- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

ذكرى فريد الأطرش.. فنان أدخل فن الأوبريت الغنائي للسينما المصرية

كانت السيدة اللبنانية علياء المنذر، والدة فريد الأطرش، فنانةً ذات صوت جميل، تغني، وتعزف على العود، وتجيد أداء الأغاني التي اشتُهرت في عصرها.. وقد ورث منها فريد وشقيقتُه “آمال” (أسمهان) جمالَ الصوت وعذوبته. دخلت علياء مع أطفالها الأراضي المصرية بوساطة الزعيم الوطني سعد باشا زغلول، الذي كان صديق عائلة الأطرش، وأعطاهم شقة في حي الفجالة بالقاهرة. وهناك، صارت علياء تعمل في إحياء بعض الحفلات من أجل إعالة الأطفال، وفريد يرافقها، وأثناء ذلك تعلم عزف العود، ونبغ فيه، ويمكن أن نستبق التاريخ قليلًا فنقول إن فريد تقدم، في سنة 1962، إلى مسابقة لعازفي العود العرب والشرقيين، أقيمت في تركيا، وفاز بالمرتبة الأولى، واكتسب، منذئذ، لقبَ أحسن عازف عود في العالم، وبجدارة.

كان يسهر في تلك الشقة بحي الفجالة (بحسب ما يروي عادل السيد، رئيس رابطة محبي فريد الأطرش) لفيفٌ من أهل النغم، أمثال فريد غصن، ويوسف بدروس، وزكريا أحمد، وداوود حسني. سمع داود حسني صوتَ فتاة تغني لعبد الوهاب وأم كلثوم وسيد درويش، فأرهف السمع، وقال:
ـ مين دي؟
وعندما حضرت البنت آمال الأطرش، أبدى إعجابه بما سمع، وقال:
ـ صوت جميل قوي، فَكَّرني بصوت بنت كنت تبنيتها من فترة، اسمها: أسمهان. وللأسف البنت ماتت.
وأطلق عليها اسم أسمهان، وفي ما بعد أصبحت من أهم مطربات عصرها، بألحان شقيقها فريد الذي لحن لها 17 أغنية، ومحمد القصبجي، وزكريا أحمد، ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب.
إضافة من عادل السيد: أغنية أسمهان ليالي الأنس في فيينا، ألحان فريد الأطرش، (1941) حققت ارتفاعًا في عائدات السياحة في فيينا 30%.
بربع قلب!
أصيب موسيقار الأزمان فريد الأطرش، وهو في أواسط العقد الرابع من عمره بمرض القلب، وسادت في الوسط الفني فكرة أن هذا المبدع الكبير يعيش بربع قلب.. وهناك حادثة شهيرة ملخصها أن طبيبه الخاص منعه من إحياء حفلة شم النسيم، ذاتَ ربيع، وتدخل شقيقُ فريد وقال للطبيب: إذا حصل شيء لفريد على مسؤوليتك.. وقبل أن يرد الطبيب؛ حسم فريد الجدل قائلًا إنه سيحيي الحفل على مسؤوليته هو.. وأحياه بالفعل، والعجيب أنه تألق، خلال ذلك الحفل، وبدا وكأنه يعيش بقلب كامل، سليم.
إبداع كبير وأخلاق عالية
عندما تجري إحدى المحطات التلفزيونية مقابلة مع فريد الأطرش، تظهر شخصيته التي تتصف بالذكاء الشديد، والثقافة الموسيقية العالية، والتواضع، والتلقائية، والطيبة، والاعتداد بالنفس، بالإضافة إلى المرح. وهذه الصفة الأخيرة، أقصد المرح، لا بد أن يفاجأ بها المشاهد وهو يعرف كم من الحزن والشجن في شخصيته وصوته ومجمل أغانيه.. ولعل من أكثر الحكايات دلالة على حزنه أنه قرأ في إحدى الصحف، سنة 1962، قصيدة كتبها مأمون الشناوي في عيد ميلاده، يقول فيها:
عُدْتَ يا يوم مولدي.. عُدت يا أيها الشقي
الصبا ضاع من يدي.. وغزا الشيب مفرقي
ليت يا يوم مولدي.. كنتَ يومًا بلا غد
فاتصل به، واستأذنه لكي يلحنها ويغنيها.

صدمة رحيل أسمهان

أسمهان

تسأله المذيعة ليلى رستم، في حوار يعود إلى سنة 1967، عن سبب حالة الحزن التي تسيطر على مجمل أغانيه، فيجيب قائلًا إن رحيل شقيقته أسمهان (سنة 1944) أورثه حزنًا لم يستطع منه براء طوال حياته، ويضيف مستدركًا أنه، خلال مسيرته، قدم أغاني مرحة كثيرة، منها يا “سلام على حبي وحبك” مع شادية، وغيرها، فلماذا يتحدث النقاد عن أغانيه الحزينة، ويهملون تلك الكوميدية المرحة؟

الاستعراض الغنائي

سامية جمال

التواضع الجَمّ الذي يمتلكه فريد الأطرش في شخصيته لم يكن ليمنعه من معرفة قدر نفسه. إنه فنان قادر على تلحين أغنية خلال نصف ساعة، أو في بضع دقائق، ويسير هذا اللحنُ بين الناس في زمانه، ويستمر بعد ذلك في أزمنة لاحقة.. يلحن الأغنيات الشعبية، والأوبريتات الضخمة التي تحتاج إلى العشرات من الآلات الشرقية والغربية والعازفين.. وفريد، بالمناسبة، أول من أدخل فن الأوبريت الغنائي إلى السينما المصرية، هذا الفن لم يكن معروفًا قبل فريد.. وفي أواخر أيام حياته أجري معه لقاء سئل فيه عن سبب توقفه عن الاستعراض الغنائي في السينما، مع أنه “ملك الاستعراض”، فقال ممازحًا كعادته: يومها كان في ملكية، وكنت ملكًا. اليوم جمهورية!.. ثم انتقل إلى الجد فقال إن الأفلام الاستعراضية بحاجة إلى مجهود موسيقي، وغنائي، ورقصات، وملابس، ومناظر، وديكورات مكلفة، وعدا عن التكاليف، يجب أن تكون الأمور متكاملة، من قصة، وإخراج، وتصوير، ومن مؤدين، ومدرب الرقص، والفتاة الأولى، والفتى الأول.
وهنا يشيد فريد الأطرش بسامية جمال، التي تمتلك حضورًا جميلًا، وخفة ظل، وذكاء لم يكن ليتوفر لدى غيرها من الراقصات على المسرح، فالمسرح يختلف عن السينما بالطبع.
إذا جمعنا الصفات الأساسية الثلاث الموجودة في شخصية فريد الأطرش، وهي التواضع والصدق والمرح، مع بعضها، نستطيع أن نفهم قوله لليلى رستم، في تلك المقابلة، إنه أحب في حياته خمس نساء، وكلهن لا يعرفن بذلك، لأنه لم يفاتح أيًا منهن بحبه، خشية أن ترفضه فتؤذي برفضها مشاعره.
(لا يذكر حبه لشادية، مع أن عادل السيد يقول إنهما تحابا، في فترة من الفترات، وكانا على وشك الزواج).
يقول المخرج الكبير يوسف شاهين: في سنة 1956، كنا قاعدين في البيت لا نجد شيئًا نأكله، بسبب الحرب، والفيلم السابق (يقصد: ودعت حبك) توقف عرضُه، فحقق خسارة لا يستهان بها. وفجأة اتصل بي الأستاذ فريد ودعاني إلى بيته. نحن نعلم أن بيت فريد مفتوح دائمًا، وفيه طعام وشراب، ومَن كان يريد مالًا كان فريد يعطيه، من دون حساب. ذهبت، وكان البيت يغص بالمدعوين، وقال لي: ما رأيك بفكرة فيلم جديد؟ وعرض عليّ فكرته، وهي التالية: (رجل يجري، وناس يجرون وراه، يمسكه رجال البوليس، ويسألونه عن سبب جريه، فيقول: عاوزين يجوزوني)!! وبالفعل، كانت تلك فكرة فيلم “أنت حبيبي”، وكان أبو سعود الأبياري حاضرًا، وبدأ يكتب السيناريو..

يعلق عادل السيد على ما رواه يوسف شاهين بقوله: وأنتج الفيلم بالفعل، والطريف في الأمر أنهم أضافوا إليه أغنية “زينة زينة”، بعد الانتهاء من تصويره ومونتاجه، وقد أجريت العمليات الفنية لهذه الإضافة ببراعة، حتى أصبحت الأغنية وكأنها جزء أساسي من نسيج الفيلم.

حكايات ذات قيمة
أولًا: يروي الناقد الفني عبدالرحمن طاحون حكاية أغنية “الربيع” التي كتبها الشاعر مأمون الشناوي، تحدث فيها عن فصول السنة الأربعة، وقدمها لأم كلثوم. قرأتها، وكالعادة، وضعت عليها ملاحظاتٍ أصابته بخيبة أمل. ولدى مغادرته منزلها، التقى بصديقه فريد، فدعاه إلى بيته، وهناك أسمعه القصيدة، فأعجب بها، ولحنها، وضمها في سنة 1949 لفيلم “عفريتة هانم”.
ثانيًا: للمغني الفرنسي الشهير، أنريكو ماسياس، لحن مقتبس من ألحان فريد الأطرش. وأما المغنية الفرنسية مايا كازابيانكا (1941 ـ 2013)، فأخذت من فريد أغنية “يا جميل”، وغنتها، واشتُهرت بها، وأصبحت تحمل لقب “عشيقة فريد الأطرش”.
ثالثًا: الموزع الموسيقي العالمي فرانك بورسيل (1913 ـ 2000) أخذ من فريد أربع مقطوعات موسيقية هي: نجوم الليل، وحبيب العمر، وليلى، وزمردة، ووزعها، وأصدرها في أسطوانة، وأصبحت تباع في الأسواق الغربية وعليها اسم فريد. وحينما التقى فريد بـ بورسيل قال له:
ـ أنا استمعت من قبل إلى مقطوعات شرقية كثيرة، ولكنني اكتشفت أنها مقتبسة من الغرب، فلم أُقدم على توزيعها، وأما أنت فتقدم أشياء شرقية بحتة.
رابعًا: نقلًا عن عادل السيد؛ عندما أنتج فيلم “انتصار الشباب” (1941)، كان فريد الأطرش في بداية مشواره الفني، عمره 24 سنة، وكان سيناريو الفيلم يتضمن 12 أغنية لفريد وأسمهان، وأراد المنتج أن يأتي بالملحنين الكبار المعروفين في تلك الأيام، عبد الوهاب، والقصبجي، وزكريا، والسنباطي، ولكن فريد أصر على أن يلحنها جميعًا، وقد كان ذلك، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا.
خامسًا: في 24 مارس/ آذار 1970، منح الرئيس جمال عبدالناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لفريد الأطرش.
سادسًا: لم يُعرف عن فريد الأطرش أنه سَرق، أو اقتبس، أو استعار لحنًا من أحد، ولا حتى ضمن ما يعرف بتوارد الخواطر.. وفي ذلك العصر، كانت تطرح في الصحافة مسألة تشابه الألحان، والاقتباس، والتأثر، وكلما أثيرت قضية يذكر فيها اسم لحن لفريد، يتضح أن الطرف الآخر هو الذي اقتبس من فريد، وليس العكس.

- الإعلانات -

#ذكرى #فريد #الأطرش #فنان #أدخل #فن #الأوبريت #الغنائي #للسينما #المصرية

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد