عُرف فن الراب في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط باهتمامه بقضايا المجتمع الأساسية كالتشغيل والتعليم والصحة، وكان مجموعة من مغنيي الراب في هذه البلدان يركزون اهتمامهم على نقد تعامل السلطة مع هذه القضايا، ومنهم من اقتحم “طابوهات فنية” بلغة فيها رسائل سياسية مثيرة للجدل، ما جعل بعضهم يدفع الضريبة غاليا.
وفي أحيان معينة، كان فن الراب في المنطقة يتجه نحو مواضيع أخرى أقلّ حدة، أو اختار بعض المغنيين تبني لهجة مهادنة بل ومؤيدة للسلطة تحت مبرر الوطنية، غير أن عدداً من المنتسبين لهذا النوع الغنائي الذي يجمع قاعدة جماهيرية واسعة، انزلقوا به من قضايا تهم المتتبع، إلى تبني لغة منحدرة في سياق المعارك الكلامية بين البلدان، وآخر ذلك ما انتشر ممّا يسمى “حرب الكلاشات” بين عدد من مؤديي الراب بين المغرب والجزائر.
معركة بين الطرفين تبنت لغة بذيئة مسيئة للجانبين معا، واجتهد كل طرف في البحث عن أفضل زاوية يسجل فيها هدفا على الطرف الآخر، فتم اللجوء إلى عبارات مسيئة فيها الكثير من التعميم وإلى محاولة ضرب تاريخ وثقافة وحاضر كل بلد، وهناك من كان يعمم بعض الظواهر على مجتمع الدولة “الخصم”، وهناك من يشتم بلداً بأكمله بناءً على سلوك قادته.
ويبقى استخدام ما يُعرف بـ”كلام الشارع” أو كلمات قدحية في أغاني الراب أمراً معروفاً منذ مدة، وهناك من يدافع عن ذلك باعتباره جزءاً من هوية فن يحاول أن يكون مباشرا ومعبرا عن أهواء الشباب دون رقابة ودون تحفظ، غير أن الجديد هذه المرة هو استخدام هذا الغناء لأجل الزيادة في نيران الخلافات بين بلدين جارين، تعيش علاقتهما الكثير من التوتر على خلفية عدة ملفات.
مغنون يشاركون
وانخرط في الحملة مغنون لهم جمهور واسع، منهم الجزائري “ديدين كانون16″، الذي أعلن مؤخرا عن توقفه عن المشاركة في الحملة، بعدما كان من الأوائل الذين ساهموا في اندلاعها، ومنهم كذلك الجزائري “تراب كينغ” الذي نشر بدوره فيديو مليء بالسب لرموز المملكة وللشعب المغربي، وسمح يوتيوب بوجوده رغما عن ذلك.
وفي الجانب المغربي، شارك في بداية الحملة مغني اسمه “حليوة” كان يرد على “ديدين كانون16″، لكن المغني “دون بيغ” الحائز على وسام ملكي، ساهم في إشعال التوتر “الغنائي” أكثر، عبر مقطع قصير تضمن عبارات بمضمون عنيف ومسيء، وعاد ليحرض أكثر على الاستمرار في الحملة، واعدا منافسيه الجزائريين بمبلغ مادي إذا ما قاموا بـ”قصفه” بمقطع قوي يحوز على إعجابه.
(تدوينة لناشطة مغربية انتقدت بشدة إقحام الأمهات والأخوات في هذه المعارك “الغنائية” بين الطرفين)
واعتمد “البيغ” على خبر نشرته بعض المواقع عن أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي اشتهر مؤخرا باتهامات متواصلة ضد المغرب، أعلن عن مكافأة لأي مغني راب يرّد على “البيغ”، لكن الخبر مصدره صفحة على فيسبوك لا تعود لأي مؤسسة إعلامية، ونشرت معه صورة لحشد كبير، يظهر جليا أنها التقطت قبل جائحة كورونا.
مغنون يرفضون الانخراط
غير أن عددا من المغنيين، رفضوا أن يساهموا في هذه الحرب الكلامية ولو بـ”ستوري” واحدة على انستغرام وفيسبوك. منهم المغربي “إل كراندي توتو” الذي كتب على انستغرا: الأمر يتعلّق بتفاهات لا تزيد الأمور إلا سوءاً”، مضيفا: “هناك ما يكفي من المشاكل بين البلدين، وليست هناك ضرورة لإضافة جرعات من الكراهية بين الشعبين“.
من جانبه، نشر المغربي جواد أسرادي، المعروف باسم “بوز فلوو”، مقطعاً غنائياً تضمن انتقادا شديدا بكلمات من قاموس الشارع للطرفين معا المشاركين في الحملة، معتبراً أن المشاركين لا يعبرون عن الوطنية، بل عن البروبغندا.
مغني الراب المغربي “لزعر”، يحيى السملالي كان ممّن تجاهلوا هذه المعارك
كذلك رفض العديد من المغنيين الآخرين من الجانبين المشاركة في الحملة أو حتى اتخاذ موقف بشأنها، ومنهم الجزائريين رياض بوروباز ورووفا وفوبيا، والمغاربة ديزي دروس ومسلم ولزعر وغيرهم.
وتبقى الحروب الكلامية بين مؤديي الراب أمرا معروفا منذ مدة، وهي ما تسمى في أعراف هذا اللون بـ” بيف” (Beef) ووقعت حتى بين أبناء البلد الواحد، ويتذكر المغاربة ما جرى قبل مدة بين ديزي دروس ودون بيغ، كما يمكن أن تحدث بين مغني راب في بلد وآخر في بلد ثاني، ويكون فيها التراشق شخصي وكل واحد يحاول التقليل من القيمة الفنية للآخر.
غير أن هناك من حول هذه الحروب إلى واجب وطني تباح فيه كل الجمل والكلمات لغرض واحد هو محاولة إقناع الجمهور أنه انتصر على الآخر، وسط دعوات مستمرة من مغاربة وجزائريين كثر إلى ضرورة تجاوز كل ما يجري من توتر.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
المغرب يدعم الثورة الجزائرية
عند اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في نوفمبر 1954 سارع ملك المغرب محمد الخامس آنذاك إلى دعم حركة المقاومة، وبادر على مدار سنوات إلى استضافة قادة الثورة، مؤكدا على أن تحرر الجزائر هي قضية مركزية للدول المغاربية. وفي ظل تعاطف شعبي كبير، تمّ جمع التبرعات وفُتحت الحدود أمام الثوار الجزائريين، ما ساهم في رفد الثورة الجزائرية بالمال والسلاح.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
حرب الرمال
صفو العلاقات تكدر في العام 1963، حين اندلعت “حرب الرمال” بين البلدين الجارين بسبب مجموعة حوادث حدودية. وكان ذلك بعد عام على استقلال الجزائر لتستمر “حرب الرمال” عدة أيام تاركة شرخاً حقيقيا في العلاقات.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
المسيرة الخضراء ساهمت في توتر العلاقة
عبر “المسيرة الخضراء” في 1975 والتي شارك فيها 350 ألف مغربي، بسط المغرب سيطرته على الصحراء الغربية. وفي آذار/ مارس 1976 قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر بعد اعترافها بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية” التي أعلنتها جبهة بوليساريو.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
تحسن في العلاقات
في 26 شباط/فبراير 1983 التقى الملك الحسن الثاني مع الرئيس الشاذلي بن جديد على الحدود الجزائرية المغربية. ساهم هذا اللقاء في عودة حرية التنقل بين البلدين، كما أُعلن عن ذلك في أبريل/ نيسان من العام ذاته. ثم في أيار/مايو تمّ الاتفاق على السماح تدريجيا بتنقل الأشخاص وبحرية نقل السلع بين البلدين وفتح الخطوط الجوية وسكك الحديد.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
فرض تأشيرة واغلاق الحدود
في 16 آب/أغسطس 1994 استنكرت الرباط تصريحات الرئيس الجزائري اليمين زروال التي اعتبر فيها أن الصحراء الغربية “بلد محتل”. وفي 26 آب/ أغسطس فرض المغرب التأشيرة على جارته الشرقية عقب هجوم استهدف فندقا في مراكش قُتل فيه سائحان إسبانيان على يد إسلاميين متطرفين. واتّهم المغرب قوات الأمن الجزائرية بالضلوع في الهجوم، فيما أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
تقارب وجفاء
في 25 تموز/يوليو 1999 شارك الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مراسم جنازة الملك الراحل الحسن الثاني في الرباط. لكن بداية التقارب سرعان ما نسفته مجزرة أوقعت 29 قتيلا في جنوب غرب الجزائر، اتّهم بوتفليقة على خلفيتها المغرب بتسهيل تسلل إسلاميين مسلّحين إلى بلاده.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
عودة اللقاءات
لقاءات بين الرئيس بوتفليقة والعاهل المغربي محمد السادس، أسهمت في “كسر الجليد” قليلاً. ففي تموز/يوليو 2011 أعلن ملك المغرب تأييده لإعادة فتح الحدود البرية ولتطبيع العلاقات. وهو ما ردّ عليه الراحل عبد العزيز بوتفليقة معرباً عن “عزمه إعادة تعزيز العلاقات لما فيه مصلحة البلدين”.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
دعوة لفتح صفحة جديدة
في كانون الأول/ديسمبر 2019 دعا الملك محمد السادس إلى فتح “صفحة جديدة” في رسالة تهنئة إلى الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
ملف الصحراء الشائك يتجدد
في كانون الأول/ديسمبر 2020 نددت الجزائر بـ”مناورات أجنبية” تهدف إلى زعزعة استقرارها متّهمة بذلك إسرائيل التي كانت قد وقعت مع المغرب “معاهدة تطبيع”، ضمن اتفاق ثلاثي أفضى أيضا إلى اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وفي 18 تموز/يوليو 2021 استدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب “للتشاور”.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
“اعادة النظر” بالعلاقات بين البلدين
في 31 تموز/يوليو الماضي، في خطابه بمناسبة اعتلاءه على العرش، أعرب ملك المغرب عن “أسفه للتوترات بين البلدين” ودعا إلى إعادة فتح الحدود البرية. لكن الجزائر قررت في 18 آب/ أغسطس “إعادة النظر” في علاقاتها مع المغرب الذي اتّهمته بالتورّط في الحرائق الضخمة التي اجتاحت البلاد.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
قطع العلاقات
في 24 آب/ أغسطس أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب “الأعمال العدائية” للمملكة ضد الجزائر “منذ استقلالها”، إلى غاية “استخدام برنامج بيغاسوس للتجسس على مسؤولين جزائريين ودعم حركة انفصالية” على حدّ قوله.
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
أسف مغربي لقطع العلاقات
وفي ردّ فعل رسمي، أعربت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج عن أسفها “للقرار الأحادي” الذي اتخذته الجزائر، معتبرة إياه قراراً “غير مبرر”، لكنه “متوقعا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة”، كما جاء في بيان الوزراة المغربية. (اعداد: علاء جمعة)