حوكمة تغير المناخ وآثاره على التنمية المستدامة
يتحدث العالم كثيرا هذه الأيام عن مصطلحات التغير المناخي والحوكمة وأهداف التنمية المستدامة وأن العالم مقبل على أزمات طاحنة إذا لم نستوعب هذه المفاهيم ونعمل على فهمها ووضع استراتيجيات لتنفيذها، وهنا يدور تساؤل رئيسي حول معنى التغير المناخي وما هي آثاره الضارة على الإنسان والبيئة من حولنا مما يعبر عن وجود ارتباط وثيق بين التغير المناخي والتنمية المستدامة التي يكون هدفها الرئيسي تحقيق جودة الحياة للإنسان لأنه عماد التنمية بأي دولة بالعالم ويدور التساؤل حول أهمية دور الحوكمة في التنسيق بين سياسات التكيف والخفض المناخي في التصدي لأضرار التغير المناخي على الانسان والمجتمع والتي تتباين أثاره ما بين اقتصادي واجتماعي وسياسي.
ومن هنا نتطرق لتعريف حوكمة المناخ أنها مجموعة من المفاوضات والمناقشات يشارك فيها الحكومات المحلية والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمنظمات غير الرسمية والمجتمع المدني لاتخاذ اجراءات فورية للتصدي للتغير المناخي وقد تكون عمليات صنع القرار رسمية أو غير رسمية ومرن وقابلة للتكيف وتتم على مستويات محلية وإقليمية ودولية
آثار التغير المناخي العابر للحدود على منطقة الشرق الاوسط وقارة أفريقيا
لا تتوقف أثار التغير المناخي على حدود دولة معينة وانما تمتد للكثير من مناطق العالم لذا يحتاج التصدي لهذا التحدي لتضافر جميع جهود دول العالم وتساهم الحوكمة والتعاون على المستوى الدولي والإقليمي في توحيد سياسات مواجهة أثار تغير المناخ والتخفيف منها والتكيف معها والاستجابة لاتفاق باريس بشأن تغير المناخ، والهدف 13 من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذي يهدف الى اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره خاصةً بمنطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا أكثر مناطق النزاع والصراعات بالعالم.
1-التوترات حول مصادر المياه والصراع حول الأمن المائي
تمتد منطقة الشرق الاوسط بين قارتي اسيا وافريقيا وهي تتألف من 22 دولة بمساحة تمتد إلى 13 مليون متر مربع بإجمالي عدد سكان 454 مليون نسمة وترتفع درجات الحرارة بمعدل 1,5 درجة مئوية على مدار العقود الماضية وكان لذلك تأثير ضار للغاية على الدول ذات الجو الحار بالأساس مما يفضى الى هبوط في نصيب الفرد من الناتج المحلى بمعدل درجتين مئويتين تقريباً، وبالإضافة إلى ذلك، فكثير من بلدان المنطقة يقع في مناطق ذات ظروف مناخية قاسية، حيث يتسبب الاحتباس الحرارى في تفاقم التصحر والإجهاد المائي وارتفاع مستويات البحار.
وقد أصبح هطول الأمطار أكثر تقلبا والكوارث المناخية كموجات الجفاف والفيضانات، أكثر توتراً، في حين تمثل قارة أفريقيا 6% من إجمالي مساحة الارض و20% من إجمالي مساحة اليابسة فهي ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا بمساحة 30 مليون كليو متر مربع وتتألف من عدد 54 دولة بإجمالي عدد سكان 1,3 مليار نسمة ولا تساهم أفريقيا سوى جزء ضئيل من الانبعاثات العالمية لا يتعدى 4%، لكنها قد تكون المنطقة الأكثر تحمل لخسائر التغير المناخي في العالم نظرًا لارتفاع معدلات الفقر وعدم توافر الخدمات بشكل كافٍ مما يؤدى لفقد 15% من معدلات النمو الاقتصادي في أفريقيا نتيجة أضرار التغير المناخي، حيث يوجد ثمانية دول من أصل أكبر عشرة دول تضرراً من التغير المناخي عالمياً في أفريقيا وتأتى السودان على قائمة أكثر 65 دولة تأثراً بالتغير المناخي على مستوى العالم.
ومن المتوقع أن يتراجع الناتج المحلى الإجمالي بأفريقيا إلى 33% عام 2001 حيث تختلف آثار التغير المناخي من دولة لأخرى طبقا لتباين الدول في الثروات الطبيعية والاقتصادية ومن الاثار السلبية للتغير يؤدى الى زيادة التبخر والحرارة مما يشكل ضغوط كبيرة على مصادر المياه في ظل اشتراك 14 دولة من الدول العربية فيمسطح مياه موحد وينبع 66% من المياه العذبة من خارج منطقة الشرق الاوسط ومن المتوقع أن يكون التغيرالمناخي حافز لندرة المياه مما يشكل مصدر للنزاع داخل الدول ذاتها ومع دول الجوار التي تشترك في الحدود الجغرافية والسياسية بينما يتشابه الوضع في أفريقيا، حيث يخشى أن تكون ندرة المياه حافز للصراعات بين الدول المشتركة في مسطحات مائية مشتركة مثل دول حوض التي من المتوقع زيادة الاجهاد المائي في شمال أفريقيا في ظل الزيادة السكانية الكبيرة.
والمتوقع وصول عدد سكان مصر عام 2050 ما بين 115 و170 مليون نسمة مما يعنى حاجة السكان للمزيد من المياه في ظل محدودية حصة مصر من مياه النيل بينما في غرب أفريقيا يؤدى ارتفاع درجات الحرارة الى ارتفاع منسوب مياه البحر على طول السواحل الافريقية خاصة المطلة على البحر الاحمر وجنوب غرب المحيط الهندي ومن المتوقع تعرض ما بين 108- 116 فرد لمخاطر ارتفاع منسوب البحر بأفريقيا في حين يؤثر التغير المناخي الممثل في ارتفاع منسوب البحر وزيادة فترة هطول الامطار على المرتفعات الإثيوبية إلى إطالة موسم الزراعة مما يخفف من حدة موجات الجفاف بتلك المناطق وزيادة الفيضانات بالغرب ونفس الأمر يمكن حدوثه في جنوب القارة من خلال اضرارا الكثير من الأفراد للتعايش مع المزيد من الاجهاد المائي وانخفاض نصيب الفرد من المياه لأقل من 550 متر مكعبًا عام 2055 مع تراجع سقوط الامطار بتلك المنطقة.
2- الأمن الغذائي
تساهم الزراعة بنسبة 14 %من الناتج المحلي الإجمالي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثناء الدول النفطية ويوظف القطاع 38 %من السكان النشطين اقتصادياً، وستتعرض هذه القطاعات بشكل خاص لتغير المناخ مع توقع انخفاض في إنتاج المحاصيل بنسبة 20% والثروة الحيوانية في ظل سيناريوهات تغير المناخ وهذا يشكل بمجموعه تهديداً للأمن الغذائي، ويؤدي إلى تفاقم ندرة المياه وتدهور الأراضي.
كما تتعرض مصايد الأسماك وموارد الأحياء المائية لخطر تغير درجات الحرارة والملوحة في بحر العرب والبحر الأبيض المتوسط وعلى طول السواحل وستكون المناطق الساحلية المنخفضة ذات الكثافة السكانية العالية في مصر والكويت وليبيا وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة معرضة بشكل خاص لخطر ارتفاع منسوب مياه البحر وتسرب المياه المالحة إلى الأراضي الزراعية، تخسر افريقيا 17 مليار دولار سنويا جراء التغير المناخي.
وسوف يتعرض 21% من سكان القارة لسوء التغذية خاصة ً بمنطقة القرن الأفريقي والمناطق الحارة بالقارة لتعرضها للجفاف والتصحر نتيجة الاحتباس الحرارى في ظل ارتفاع اسعار الغذاء بنسبة 33% جراء الحرب الروسية الاوكرانية وتوقع وصول 222 مليون فرد لحالة انعدام الامن الغذائي في 53 دولة منها الكثير من الدول الأفريقية بنهاية 2022 حيث قام البنك منح قروض 3 مليار لتعزيز أنظمة الغذاء بشرق وجنوب القارة ، وتحتاج القارة الى 1110 مليار دولار لمواجهة تبعات التغير وتطبي سياسات التكيف والخفض المناخي في ظل تعهد الدول الكبرى بتوفير 100 مليار دولار ولم ينفذ الوعد حتى الآن.
3- الأمن القومي
أدى التغير المناخي لظهور ما يعرف بالنزوح البيئي أو لاجئو المناخ المهاجرين جراء التصحر والجفاف رغم الجهود المضنية التي تبذلها القارة لعلاج سبب الازمة ومواجهة اثار التغير المناخي كما لا يوجد تعريف قانوني بمصطلح لاجئ بيئي مما يشكل عب على الامن القومي بالدول الافريقية وعامل خلل بالاستقرار السياسي بتلك الدول خاصة الواقعة بشرق القارة مثل كينيا ويؤدى زيادة الفقر لحالة من عدم الاستقرار السياسي وانتشار الارهاب والفوضى ويدفع الشباب للانضمام للتنظيمات المسلحة بمنطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا لعبت العوامل البيئة والاجتماعية دور حيوي في نشوء العنف بتلك المنطقة سواء من ناحية قبلية أو عرقية ، فمنطقة القرن الأفريقي من أكثر مناطق القارة التي تعانى من تقلبات مناخية بشكل مستمر في كينيا وارتيريا والصومال وتسجل أعلى مؤشر للعنف بالقارة والتي يعد التغير المناخي أحد اسبابها خاصة ً الصراعات الناجمة عن الجفاف.
ثانيا: فوائد حوكمة المناخ
تتمتع حوكمة المناخ متعددة المستويات بعدة فوائد وهي تكفل الاتساق بين السياسات المحلية والاقليمية والدولية، وتعزز الابتكار والتعلم وتبادل المشورة الفنية بين جميع الجهات المشاركة على كافة المستويات مع تحديد الاهداف، والآليات والسياسات والحلول بصورة مشتركة مما يحافظ على مستوى معين من التفاهم مع وضع ادوات وهياكل محددة من اجل تبادل المعلومات بصورة واضحة تساعد في اتخاذ القرارات والمتابعة والرصد لنتائج هذه القرارات، بالوقت الراهن يوجد اطار لبنية مؤسسية لحوكمة تغير المناخ بالشرق الاوسط وأفريقيا كمظلة شاملة لوضع الخطط والتعاون الفني بمجال التصدي لمخاطر التغير المناخي ممثلة في جامعة الدول العربية من خلال المركز العربي لسياسات التغير المناخي المنشى بيونيو2018 والاتحاد الأفريقي الى جانب قيام لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا “الاسكوا” بتقديم الدعم والمشورة بالمجالات السابق ذكرها، الاستفادة من مزايا الحوكمة على المستوى الإقليمي في مجالات تنسيق السياسات ووضع الخطط وحشد التمويل وبناء القدرات والمساعدات الفنية، وإجراء البحوث من خلال خطط عمل اقليمية بأهداف واستراتيجيات تنفيذية محددة وواضحة للتنفيذ والمتابعة وتبنى نهج متكامل ازاء التصدي للتغير المناخي وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
ثالثاً: مكافحة تغيّر المناخ بالعلوم والتكنولوجيا النووية
جعل تغير المناخ ندرةَ المياه، وحالات نقص الغذاء، وفقدان التنوع الأحيائي، ووقوع الكوارث الطبيعية أموراً أكثر شيوعاً حول العالم ويستخدم الباحثون تقنيات نووية ونظائرية لجمع البيانات عن تغير المناخ وكيفية تأثيره على البيئة من المحيط والمياه العذبة إلى الجبال والتربة ولتحديد مصادر الملوثات وانبعاثات غازات الدفيئة ويمكن لهذه البيانات أن تساعد واضعي السياسات على اتخاذ قرارات تستند إلى العلوم من أجل التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه، ويعمل الخبراء على مستوى العالم على استخدام العلوم المتقدمة خاصة الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو في مواجهة التغير المناخي في ظل عدم وجود مأمن من تغير المناخ أصبحت توجد حاجة ملحة لبناء اقتصاد عالمي أكثر استدامة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المسببة للتغير المناخي الناتج عن الاستخدام المفرط للثورة الصناعية والوقود الأحفوري من قبل الدول المتقدمة التي صدرت اثار التغير المناخي للدول النامية التي تتحمل العب الاكبر من فاتورة حساب اثار التغير المناخي على اقتصادات تلك الدول التي تعتمد على تصدير المواد الخام بشكل كبير.
وبما أن انبعاثات غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز والميثان تسّرع من وتيرة تغير المناخ، فإن البلدان تعمل على تقليص هذه الانبعاثات من خلال وضع خطط للطاقة المستدامة يشتمل الكثير منها على الطاقة النووية. كما تتخذ خطوات لتحسين قطاع الزراعة وهو مصدر رئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة باستخدام العلوم والتكنولوجيا النوويين لدراسة وتطوير أساليب جديدة لزراعة الأغذية من شأنها أن تسهم أيضًا في تقليل الانبعاثات، مثل عزل الكربون، حيث تُستخدم أنواعٌ بعينها من النباتات وأساليب الحصاد التي تحفز التربة على امتصاص كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي والاحتفاظ بها.
#حوكمة #تغير #المناخ #وآثاره #على #التنمية #المستدامة
تابعوا Tunisactus على Google News