سر الساعة التونسية التي تدور عقاربها عكس الزمن

تزين صومعة الجامع الكبير في مدينة تستور بمحافظة باجة شمال غربي تونس، ساعة فريدة من نوعها تعيد رسم الزمن بطريقة معكوسة بدورانها من اليمين إلى اليسار، بعكس الساعات العادية التي تدور من اليسار إلى اليمين، هذه الساعة توقفت عقاربها لقرون عدة وعادت للدوران بعد جهود كبيرة سنة 2014، وقد بناها المهندس محمد تغارينو سنة 1630، وهو أندلسي الأصل أخذ تستور التونسية موطناً جديداً له بعد خروجه قسراً من موطنه الأصلي.

ويقع جامع تستور الكبير وسط المدينة العتيقة، عند ملتقى محاورها الرئيسة، ويجمع في فرادة متميزة التقاليد المحلية الأفريقية والتقنيات الزخرفية والهندسية الأندلسية في طابع بناء بسيط وخلاب يدل على تنوع الحضارات في هذه المدينة الصغيرة.

أمل العودة

ويفسر المؤرخون الدوران العكسي لعقارب ساعة تستور بأن المهندس تاغرينو أراد أن يعطيها طابعاً عربياً إسلامياً باعتبار أن الكتابة العربية تتم من اليمين إلى اليسار والطواف حول الكعبة الشريفة يتم من اليمين إلى اليسار أيضاً.

إلا أن رواية أخرى حول هذه الساعة العجيبة تقول، إن الأندلسي محمد تاغرينو اختار أن تتجه عقارب الساعة إلى الأندلس، وأن تسير مسار دوران الدم في جسم الإنسان تعبيراً منه عن حبه وحنينه إلى بلده الذي هجره قسراً.

الساعة التي تثير استفهامات حول سبب اتجاهها العكسي  (موقع تونس بالفرنسية)

وفي بداية القرن الـ 17، أمر فيليب الثالث ملك إسبانيا بعد إعادة سيطرة الإسبان على السلطة، بتهجير كل الموريسكيين الذين رفضوا اعتناق المسيحية ومنهم المهندس محمد تاغرينو، فسكنوا شمال أفريقيا وعاش كثير منهم في مدينة تستور شمال غربي تونس، لكنهم ظلوا يحتفظون بمفاتيح منازلهم في الأندلس على أمل العودة، وبلغ عدد الوافدين منهم إلى تونس أكثر من 80 ألف مهاجر جاءوا من “قشتالة”، و”أرقون”، و”قاتالونيا”، المدن الأندلسية الشهيرة من بلاد إيبار المسيحية.

ووصف الباحث في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية زهير بن يوسف، ساعة تستور أنها “من أبرز علامات المدينة المعمارية والجمالية قلما لفتت انتباه الدارسين إليها، إنها تلك الدرة الأثرية التي ترصع تاج حاضرة الموريسكيين الأثيلة في تونس، نعني ساعة الجامع الكبير الجِدارية تلك التي أطلقت منذ حوالى ثلاث سنوات ونصف السنة مبادرة تسجيل لها في قائمة التراث العالمي لليونسكو”.

وواصل بن يوسف حديثه عن الساعة التي اعتبرها فريدة، قائلاً “يعد تأسيسها حدثاً كبيراً في العالم الإسلامي باعتبارها أول ساعة جدارية عصرية بخاصة أن العرب المسلمين كانوا يرجعون لهذه الساعة لاحتساب توقيت مواعيد الصلاة”.

والمثير للإعجاب بحسب بن يوسف، أن “نجمة سداسية أو ما يعرف بخاتم سليمان، رمز الديانة اليهودية، تعلو صومعة الجامع أي فوق الساعة”، وهذا بحسب اعتقاده دليل على أن مؤسس الجامع والساعة في الوقت نفسه كان منفتحاً على كل الديانات، ولم تكن لديه أي مشكلة مع الديانات الأخرى”، ووصف بن يوسف الأمر بـ”قمة التسامح التي قد تصعب رؤيتها في أيامنا الحالية”. 

عقارب الساعة تعود إلى الدوران

 بقيت ساعة تستور حسب الباحث زهير بن يوسف، لقرون عدة متوقفة عن العمل إلى أن فقدت عقاربها، ووفق الباحث، فقد “بذل عبد الحليم الكوندي وهو تونسي ابن مدينة تسنور من أصل أندلسي، أقصى جهده لإيجاد حل لإعادة الحياة للساعة الجدارية، اقتناعاً منه أنه لا يوجد أي عذر لبقائها معطلة على النحو الذي كانت عليه، وكأنه لم يرد لعقارب الزمن أن تتوقف في تستور فكان له ما أراد”.

ولسنوات عدة، جال عبد الحليم الكوندي في مختلف مدن العالم التي تحتضن ساعات مماثلة على غرار مدينة براغ التشيكية، وتمكن من إقامة شراكة مع السفارة الألمانية في تونس قصد تنظيم تظاهرة ثقافية لجمع التبرعات، ونجح في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 2014، بالتعاون مع جمعية صيانة مدينة تستور في إكمال أعمال الترميم وإعادة تشغيل هذه الساعة الرمز، وإعادة عقاربها إلى الدوران.

وتشهد مدينة تستور في محافظة باجة شمال غربي تونس هذه الفترة ارتفاعاً في نسبة السياحة الداخلية مع بداية جني الزيتون المشهورة به المنطقة، ومهرجان الرمان.

 ويقول بن يوسف إن المدينة تعد مكاناً محبذاً للتونسيين وتعرف استقطاباً سياحياً كبيراً، لكن فقط من داخل تونس، ويطمح الباحث في أن تحظى المنطقة بترويج في الخارج باعتبار أنها تتمتع بميزات كبيرة على المستويين الثقافي والحضاري وعلى المستوى البيئي وجمال الطبيعة أيضاً.