيف إلى احتدام صراع النفوذ والمال بين الجبهتين، تراجع الجماعة وأذرعها فى أغلب الدول ورفع الدول الإقليمية والغربية يدها عن قادتها بعد قناعتها أن الجماعة ليس لديها مشروع أصلاً، إذ منذ طرد الشعب المصرى لها فى 2013 انقسمت إلى فرق مصالح خاصة متناثرة بين عدة دول.
التكهنات حول تطور الصراع ما زالت تحيطها علامات الاستفهام حول مستقبل المشهد. بعض الآراء ترى ظهور سيناريو ثالث -يتّجه نحو انفصال شباب الجماعة- عن كلا البديلين، الأول نجاح إبراهيم منير فى حسم الخلاف الحالى لصالحه وإقصاء محمود حسين وجبهته بحُكم سيطرة الأول على التنظيم الدولى.
الثانى إعلان جبهة تركيا الانفصال وتعيين «حسين» قائماً بأعمال المرشد العام رغم محدودية قدرة هذه الجبهة على حشد التأييد نتيجة تورّط «حسين» فى عدة مخالفات مالية وإدارية.
#حروب #النفوذ #التى #غاب #عنها #الدين
تابعوا Tunisactus على Google News