روث أساوا.. أسلاك تصل بين الحياة اليومية والكَوْن
“مُواطن من الكَون” لـ روث أساوا، (تصوير: بن ويستوبي/ من المعرض)
كانت روث أساوا في السادسة عشرة من عمرها، عندما اعتقلتها الحكومة الأميركية ضمن مئة وعشرين ألف أميركي من أصل ياباني بعد هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربور في هاواي. وهناك في المعتقل، درَست الفن على يد فنّاني رسوم متحرّكة كانوا محتجزين معها، ولكنّ خلفيتها اليابانية حالت دون أن تُكمل تدريبها على الرسم طوال مدّة احتجازها وترحيلها القسري من مكان إلى آخر طيلة ثلاث سنوات.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التحقت الفنانة اليابانية الأميركية (1928 – 2013) بمدرسة “بلاك ماونتن” في ولاية نورث كارولاينا التي كانت واحدة من المدارس القليلة التي تقبل الطلبة من غير البِيض، لتبدأ بإنشاء أعمال من أسلاك متشابكة ضمن تقنية طوّرتها انطلاقاً من حِرفة حياكة السلال التي تعلّمتها في رحلة إلى المكسيك أثناء طفولتها.
“روث أساوا.. مواطنة من الكون” عنوان المعرض الاستعادي الذي افتُتح في “غاليري أكسفورد للفن الحديث” شمال غربي لندن في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، ويتواصل حتى الحادي والعشرين من آب/ أغسطس المقبل.
آمنت بالفن كأداة لتجاوز العنصرية على أساس عِرقي وطبقي
يستمدّ المعرض عنوانه من رؤية الفنّانة حول التكامل بين التعليم والحياة المجتمعية والأُسَرية من جهة، وبين الفن من جهة أُخرى، من خلال عرض أعمالها التركيبية والنحتية، إلى جانب مختارات من رسوماتها وصورها الفوتوغرافية ومطبوعاتها التي نفّذتها منذ خمسينيات القرن الماضي، ومجموعة من الوثائق والرسائل والمتعلّقات الخاصة.
“الفن سيجعل الناس أفضل، سيمنحهم مهارات أكثر في التفكير وتحسين أي عمل أو أية مهنة يمارسونها. إنه يجعل المرء أكثر انفتاحاً”، مقولة تلخّص تجربة أساوا التي سعت إلى دور أساسيّ للفن من شأنه تثوير المجتمع وتغيير نظرة أفراده إلى الحياة، بحيث يندمج الفن بحياتهم اليومية، من أجل تجاوز العنصرية على أساس عِرقي وطبقي، والتي عانت منها لفترة طويلة، حيث نُظر إلى مواطَنَتها الأميركية باعتبارها منقوصة.
أساوا ــ التي وُلدت لأبوين عملا مزارعَيْن في جنوب كاليفورنيا، قبل أن تُجتثّ حياتها العائلية في سياق معاقبة الجاليات التي واجهتها الولايات المتحدة في الحرب ــ أنجبت ستّة أبناء وعاشت حياة أُسَرية مستقرّة مع زوجها المعماري الأميركي ألبرت لانيير (1937 – 2008)، واعتنت بحديقة منزلها التي كانت تذكّرها بمهنة والديها، كما برزت ناشطةً في إطار دعوتها إلى نشر التعلّم الذاتي للفن من خلال ورشة عمل أنشأتها في “مدرسة ألفارادو للفنون”.
في نهجها التجريبي الذي اتّبعته، قدّمت العديد من الدراسات حول اللون والشكل وتطوير الفنّ من خلال الحِرَف التقليدية متأثّرةً بالتراث المكسيكي، حيث استطاعت توظيف العديد من المواد البسيطة أو المهملة في الطبيعة في أعمالها، خاصة أوراق الشجر وجذوعه والمعادن والنسيج.
قدّمت أساوا، خلال الستينيات، منحوتات الأسلاك المربوطة بأشكال متفرّعة، بأنماط هندسية تجريدية ثلاثية الأبعاد تُحاكي مناظر في الطبيعة، كما قامت بتشغيل أسلاكها بالتيار الكهربائي ضمن خططها لنقل هذه النماذج إلى أحجام كبيرة يتمّ تشييدها في الحدائق والفضاءات العامة.
كُرات معلّقة في السقف أو مثبّتة بالأرضية تنتشر في فضاء المعرض بأشكال مختلفة تقترب من الكائنات البحرية، أو السِلال، أو الشبكات العنكبوتية، أو القِباب، أو الأشجار، إلى جانب رسوماتها بالألوان المائية والزيتية التي تؤطّر من خلالها الطبيعة بدوائر وقطرات بيضوية تعتمد في تكوينها على التلوين الذي يشكّل كتلاً متجانسة ومتناغمة في تدرّجاتها وتداخلاتها.
الطبيعة والعمل الكادح والشاق والعائلة هي أركان تجربة أساوا التي لم تغادر لحظة اعتقالها وتشتيت أُسرتها، حيث بدأت بحثها عن تلك الأشياء، وآمنت بأن الفن له وظائف جمالية وتعليمية وقدرة على تطوير العمل والمِهَن؛ وبغير ذلك لا يمكن للإنسان أن يكون مواطناً صالحاً في هذا الكَون.
#روث #أساوا #أسلاك #تصل #بين #الحياة #اليومية #والكون
تابعوا Tunisactus على Google News