- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

خريف الديمقراطية في تونس: مشاريع سعيد السياسية ليست بديلا عن الرفاه الاقتصادي | القدس العربي

إبراهيم درويش

تعيش تونس منذ العام الماضي تحولات جذرية ومسارا للأسوأ مما يعني نهاية التجربة التونسية التي ظلت النموذج الأنجح نسبيا من ثورات الربيع العربي عام 2011 بعد قرارات الرئيس قيس سعيد تعليقه البرلمان وعزله لرئيس الوزراء وما تبع ذلك من تقييد على حرية الرأي وإعادة تشكيل المسار السياسي بطريقة تخدم مصالح الرئيس الذي كان عليه تقاسم السلطة مع البرلمان ورئيس الوزراء. ومنذ 25 تموز/يوليو راكم سعيد سلطات مطلقة في يديه وأعلن عن عملية مشاورة قال إنها ستقود إلى كتابة دستور جديد للبلاد ومن ثم انتخابات جديدة، إلا أن العملية رفضها الكثيرون. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» (21/3/2022) إلى تدني المشاركة في العملية، وبحسب أرقام الحكومة لم يشارك في العملية سوى نصف مليون من 12 مليونا في عملية مشاورة جرت على مدى شهرين انتهت يوم الأحد.
وتقول الصحيفة إن المشاركة المتدنية تعكس مشاكل تتعلق بوصول المواطنين للعملية وغياب تغطية الإنترنت وبخاصة في المناطق الريفية. ونقلت عن عدد من المحللين التونسيين قولهم إن الكثيرين من الشعب فقدوا الثقة بإصلاحات سعيد ووعوده التي استقبلوها بالحماسة بعد استيلائه على السلطة والتي لم يف بها.
وتشير الصحيفة أن الاقتصاد انتقل من الركود إلى الأسوأ، فالوظائف التي يبحث عنها الشباب باتت نادرة والدولة لم تعد تصرف رواتب الموظفين في أوقاتها.
كما وزادت أسعار المواد الأساسية مثل الطحين والسكر والزيت التي كانت في ارتفاع مستمر وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي زاد من الأسعار نظرا لتوريد البلدين معظم احتياجات العالم من القمح والزيت والحنطة السوداء.
ويتزايد الغضب الشعبي نظرا لفشل سعيد في تغيير الأوضاع الاقتصادية. فالترحيب بسعيد جاء على افتراض أنه سيغير الظروف الاقتصادية وهم لا يريدون المشاركة في مشروع سياسي كبير مثل الذي يعرضه سعيد.
فمنذ الخريف الماضي يحكم بالمراسيم، وألغى مؤسسة القضاء واستبدلها بمؤسسة اختارها بنفسه، فيما وصف بأنه يقوم بتهميش آخر مؤسسة مستقلة في البلاد. وألغى معظم دستور عام 2014 والذي كان حجر أساس الديمقراطية التونسية، التجربة الوحيدة التي نجت من اضطرابات الربيع العربي عام 2011. وبحسب خطة الطريق التي حددها العام الماضي بضغط من القوى الغربية والمانحين الدوليين فإنه سيرعى حوارا وطنيا يقود إلى إعادة كتابة الدستور ومن ثم الاستفتاء عليه هذا الصيف وانتخابات في نهاية العام الحالي. وكان الكثيرون يأملون أن تشمل عملية الحوار الوطني الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني على غرار عام 2013 عندما تدخلت اتحادات العمال القوية وأدت إلى قرار أوقف أزمة سياسية بشكل منحها جائزة نوبل، لكن نسخة سعيد لم تكن سوى دراسة مسحية عبر الإنترنت وتحتوي على سؤال وجواب للمواطنين بشأن السياسة والاقتصاد والتعليم والشؤون الاجتماعية وبقية الموضوعات. وفي بلد معظم سكانه من الشباب الذين يبحثون عن فرصة عمل فالمشاورة ليست إلا تمرينا في العبث، فقد أظهرت إحصائيات الحكومة أن نسبة الرجال زادت عن مشاركة النساء. وغالبيتهم ممن أعمارهم فوق الثلاثين في بلد تشكل فيه نسبة الشباب من 15- 29 عاما الغالبية. وفي ظل خريطة الطريق، ستقوم مجموعة من الخبراء اختارها الرئيس بكتابة تعديلات الدستور، مع أنه لم يكشف عن الخطة بعد.

نهاية الديمقراطية

وأدخل سعيد البلاد في ظل المجهول، وبتجاهله الأوضاع الاقتصادية فإن تونس تقدم مثالا مثيرا للدهشة عما آلت إليه أوضاع الديمقراطية في العالم العربي. وكشفت دراسة في مجلة «فورين أفيرز» (عدد آذار/مارس- نيسان/إبريل) أن الصعوبات الاقتصادية أفقدت ثقة الناس بالديمقراطية. فعلى مدى العقد الماضي، ظلت البلاد الأمل الوحيد للتحولات في العالم العربي وتملك أكبر فرصة للنجاح، فهي منسجمة عرقيا وشعبها متعلم بدرجة كبيرة ولديها طبقة متوسطة وجيش ظل بعيدا عن السياسة. وفي الانتخابات التشريعية فازت حركة النهضة بمعظم المقاعد وحكمت عبر حكومة ائتلاف مع حزبين، وبعد عملية اغتيال سياسي عام 2013 وقادت إلى أزمة حكومة تكنوقراط في بداية 2014.
وشهدت الفترة التي سبقت انتخاب سعيد في عام 2019 بأغلبية ساحقة، تنافسا حادا بين الأحزاب التونسية، بشكل أدى إلى شل للبرلمان وأضعف الحكومة. وحولت بعض الأحزاب البرلمان إلى ما يشبه السيرك السياسي. وزادت المضايقات بعد انتخاب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان. وكان انتخاب التونسيين لسعيد، الذي كان غير معروف وبدون تجربة في السياسة، مما يقترح رفضا شعبيا للنخبة السياسية التي ظهرت في مرحلة ما بعد الثورة. ومع ذلك حظيت التجربة التونسية بدعم شعبي واسع، إلا أن 11 عاما من التجربة الديمقراطية أفقدت السكان الثقة بالديمقراطية لأنها لم تغير من الظروف الاقتصادية، فالحرية لم تترجم إلى انتعاش اقتصادي أو خلق فرص العمل. ولم تتغير الظروف التي قادت إلى الثورات العربية. واليوم أصبح الاقتصاد أسوأ مما كان عليه قبل سقوط زين العابدين بن علي. وفي عام 2011 كان نصيب الفرد 4.265 دولار وبحلول عام 2020 صار 3.320 دولار. وزاد إحباط الناس الاقتصادي، فبعد سقوط زين العابدين بن علي عام 2011 قالت نسبة 27 في المئة من التونسيين في دراسة للباروميتر العربي، إن أوضاعهم الاقتصادية في أحسن حال، وتراجعت النسبة بحلول عام 2018. وتوصل التونسيون إلى أن جذور الأزمة في البلاد هو النظام نفسه الذين قاتلوا لوضعه في السلطة في مرحلة ما بعد بن علي. وفي عام 2011 عندما سئل التونسيون إن كان النظام الديمقراطي غير حاسم ويعاني من مشاكل كانت نسبة الموافقين 19 في المئة ولكنها زادت في عام 2011 إلى 50 في المئة. وفي عام 2011 قالت نسبة 17 في المئة إن أداء الاقتصاد في النظام الديمقراطي ضعيف. وتضاعفت النسبة إلى 39 في المئة في عام 2018. وهذا التوجه واضح بين الجيل الذي كبر وزاد وعيه بعد الثورة. ففي 2011 ربطت نسبة 21 في المئة من التونسيين في سن ما بين 18-29 عاما ضعف الاقتصاد بالديمقراطية، وبحلول 2018 وصلت النسبة إلى 43 في المئة، والسبب هو أن نسبة العاطلين عن العمل عالية جدا وتصل إلى 85 في المئة. وكلما زاد المستوى التعليمي كلما زادت نسب البطالة.
نظام أي نظام

وما كشفت عنه مقالة «فورين أفيرز» هو أن العرب العاديين كانوا يريدون الكرامة الاقتصادية وهم يحنون إلى نظام حكم يمكنه أن يقدمها لهم. ولأن الديمقراطية فشلت في تقديم التعافي الاقتصادي، فقد بات الكثيرون منهم وبعضهم ممن دعم الديمقراطية يتطلعون لنموذج يشبه مثال الصين وروسيا. فقد استطاع النموذج الصيني منذ السبعينات أن يغير حياة 800 مليون صيني وأخرجهم من الفقر المدقع، حسب البنك الدولي، وهو نموذج يحلم به الكثيرون من سكان العالم العربي. وارتفع الناتج المحلي العام للفرد من 2.194 دولار عام 2000 إلى 10.431 دولار في عام 2020.
ونفس الأمر حدث في روسيا حيث زاد الدخل العام من 7.000 دولار إلى 28.000 دولار. وفي وقت لم تقدم فيه الولايات الدعم الكافي لحركات الديمقراطية في العالم العربي وركزت انتباهها نحو الصين ثم روسيا بعد الغزو الأوكراني، عززت كل من الصين وروسيا من تأثيرهما في المنطقة، الأولى من خلال مبادرة الحزام والطريق والثانية عبر استراتيجية التدخل العسكري والتعاون في مجال الطاقة مع دول الخليج، حلفاء أمريكا التقليديين. وضخت الصين منذ الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق أكثر من 123 مليار دولار في مشاريع متعلقة به في المنطقة العربية. وبتدخل روسيا في سوريا وليبيا عبرت موسكو عن رغبة لإعادة ترتيب المنطقة بعد غياب عنها بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي. ولم يكن غريبا محاولة دول عربية توثيق صلات مع حكم الرجل القوي في هذين البلدين، حتى لو عنى هذا تخفيف الصلات الاقتصادية مع الولايات المتحدة. وأظهرت الدراسات أنه في الدول الميالة للديمقراطية فضل المواطنون صلات قوية مع الصين وروسيا. ففي لبنان عبرت نسبة 43 في المئة عن رغبة بعلاقات قوية مع الصين، مقارنة مع 36 في المئة تريد علاقات قوية مع الولايات المتحدة. وفي العراق فضلت نسبة 51 في المئة علاقات قوية مع الصين و 43 في المئة مع روسيا وفقط قالت نسبة 35 في المئة إنها ترغب بعلاقات جيدة مع أمريكا. وفي تونس عبرت نسبة 63 في المئة عن تأييدها لعلاقات قوية مع الصين و50 في المئة مع روسيا ونسبة 45 في المئة مع الولايات المتحدة. وفي مصر تفوقت روسيا على الصين، حيث فضلت نسبة 38 في المئة و36 في المئة علاقات اقتصادية مع أمريكا و 30 في المئة مع الصين. أما المغرب فقد عبرت نسبة 49 في المئة عن أفضلية لعلاقات قوية مع الصين و 43 في المئة مع أمريكا و 40 في المئة مع روسيا. وتظل الصين أهم شريك اقتصادي محتمل في 12 دولة أجرى فيها الباروميتر العربي دراسته المسحية. كل هذه النتائج تشي بتحول في المواقف العربية من الديمقراطية، وتفضيل للديكتاتورية التي أحكمت سيطرتها على دول الربيع العربي، إما بالثورات المضادة، مصر وتونس والسودان أخيرا، أو الحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا. وفي أحيان أخرى محاولة الحفاظ على الوضع القائم كما لبنان والعراق. ورغم تراجع أمريكا عن دعمها للثورات العربية كما عام 2011 إلا أنها عادت ودعمت انقلاب مصر عام 2013 وهو ما عزز الفكرة أن أمريكا ليست مهتمة بدعم التحولات الديمقراطية.

وضع غير مستقر

وحتى في المسألة التونسية لم يتجاوز الموقف الأمريكي عن شجب تحركات سعيد التي قضت على الديمقراطية التونسية. وكما ناقشت مها يحيى في «فورين أفيرز» (22/3/2022) فالوضع الإستبدادي في الشرق الأوسط لن يكون مستقرا، ولن تكون «شمولية دائمة» كما رأى الباحثون وضع المنطقة قبل 2011. فالمزيج الخطير بين القمع المحلي وتدهور الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية والتدخل الدولي في العواصم العربية سيكون مصدرا للقلقلة ومزيدا من العنف وعودة للتطرف. وتكافح الأنظمة الديكتاتورية التي يستشري فيها الفساد لكي تقدم المنافع وترضية الرأي العام. وزادت قوة الأجهزة الأمنية والميليشيات الخاصة ولعبت دورا كبيرا. وفي الوقت نفسه يجد الناس العاديون أنفسهم بين مطرقة القمع الذي يمارسه النظام وتراجع المصادر بسبب زيادة أسعار المواد الغذائية والأزمات العالمية بدءا من كورونا والأزمة في أوكرانيا التي تهدد بخسارة الناس لقمة الخبز، وهي التي دعت المواطن العادي إلى الخروج طلبا للحرية والخبز والعدالة الاجتماعية. ويضاف إلى علبة الكبريت المشتعلة، الدور الروسي والصيني والتوترات بين إيران ودول الخليج. فالمعركة التي بدأت عام 2011 لم تنته بعد وعودة الأنظمة المستبدة التي انتعشت بسبب خيبة أمل الناس بالديمقراطية لا يعني نهاية حنين الناس للحرية والديمقراطية، فمقايضة الأنظمة الجديدة حرية الناس بالإستقرار لن تستمر كما شهدنا عام 2019 وإسقاط نظامين في الجزائر والسودان وتغيير حكومتين في لبنان والعراق. وطالما لم يلب الطامحون للسلطة آمال الناس فالثورة مستمرة. وسعيد يعرف أن مصيره مرتبط بالتحول الاقتصادي لا المشاريع السياسية وتحويل تونس إلى مختبر تجارب كما فعل القذافي من قبل وترك إرثا قاسيا يتمثل بتقسيم البلاد الآن.

- الإعلانات -

#خريف #الديمقراطية #في #تونس #مشاريع #سعيد #السياسية #ليست #بديلا #عن #الرفاه #الاقتصادي #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد