حكومة تونس تطرح برنامج إصلاحات.. هل يوافق اتحاد الشغل؟
كشفت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري، الثلاثاء، أن حكومة بلادها تتجه لمراجعة أجور موظفي القطاع العام وكذلك دعم المحروقات وبعض المواد الأساسية، ضمن رزمة إصلاحات اقتصادية أعلنتها الدولة.
جاء ذلك خلال ندوة صحفية عقدتها رئاسة الحكومة بمدينة الثقافة بالعاصمة لاستعراض الخطوط العريضة للبرنامج الوطني للإصلاحات الاقتصادية.
وشارك في هذه الندوة كل من وزراء المالية، والاقتصاد والتخطيط، والشؤون الاجتماعية، والصناعة والمناجم والطاقة، والتجارة وتنمية الصادرات، والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، إضافة إلى وزراء التربية، والتعليم العالي والبحث العلمي وتكنولوجيات الاتصال، والتشغيل والتكوين المهني، والصحة.
وتسعى الحكومة التونسية إلى اعتماد برنامج إصلاح اقتصادي اشترطته صندوق النقد الدولي من أجل تمكين تونس من قرض بقيمة 4 مليارات دولار على مدار 4 سنوات بهدف تمويل خزائن الدولة، وسط مخاوف جدية من فشل المفاوضات، في ظل معوقات داخلية وخارجية قد تحول دون أن تستجيب السلطات التونسية إلى شروط صندوق النقد الدولي.
وتشمل محصلة علاقة تونس مع الصندوق، التي تجاوزت 36 عاما، قرضين ماليين وعشرات التقارير والتوصيات، حيث تبحث حكومة بودن منذ تشكيلها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن القرض الثالث فيما يعيش الاقتصاد المحلي لهذه الدولة العربية الأفريقية، تحديات طالت تأثيراتها المجتمع المحلي.
وقالت وزيرة المالية البوغديري إن “مراجعة أجور موظفي القطاع العام، ستكون في حدود ما تسمح به إمكانيات الدولة”.
وبحسب بيانات حكومية، فإنه يبلغ عدد الموظفين العموميين حتى 2021، نحو 661.7 ألف موظف، بإجمالي فاتورة أجور سنوية 20.3 مليار دينار (6.8 مليار دولار)، تعادل قرابة الـ35 بالمئة من إجمالي الميزانية.
وأعلنت وزيرة المالية عن برنامج يهدف إلى مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية في البلاد، هدفه إعادة ضبط التوظيف وفاتورة الأجور.
ومطلع العام الجاري، قال ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، جيروم فاشيه، إن على تونس “الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية، القيام بإصلاحات عميقة جدا، لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة، الذي يعد من أعلى المستويات في العالم”.
وأعلنت أنّه سيتم إعداد برنامج يتعلق بإعادة الهيكلة وتحسين الحوكمة من خلال مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي، وذلك بهيكلة المساهمات المتعلقة بالمؤسسات العمومية وكذلك عقود الأداء من خلال ربط أنشطة المؤسسات العمومية بعقود الأداء للمؤسسات والتأكيد على الشفافية وعلى المساءلة.
من جهة أخرى، كشفت الوزيرة أنه سيتم تعديل منظومة الدعم في تونس لتصل كلفتها إلى حوالي 200 مليون دينار (65.9 مليون دولار)، أي ما يعادل 3.3 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، وذلك من خلال التصدي للتلاعب بالمواد المدعمة ومكافحة التهريب، على حد تعبيرها.
وأشارت البوغديري الى التوجه نحو المراجعة التدريجية لأسعار قوارير الغاز المسال المعدة للاستهلاك المنزلي بداية من 2023 لبلوغ الأسعار المعتمدة عالميا في سنة 2026، مع اعتماد إجراءات مساندة للفئات الضعيفة.
وقالت الوزيرة إن برنامج الاصلاح يتجه أيضا إلى التعديل التدريجي لأسعار الكهرباء والغاز مع مراعاة الفئات الضعيفة، وإعداد الإجراءات المرافقة وخاصة برنامج الانتقال الطاقي.
وبيّنت أنه سيتم العمل على تطوير وتدعيم برامج الطاقات المتجددة سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير واستعمال السيارات الكهربائية.
وزادت: “الإصلاحات التي ستقودها تونس، جاءت بناء على الحاجة المحلية لها، وليس استجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي فقط.. الحكومة ملتزمة بتأمين كل النفقات والديون المستحقة عليها”.
وتابعت: “كذلك، الحكومة تعمل على إصلاح المنظومة الجبائية والمالية، ورقمنة الخدمات عبر تحسين قدرتها على تحصيل مواردها الجبائية وإرساء نظام جبائي عادل وشفاف”.
بدوره، أفاد وزير الإقتصاد التونسي سمير سعيّد أن بلاده “مكبلة بإجراءات وقوانين، وقد حان الوقت لتعديلها لتحسين إيرادات الدولة”.
ويهدف البرنامج الإصلاحي وفقا لوزير الاقتصاد إلى استعادة الثقة واستحثاث نسق الاستثمار والتنمية الإجتماعية لبعث اقتصاد قادر على مواجهة الصدمات.
وخلال الأيام القليلة الماضية، اقترحت حكومة نجلاء بودن في منشور حول إعداد موازنة الدولة لسنة 2023 “إجراءات عاجلة للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجيات المتأكدة”.
وقالت الحكومة إن نفقات الأجور وصلت خلال سنة 2022 مستوى قياسيا في حدود 15.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 10 بالمائة سنة 2010، وهو ما قلص من الاعتمادات ذات الصبغة التنموية وحدّ من قدرة الميزانية على تعزيز الاستثمار العمومي.
واقترحت الحكومة في موازنة 2023 حصر الانتدابات في الحاجيات المتأكدة وذات الأولوية القصوى، مع التخفيض التدريجي في عدد خريجي مدارس التكوين خاصة بالنسبة إلى وزارات الدفاع والداخلية والعدل.
وداخليا، عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه لبعض بنود وثيقة الإصلاحات التي ستتفاوض على قاعدتها السلطات التونسية مع صندوق النقد الدولي، وفي مقدمتها تجميد الأجور في الوظيفة العمومية لمدة خمس سنوات متتالية، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، وفي مقدمتها المحروقات، فضلا عن خوصصة بعض الشركات الحكومية، ومراجعة القانون القانون الأساسي للوظيفة العمومية.
وقال الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل إن “للاتحاد شروطا في ما يتعلق بالمفاوضات مع الصندوق، ومنها أن يكون برنامج الإصلاحات تونسياً خالصاً لا مسقطاً من الخارج”.
ويشترط صندوق النقد الدولي موافقة الأطراف الاجتماعيين، ومنهم اتحاد الشغل، على وثيقة الإصلاحات للمضي قدما في المفاوضات.
ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات الرسمية بين تونس وصندوق النقد الدولي لإبرام اتفاقية تمويل جديدة في الأسابيع المقبلة، كما أكدت وزيرة المالية.
وبعد انتهاء المباحثات مع صندوق النقد الدولي بشأن المحاور الرئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، تتكون المرحلة التالية من المشاورات التي ستجرى خلال الأيام المقبلة بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي.
اقرأ أيضا: “فيتش” تنبه من الوضع في تونس.. التوافق أو “نادي باريس”
وفي وقت سابق، مسؤول الاتصال في صندوق النقد الدولي غيري رايس الوضع الاقتصادي التونسي بالكارثي، كاشفا أن حكومة نجلاء بودن تقدمت بمشروع يتمتع بميزة مصداقية أكبر ما يمثل فرصة أكبر للنجاح مما كان عليه في الماضي.
وفي إجابة عن المفاوضات مع تونس، أفاد المسؤول: “ليس لدي الكثير لأضيفه إلى ما قلته سابقا. نتابع تطور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس. لقد أجرينا مناقشات فنية مع السلطات، وهذه المناقشات مستمرة منذ بداية العام الجاري، وسيستمر هذا على المستوى الفني ولضمان إمكانات التطوير”.
وتابع: “في غضون ذلك، وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي الكارثي، يجب ألا ينتظر الإجراء الحاسم وتنفيذ الإصلاحات انتهاء هذه المناقشات أو برنامج صندوق النقد الدولي”.
وفي ملاحظة أكثر إيجابية، أشار رايس إلى أن “برنامج الإصلاح الداخلي كما تقدمه الحكومة الحالية يتمتع بميزة مصداقية أكبر وبالتالي فرصة أكبر للنجاح مما كان عليه في الماضي”.
#حكومة #تونس #تطرح #برنامج #إصلاحات #هل #يوافق #اتحاد #الشغل
تابعوا Tunisactus على Google News