دليل سياحي استثنائي.. أسرار المدينة العتيقة في تونس بعين عاشقها
منيرة حجلاوي-تونس
تعد العطلة الأسبوعية شيئا مقدسا في حياة الموظف التونسي لأخذ قسط من الراحة بعد أسبوع شاق من الضغوط، غير أن جمال بن سعيدان كسر هذه القاعدة وكرّس راحته الأسبوعية للعمل دليلا سياحيا متطوعا يعرّف الزائرين بجمال مسقط رأسه المدينة العتيقة بتونس العاصمة.
انطلاقة الجولة تبدأ من باب بحر في ساحة النصر أحد أبواب المدينة العتيقة (الجزيرة)
“باب بحر” في ساحة النصروسط ساحة “باب بحر” في ساحة النصر أحد أبواب المدينة العديدة وعلى وقع خرير مياه نافورتها الجميلة ولهو الأطفال الأبرياء مع الحمام الذي غطى الساحة، التقى جمال المجموعة القادمة خصيصا من محافظة سوسة بالساحل التونسي، لتقوم بجولة بين أزقة المدينة الخلابة.
أول المعالم الذي وقف عنده جمال كان باب بحر، فراح بكل حرفية يعرّف الزائرين -الذين ضموا سياحا أجانب وتونسيين- بتاريخ هذا المعلم الذي شُيّد خلال فترة الاستعمار الفرنسي لتونس، لتنطلق الرحلة نحو متاهات المدينة عبر مسار اختاره “ابن تونس”، وهو الاسم الذي أطلقه جمال على نفسه.
الجولة تقود السياح في أزقة المدينة العتيقة بتونس (الجزيرة)
جولات زاخرة بالتراث والتاريخوفي العادة، يقوم السياح والزوار بجولة في الأسواق في المدينة العتيقة وما تحتويه من مقاهٍ ومطاعم شعبية ومحلات لصناعة اللباس التقليدي التونسي وبيعه مرورا بجامع الزيتونة لإلقاء نظرة خاطفة عليه، مسار يعتبره جمال كلاسيكيا لا يفي المدينة حقها ولا يكشف أسرارها المخفية التي لم تُرو بعد.
ويعمل جمال (35 سنة) دليلا سياحيا متطوعا منذ عشر سنوات بالتوازي مع وظيفته في شركة خاصة للاتصالات، وهو الذي ترعرع وكبر بين حارات المدينة العتيقة وكبر معه عشقه لها، فترجم عشقه في البداية بالتقاط الصور ونشرها على صفحته على تطبيق إنستغرام.
ولقيت الصور التي يلتقطها جمال بلمسته ونظرته رواجا وجعلت المعجبين يطلبون منه مرافقتهم في جولات سياحية يعرّفهم بمدينته الزاخرة بالتراث والتاريخ ويلقي على مسامعهم القصص الحقيقية والخرافات الكامنة خلف أبوابها.
حارات المدينة العتيقة تتميز بجدرانها البيضاء وأبوابها ونوافذها الزرقاء (الجزيرة)
لغة بسيطة وأسلوب جذابوبعيدا عن ضجيج الأسواق، مر جمال ومجموعته بدار الشريف الضاربة بالقدم والتي أنشئت منتصف القرن التاسع عشر، وصنفها المعهد التونسي للتراث معلما أثريا وتاريخيا، وتتميز الداربواجهة ذات طابع إيطالي، ثم أخذوا قسطا من الراحة على باب دار الأصرم التي أنشئت في العهد الحسيني والتي أصبحت حاليا ملكا لبلدية تونس.
أمام كل معلم يقف جمال يسترجع مع أفراد مجموعته تاريخها وتاريخ من عاشوا فيها من بايات ودايات (أمراء وقادة عسكريين) وشخصيات حكمت تونس، يطلعهم على قصصهم ورواياتهم بلغته البسيطة وأسلوبه الجذاب الذي لا يشعر مرافقه بالملل وينسيه تعب ساعات طويلة من المشي.
مقامات الأولياء الصالحين من بين أشهر معالم المدينة العتيقة بتونس (الجزيرة)
قصص الأزقة والشوارع القديمةماريتا سائحة إسبانية قدمت مع المجموعة للتعرف على المدينة العتيقة بتونس، جذبها تأثير الحضارات والثقافات المختلفة التي تعاقبت عليها، وقد لمسته من خلال الهندسة المعمارية والزخارف على معالمها الأثرية، ولم تخفِ سعادتها لسماع قصص من تعاقبوا على الأزقة والشوارع القديمة التي مروا بها.
أما صديقتها وابنة بلدها مارينا فقد أحبت كثيرا هدوء حارات المدينة المختلفة عن الأسواق والشوارع المكتظة بالناس والضجيج، كما سحرتها طريقة البناء التقليدية للمدينة خاصة وهي تدرس الهندسة المعمارية.
حارة مطرب الخضراء التاريخ الحديث للمدينة كان حاضرا ولم ينس جمال أن يطلعهم على الحارة التي عاش فيها مطرب الخضراء -كما يُلقّب- الراحل علي الرياحي وعلى محل النجارة الذي صوّر فيه أشهر مسلسل درامي تونسي “الخطاب على الباب” على مدار موسمَين سنتي 1996 و1997 وعُرفت شخصية صاحب المحل باسم “صليح”.
منازل المدينة العتيقة بتونس ضاربة بالقدم (الجزيرة)
إعلاء قيمة التراث اللامادي لتونسيشبّه “ابن تونس” علاقته بالمدينة العتيقة بعلاقة الابن بوالدته ولا يتخيل نفسه بعيدا عنها، حيث اعتاد التجوال وحده في أزقتها خلال الأيام التي لا يرافق فيها مجموعات الزائرين، يكتشف أسرارا جديدة لم يكتشفها بين حاراتها الضيقة وجدرانها ناصعة البياض ونوافذها وأبوابها الزرقاء التي تتدلى منها كل أنواع الزهور والورود.
وإضافة لعمله دليلا سياحيا متطوعا، ينشط جمال أيضا مع جمعية “قرطاجينا”، التي تعمل على إعلاء قيمة التراث اللامادي لتونس -مثل اللغة والطعام والأمثال الشعبية- من خلال تنظيم جولات سياحية إلى المتاحف والمناطق الأثرية وندوات صحفية بهذا الشأن.
ولجولات الجمعية خصوصيات تختلف عن غيرها، فلكل جولة موضوع معين، فتارة يختارون موضوع أساطير المدينة ومرة مقامات الأولياء الصالحين، فالمدينة زاخرة بالحكايات التي لا تنتهي.
الهدوء والسكينة والهندسة المعمارية للمدينة العتيقة تسحر السياح الأجانب (الجزيرة)
عشقه للمدينة العتيقة أوقع السياح بحبهاوغيرة منه على مدينته، يعمل جمال على كتابة مقالات عبر موسوعة ويكيبيديا لتصحيح المعلومات المنشورة حول المدينة العتيقة وللتعريف بها على أحسن وجه بعد التثبت من كل المعطيات من المصادر الرسمية.
محبته الفائقة لمدينته جعلت سكانها يكنون له مشاعر الحب والاحترام، ويصف سفيان الشاهد صاحب مكتبة في المدينة نشاط جمال بالمبادرة الطيبة، مؤكدا “أن عشق جمال للمدينة العتيقة منذ الصغر جعل كثيرين يقعون في حبها”.
أما رئيسة جمعية “قرطاجينا” آمنة ميزوني فتتحدث للجزيرة نت عن فخرهم وسعادتهم بانضمام جمال لهم، فهو “يتمتع بموهبة فريدة وخطابة مميزة عند الحديث عن المدينة وفي سرد قصصها للزائرين”.
الصورة من المصدر : www.aljazeera.net
مصدر المقال : www.aljazeera.net