دستور جديد.. تونس جديدة | صحيفة الخليج
د.محمد عزالعرب *
لا تزال الأزمة التونسية تتسم بحالة من التعقيد بعد مرور عام على قرارات الرئيس قيس سعيّد، بشأن الاستفتاء على الدستور الجديد، الوارد في 140 فصلاً موزعة على 12 باباً، وبما يمهد لإجراء انتخابات برلمانية مقررة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، في ظل تشرذم داخل الأحزاب السياسية .
هناك ثلاثة اتجاهات تحكم الأوضاع المتأزمة داخل الساحة التونسية، في هذا التوقيت، على النحو التالي:
1- تباين مجتمعي إزاء الاستفتاء على الدستور الجديد: هناك تباين حاد في المواقف تجاه الدستور الجديد. وفي الوقت الذي يدافع الرئيس قيس سعيّد عن مسعاه لسنّ دستور جديد للبلاد يعمل على تحقيق وحدة الدولة التونسية؛ حيث يرى أن الدستور المعتمد منذ عام 2014 أدى إلى «تفكيك الدولة»، وهو ما أوضحه في إجابته لأحد الصحفيين بتاريخ 21 يونيو/حزيران الماضي، توجد كتلة داخل المجتمع التونسي ترفض الاستفتاء على الدستور المزمع تنظيمه في 25 يوليو/تموز الجاري.
وفي هذا السياق، قال فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية: إن إجراء الاستفتاء «يعد تحدياً كبيراً في وضع سياسي متقلب»، الأمر الذي يثير التساؤل بشأن فرضية نجاح الاستفتاء.
وهناك اتجاه يرى إمكانية تمرير الاستفتاء ليس لوجود جبهة داعمة لقرارات الرئيس سعيّد؛ بل استفادة الرئيس والحكومة من الانقسامات القائمة في معسكر المعارضة، وتحديداً بين قيادات اتحاد الشغل من ناحية و«النهضة» و«جبهة الخلاص» و«مواطنون ضد الانقلاب» من ناحية أخرى. وكذلك قد يتم تمرير الاستفتاء بعدما قررت قيادات اتحاد الشغل أن تترك لمنخرطيها وأنصارها حرية الاختيار والتصويت بنعم أم لا، بما يعطي نافذة فرصة للرئيس ومشروعه أن يرى النور.
استطلاعات الرأي تشير إلى أن هناك كتلة شعبية ضخمة مؤيدة للرئيس سعيّد سوف تؤيد الدستور. لكن البعض يتساءل عن مدى استجابته لتطلعات التونسيين وضمان الحقوق والحريات السياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فالمعلومات المتوفرة حول الدستور بسيطة تخص التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وتمديد ولاية الرئيس، وأن يكون الرئيس هو الذي يتولى تعيين الحكومة، وأن تكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس، وليس أمام البرلمان مثلما كان في دستور 2014، الأمر الذي أثار الجدل بشأن مستقبل المؤسسات الدستورية في البلاد.
إضرابات
2- تصاعد دعوات الإضرابات الفئوية في قطاعات مختلفة: وهو ما انعكس في قرار تنسيقية الهياكل القضائية التونسية خلال اجتماعها في الشهر الماضي، اعتبار 22 يونيو «يوم غضب وطنياً» وتعليق العمل بالمحاكم، احتجاجاً على إعفاء 57 قاضياً وقاضية من طرف الرئيس سعيد. فضلاً عن دعوة اتحاد الشغل، في 27 يونيو/حزيران الماضي، للإضراب في القطاع العام والوظيفة العمومية.
يضاف إلى ذلك الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على الحكومة التونسية بشأن حزمة الإصلاحات المؤسسية التي تشمل التحكم في الأجور الكبيرة، وإعادة النظر في سياسة الدعم وأعداد الموظفين في القطاع العام، مقابل برنامج إقراض يبلغ حوالي أربعة مليارات دولار.
غموض سياسي
3- جدل متزايد بشأن هوية حزب «العدل والإنجاز»: فقد أعلن القيادي المستقيل من حركة «النهضة» ووزير الصحة الأسبق عبداللطيف المكي في 29 يونيو/يونيو الماضي، عن تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «العمل والإنجاز»، وأن الحزب يحمل توجهاً وطنياً اجتماعياً محافظاً ديمقراطياً، ويضم في عضويته عدداً من الشخصيات السياسية وبعض القيادات السابقة المستقيلة من عضوية حركة «النهضة» ومن أبرزهم زبير الشهودي، وسمير ديلو، وجميلة الكسيكسي، ومعز بلحاج رحومة، وريم التومي.
وأشار المكي خلال الإعلان إلى أن المكتب السياسي للحزب سيتكون من 23 عضواً نصفهم من الشباب، وبأن تأسيسه جاء نتيجة للأوضاع السياسية المتأزمة التي تمر بها البلاد منذ 25 يوليو/تموز الماضي وحتى الآن.
وهو ما أثار التساؤلات حول ما إذا كان الحزب الجديد امتداداً لحركة «النهضة» أم أنه حزب مغاير لها، فهناك مؤشرات بأنه امتداد ل«النهضة»؛ حيث دارت المناقشات الأولى لتأسيسه بحضور رئيس الحركة راشد الغنوشي واتفاق قيادات الحركة على إيجاد كيان بديل، وهو ما يشير إلى الغموض بشأن هوية الحزب.
تعقيد متواصل
خلاصة القول، لا توجد مؤشرات توحي بالقدرة على تجاوز الأزمة السياسية التي تشهدها تونس منذ عام قريباً؛ بل تزداد تعقيداً. فالأطراف السياسية الداعمة للاستفتاء على الدستور لا تضمن مشروعية كافية للمشروع الرئاسي في الوقت الذي تنتفض قطاعات مهنية ووظيفية إزاء الوضع الاقتصادي والاجتماعي الضاغط، وهو ما قد تستغله التنظيمات الإرهابية للقيام بعمليات تمس الأمن والاستقرار؛ حيث أعلنت وزارة الداخلية التونسية في 24 يونيو/حزيران الماضي، عن إحباط عملية إرهابية كانت تستهدف نقطة أمنية أمام أحد المقارّ الحساسة، لكن دون تحديد لهذه المقارّ أو مقرها، واكتفى البيان بالإشارة إلى أن هذه كانت محاولة من أحد العناصر الإرهابية وتم إلقاء القبض عليه قبل تنفيذ هجومه. لكن مع ذلك ترى قوى سياسية وشعبية وازنة أن نجاح الاستفتاء على الدستور يعتبر خطوة مهمة على طريق استعادة الدولة وتخليصها من براثن الفساد والمحسوبيات وآثار تسلط حركة «النهضة» على مقدرات البلاد لسنوات، وتفتح آفاقاً لنهج سياسي جديد.
* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية
بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
#دستور #جديد #تونس #جديدة #صحيفة #الخليج
تابعوا Tunisactus على Google News