سحب الثقة من الغنوشي أم سعيد أم مشيشي؟
راشد الغنوشي لم تعد له أية مصداقية خاصة داخل حزبه وهو ليس جزء من الحل في الأزمة السياسية الحالية سواء في مجلس النواب أو في حركة النهضة، و ما دفعه برئيس الحكومة هشام مشيشي باتجاه الضغط أكثر على رئيس الجمهورية قيس سعيد و تجاوز كل الخطوط الحمر إنما يأتي في إطار تنازع صلاحيات مع هذا الأخير و صراع طويل معه ينذر بعواصف أخرى قادمة.
بقلم توفيق زعفوري
خلال اليومين الأخيرين، تسارعت الأحداث و التصريحات، و تعالت أيضا أصوات المفسّرين من أهل “الجماعة و السنة” كل حسب انتمائه و موقعه من الصراع الدائر بين مؤسسات متهالكة لدولة على شفى الإنهيار، “رغم وجود ثلاث رئاسات” ! و مع انسداد أفاق الحل، في علاقة بأزمة التحوير الوزاري الأخير، تدفع الأطراف الثلاثة نحو المجهول أو الهروب إلى الأمام، بين رئيس الجمهورية قيس سعيد المتمسك بمبدأ الطهورية و الشفافية، في علاقة بأداء اليمين، مع ما نلاحظه من توقف للمؤسسات في عمق أزمة اقتصادية و اجتماعية و صحية، و فشل “الوساطة” الأخيرة يدفع رئيس الحكومة هشام مشيشي في عملية إحراج واضحة للرئيس باتجاه أخذ رأي المحكمة الإدارية في التحوير الوزاري الأخير و إمكانية أداء اليمين من عدمه. و لكن يبدو أن رئيس الحكومة يلعب آخر أوراقه، إما قبل الاستقالة أو قبل المرور بقوة باتجاه تمرير الحكومة الجديدة لكن من طريق شعاعية بعيدة عن قرطاج…
الركض الجماعي نحو الهاوية السياسية
اليوم المشيشي المدعوم من حركة النهضة و إئتلاف الكرامة و قلب تونس يجد نفسه رغم خطوات التريث و الحذر مدفوعا بسرعات أكبر نحو الهاوية السياسية خاصة بعد تداول الرأي الدستوري لعياض بن عاشور و أمثاله، و سياسيا من عياض اللومي الذي ذهب بعيدا جدا في عملية استعراضية تحريضية ليست من بنات أفكاره، إلى ضرورة عزل الرئيس، و هي بالنسبة له مسألة مبدأ، و السبب هو التعطيل و خرق الدستور، على أساس أن الدستور كان سليما معافى ظاهرا ذي عذرية و الرئيس سعيد فقط من خرقه و أساء إليه رغم كونه الضامن و الحامي الوحيد للدستور في غياب المحكمة الدستورية!
عوض ترتيب البيت الداخلي و تنقيته من الشوائب و الشبهات، يكمن الحل في رأي البعض في قتل الأب لأنه أصر على النظافة و الالتزام بالبروتوكول الأخلاقي في بيته، بعبارة أخرى إما أن تمر هذه الحكومة بكل ما شابها من جدل و اتهامات – باطلة أو حقيقية – و إما أن نهدم المعبد على من فيه بدءً بالمحراب…
نحن نتابع الشأن العام و الخطاب السياسي و نستغرب تصريحات من يعتبرون أنفسهم متمرسين بالسياسة لو قريبين من دوائر اتخاذ القرار و على دراية أكثر من غيرهم بمجريات الأمور، و لكن تصرفاتهم و خطاباتهم و خاصة صراخهم لا يوحي بتاتا بانهم ساسة و أنهم يستحقون أن يكونوا من مشرعي القوانين التي تضبط أمور العامة و الخاصة، إنما هم فقط جاهزون للإنقضاض على الدولة و مؤسساتها من أجل مصالحهم.
رئاسة الحكومة و في آخر تحيين لها في علاقة بالأحزاب، تقول إن 147 حزبا مهددين بالحل لأنهم لم يودعوا نقاريرهم المالية، ثم إن 5 أحزاب فقط من أصل 227 حزبا قدمت تقريرها المالية، و أن أغلبها ممول بطريقة غير شرعية و أن النهضة و قلب تونس و ألفة التراس، و الكلام لمحكمة المحاسبات، تعاقدوا مع أطراف خارجية، أي أن وجودهم في البرلمان باطل و غير شرعي و لا مشروعية له، و هو خرق كبير للدستور و لقانون الأحزاب و ضرب لتقرير هيئة الانتخابات و أيضا لنتائجها، أي أن الحديث عن خرق الرئيس للدستور في ظل هاته المَفسَدة الكبيرة إنما هو مجرد تضليل و مزايدة و مصادرة على المطلوب…
الغنوشي دفع بالمشيشي في أتون عش الدبابير
تحتد الأزمة السياسية مع تزايد الضغط على رئيس البرلمان و رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي و التلويح بسحب الثقة منه للمرة الثانية، بعد استكمال إمضاءات 73 نائبا، القائمة اللازمة لإيداع اللائحة في مكتب ضبط البرلمان مع تواتر أخبار مفادها إمضاء بعض النهضاويين عليها، و خاصة نائبه الأول طارق الفتيتي التي تتجه النية إلى تعيينه مكانه تنقية لأجواء باردو و منعا لمزيد من الاحتقان و الاختناق…
الرجل لم يعد ذي مصداقية خاصة من حزبه و ليس جزء من الحل سواء في باردو أو مونبليزير، و ما الدفع بالمشيشي باتجاه الضغط أكثر على قرطاج و تجاوز كل الخطوط الحمر إنما يأتي في إطار تنازع صلاحيات مع الرئيس و صراع طويل مع الرئاسة بدأ منذ 22 ماي 2020 و تدخل الغنوشي في السياسة الخارجية بتهنئة فايز السراج على استعادة قاعدة الوطية، و منذ ذاك التاريخ لم تهدأ الحرب أو تضع أوزارها بين باردو و قرطاج.
أما المشيشي الذي يرى أنه أكثر أمانا و تحصينا فقد دُفع به في أتون هذا العش، عش الدبابير، حتى لو تكلف ذلك انهيار تونس و تحطم مؤسسة الرئاسة أو ربما يطمح أيضا إلى عزل الرئيس، بعدما وصل الأمر إلى التفكير في إمكانية استقالة رئيس الحكومة مع استحالة استعفاء أو إقالة أو التراجع خطوة إلى الوراء أو إرجاع الأمانة بعد استحالة التواصل بين الرجلين…المشهد السياسي مفتوح على جميع الإحتمالات إلا إحتمال عزل الرئيس، رغم بعض الهنات، فهو يفتح أبواب الجحيم على أزمة إجتماعية تبعثر أوراق جميع السياسيين و تعيدنا إلى المربع الأول و تضع على الطاولة تغيير نظام الحكم كأولوية أساسية..في انتظار معجزة….
تابعوا Tunisactus على Google News