درس الفوز على إسبانيا – رياضة العرب Arabs-Sport
خالد فتحي
لم يكن «أسود الأطلس» يمثلون خلال المباراة ضد الإسبان بلدنا فقط، فخروج قطر والسعودية وتونس، ثم السينغال، حولهم إلى فريق يختزل أحلام كل الأفارقة والعرب، بل وكل العالم الإسلامي. المباراة الأخيرة ضد الجارة الشمالية كانت مشحونة بالرمزية، التي تجاوزت الكروي والرياضي إلى السياسي والهوياتي والحضاري.
نجح «أسودنا» بهذا الإنجاز اللامع في توحيد الأمة العربية، بعدما عجزت عن ذلك السياسة والسياسيون. ولذلك كان دالا جدا ذلك التشجيع الصادر من الأعماق الذي خصته الجماهير العربية للفريق المغربي، الذي صار فريقا لكل عربي، في المنامة وعمان والقاهرة والرياض والجزائر… وبكل متر في البلاد العربية، خرج العرب واحتفلوا ورقصوا طربا ليس بالنصر، ولكن لاكتشافهم أنهم أيضا قادرون على مناجزة الآخر؛ اليوم في كرة القدم وغدا في كل مجال. إنها الاحتفالات التي أظهرت أن أمتنا أمة واحدة وأمة قادمة، وأن الحدود التي تفرقنا ليست إلا صناعة استعمارية، لا بد أن تتهاوى في المستقبل القريب.
لا عجب إذن من هذا الالتفاف المنقطع النظير حول هذا المنتخب الأيقونة، لأنه شكل ببسالته وتفرده الخلاص للجماهير العربية من عقد راسخة شتى؛ أولها أنه أنهى عقدة الأجنبي.. فالنصر كان بأقدام مغربية، وبعبقرية نادرة لمدرب محلي.. فحين يتم توفير كل الظروف، ويخلق مناخ الإبداع أمام الشباب، يتحقق النجاح.
أما ثاني أوجه الخلاص، فهو أن الشعوب العربية نزعت عنها بهذه الندية التي أبان عنها الفريق المغربي ذلك الشعور بالدونية الذي ظل يلازمها، والذي لم يكن ينسحب فقط على المجال الرياضي، بل كان يطول كل المجالات والقطاعات، حتى صار تبخيس الذات، والرزوح تحت ثقافة الهزيمة، الرياضة الوحيدة التي يبدع فيها العرب. لقد جرفت الآلة الكروية المغربية القابلية للهزيمة، وزرعت بدلا عنها القابلية للانتصار، على حد قول المفكر الجزائري مالك بن نبي.
لقد صنع فريقنا ملحمة ستخلدها الأجيال، وسيكون لها كل الأثر الفعال على نفسية الشعب المغربي والشعوب العربية والإفريقية، إذا ما استخلصنا الدروس، وانتقلنا من الحدث نحو المعنى الذي يخلقه فينا.
أما ثالث الدروس، فهو أنه لا يجب أن ننسى الدور الذي يمكن أن يلعبه مهاجرونا في الدفع بعجلة أوطاننا. ففي زمن العولمة لم تعد المواطنة لصيقة بمن يعيشون داخل الحدود الترابية للوطن أو الأمة، وإنما هي لكل من تجري بعروقه دماء البلاد، أينما كان مولده أو إقامته.
هي مباريات للتاريخ خضناها أكدت أن المستحيل هو ما نتوهم فقط، إما بعجزنا، أو بسوء تقديرنا لإمكانياتنا أنه فوق طاقتنا وبعيد عن منالنا..
لم يكن منتخبنا بالتأكيد مفاجأة أو فلتة، فالمفاجأة لا تحدث إلا مرة واحدة، وليس من طبعها أن تتكرر.. أما وقد انتصر «الأسود» على إسبانيا وكندا وبلجيكا وتعادلوا مع كرواتيا، فقد حق لهم أن يكونوا ظاهرة مونديال قطر، ودرسه الذي لا تضاهيه دروس.
هناك اليوم بلدان اثنان رابحان من هذا المونديال؛ قطر التي شرفت العرب بأفضل نسخة لكأس العالم منذ بداية التظاهرة الكروية، والتي صمدت أمام هجومات الحاسدين والمتكبرين من أزلام النظام الدولي، ففرضت على أرضها قيمها وتقاليدها وانتصرت لعراقتها، والمغرب الذي استطاع بفضل براعة لاعبيه أن يسوق صورة المملكة الصاعدة بثبات نحو صدارة الركح الدولي.
الآن يهدينا هؤلاء اللاعبون الموهوبون موردا آخر من موارد القوة الناعمة، سيساهم بدوره في نشر النموذج المغربي عبر الآفاق، وأولها الآفاق العربية، حيث بدأت الكثير من الأصوات تطالب حكوماتها، حتى قبل أن ينتهي المونديال، باستنساخ التجربة المغربية في كرة القدم. الكل صار يتحدث عن وليد الركراكي كداهية كروي وكعبقري، لم يعد الرجل مجرد مدرب ناجح فقط، وإنما صار مدرسة في التدريب والتنمية الذاتية. هذا المخلص لبلده، الذي برهن عن قدرة خارقة في تعبئة اللاعبين، والذي استطاع أن يكون منتخبا من الأيقونات التي قلما يجود بها الزمن؛ أمرابط اللاعب العملاق الذي يحكم سيطرته كالمارد على وسط الميدان، وحكيمي ذو الشخصية الكاريزمية الذي يكفي حضوره لكي تزأر باقي «الأسود»، نصيري، زياش، مزراوي، حمد الله، صابيري، أملاح، بوفال، والجدار بونو.. والآخرين. إنه المدرب الذي فرض أسلوبه.. وفعلا لقد حطم فريقنا آمال كل الفرق التي واجهته، ورفع اسم المغرب نجما مضيئا في عنان السماء.
إن قيمة المدرب المغربي في ثقافته أيضا وأخلاقه العالية، وتوظيفه الكرة لبعث رسائل أصيلة عن القيم المغربية الراسخة؛ منظره وهو يبحث عن والدته بين المدرجات ليقبل رأسها بعد النصر، وحضور أسر اللاعبين بالمونديال يعبران عن تمغربيت، عن الانتصار لقيم العائلة التي تميز المغاربة.
لم يكن صدفة أن يتهيأ لنا هذا المنتخب، فهو منتخب جمعه كل المغاربة بناء على معيارين اثنين؛ الولاء للوطن فقط، وفسح المجال أمام الكفاءة والاعتراف بها كي تتفتق وتعبر عن نفسها. لقد نجحنا وأبهرنا العالم، وتردد اسم المغرب في كل أرجاء المعمورة، لأننا خلقنا مناخ العطاء. وهو المناخ الذي علينا أن نجعله يسود كل المجالات: الصحة، التعليم، الطاقة، السينما، المسرح، الاستثمار…الخ. هذه هي مهمتنا المستقبلية، اهتبال هذه الفرصة التاريخية التي أهداها إلينا المنتخب على طبق من ذهب، لأجل أن نسير بعيدا في مضمار التقدم والرقي، إذ ليس اعتباطا أن يكون شعار الجماهير المغربية وهي تشجع «الأسود» في الدوحة: «سير.. سير.. سير».
نافذة:
لقد جرفت الآلة الكروية المغربية القابلية للهزيمة وزرعت بدلا عنها القابلية للانتصار على حد قول المفكر الجزائري مالك بن نبي
#درس #الفوز #على #إسبانيا #رياضة #العرب #ArabsSport
تابعوا Tunisactus على Google News