سطح القمر… موقع خيالي في تونس يطرق أبواب العالمية
مشهد لجزء من موقع “سطح القمر” في تونس (العربي الجديد)تبذل جمعيات مدنية في مدينة تطاوين جنوب تونس، جهداً كبيراً للتعريف بموقع “سطح القمر” أو ما يُعرف بـ “عين شرشارة”، والذي تمّ اكتشافه في منطقة الصمار جنوب غرب البلاد. ويجري العمل على الترويج لهذا الموقع المتميّز والفريد من نوعه، وإيصاله إلى العالمية، والتعريف بخصائصه الجيولوجية المشابهة لسطح القمر. كما يملك موقع “عين شرشارة” المشابه لسطح القمر، مميزات جيولوجية من نوعية الصخور التي تمتدّ على مساحة 5 كيلومترات مربعة، ما يشكل مشهداً فريداً من نوعه، بحسب الباحثين.ويسعى رئيس جمعية القصور السهلية بالصمار، الهادي بن جديان، إلى تحويل منطقة “عين شرشارة” أو “سطح القمر”، وفق التسمية الجديدة، إلى موقع عالمي لحصص التصوير الفوتوغرافي، معوّلاً على الخصائص الفريدة التي تتميز بها المنطقة. يقول بن جديان لـ”العربي الجديد”: إنّ “موقع عين شرشارة الشبيه بسطح القمر اكتُشف صدفة سنة 2008 حيث كانت هذه المنطقة معزولة تماماً وغير آهلة بالسكان، ويصعب الوصول إليها بسبب غياب مسالك أو طرقات معبدة، تربطها بالقرى المحاذية لها”. ويضيف أنّ “غرابة المناظر الطبيعية والنتوءات الصخرية في المنطقة، حفّزت الباحثين على إجراء دراسات وحفريات، أثبتت تشابهاً بين صخور عين شرشارة وسطح القمر الحقيقي”، مؤكّداَ أنّ خصوصيات المنطقة يمكن أن تُحوّلها إلى قبلة سياحية عالمية مهمة. غير أنّه انتقد عدم اهتمام السلطات المحلية بالمنطقة، حيث تغيب عنها أبسط مرافق الحياة التي يُمكن أن تحتاجها الوفود السياحية التي تتنقل إليها، خصوصاً وأنّ التسهيلات تُشكّل عاملاً مهمّاً لجذب السياح. ويشير إلى أنّ نشطاء في المجتمع المدني يعوّلون على جهودهم الشخصية لتعريف العالم على المنطقة، ويعملون على الدخول في شراكات مع جمعيات دولية تهتمّ بهذا الصنف من الظواهر الطبيعية الفريدة من نوعها. وخلصت البحوث التي قام بها بن جديان إلى عدم وجود أيّ مثيل للمنطقة في صحراء تونس ودول شمال أفريقيا، مطالباً باهتمامٍ رسمي أكبر بموقع “سطح القمر” الذي يعاني من الإهمال الشديد. ويضيف أنّ “المجتمع المدني يبذل أقصى جهده، ويعمل بكل طاقاته، للتعريف بالمنطقة، وإدراجها ضمن المسالك السياحية العالمية”. ويرجح أن يعود تاريخ المكان المكتشف إلى العهد الترياسي أو الثلاثي (وهو أول العصور الثلاثة وأقصرها من حقبة الحياة الوسطى).
وتتميّز المنطقة، بحسب بن جديان، بصخور قمرية متنوعة تشبه أحياناً أشكال الفطر ذات نقوش متنوعة. يترواح ارتفاعها من 10 الى 120 سنتيمتراً. وهي تمتدّ على مساحة 5 كيلومترات مربعة. يشير إلى أنّ المكان يمكن أن يتحوّل إلى موقع عالمي لجلسات التصوير، ويرجّح بن جديان أن يكون عمر الموقع 200 مليون سنة، والذي يتزامن مع العصر التّرياسي الذّي شهد ظهور الديناصورات، والتي من الواضح أنّها تبرزها الحفريات الموجودة بالمنطقة.ويؤكّد أنّ الصخور الموجودة في موقع “سطح القمر” أو “عين شرشارة”، اكتسبت شكلها الحالي المشابه لسطح القمر نتيجة انجراف الرياح والمياه، ولوجودها في موقعٍ منخفض بين الجبال، بحسب ما أظهرت بحوث علمية قام بها باحثون بديوان المناجم.وعلى الرغم من أهميّته التاريخيّة والجيولوجية، يقول بن جديان إنّ الموقع اكتشف من قبل أهالي المنطقة وجمعيات مدنية. فقد لاحظت ولفتت نظرها الخصوصيات الفريدة للمكان الذي غيّروا اسمه من “سبخة عين شرشارة” إلى “سطح القمر” في إطار مساعٍ للخروج بالمنطقة إلى العالمية والتعريف بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بنشر الصور التي تبرز تفرّدها وتميّزها.ووسط غياب الدعم الرسمي لموقع “سطح القمر” كما لفت سابقاً خلال حديثه مع “العربي الجديد”، يتكفّل الهادي بن جديان بإعداد لافتات توجيهية لإرشاد الزائرين حول طرق الوصول إلى الموقع. ويؤكد أنّ المنطقة بدأت تجذب المستثمرين الذين عبّروا عن رغبتهم في إقامة مناطق ترفيهية واستراحات تساعد على جذب السياح. إلا أنّ جائحة كورونا أدّت إلى تأجيل كافة الجهود التي كان يُعمل عليها لتطوير المنطقة.وتحاول جمعيات مدنية، في جنوب تونس، طَرق أبواب العالمية، عبر التعريف عن الاكتشافات الطبيعية التي تساعد على تحويل القرى الجنوبية إلى مناطق جذب سياحي، وذلك عبر استخدام عدّة طرق أهلية وتكنولوجية وغيرها.تجدر الإشارة إلى أنّه في وقت سابق، حظيت مناطق جنوب تونس باهتمام عالميّ، وتحولت إلى مواقع تصويرية لأفلام سينمائية على غرار “فيلم حرب النجوم” للمخرج الأميركي جورج لوكاس الذي حوّل موقع “عنق الجمل” في مدينة نفطة، في عمق الصحراء التونسية، من مكان صوّر فيه أكثر مشاهد الجزء الأول من فيلم الخيال العلمي “حرب النجوم”، إلى مزار سياحي عالمي.
ويأخذ الموقع اسم “عنق الجمل” من أحد الأشكال المنحوتة طبيعياً بذلك المكان، ويحتوي الموقع على تجسيم لـ”موس أسبا” (وهو ميناء الفضاء “موس إسبا” في كوكب تاتوين الخيالي، حيث دارت العديد من المشاهد الرئيسية لفيلم حرب النجوم). ويُعتبر ديكور فيلم “حرب النجوم”، إرثاً ثقافياً وسياحياً وعالمياً مهمّاً في صحراء تونس، إضافة إلى اعتباره شرياناً اقتصادياً بالغ الأهمية في عمق الجنوب. فقد ساهم المخرج جورج لوكاس في إعادته إلى الواجهة من خلال فيلمه الشهير، بعد انعزالٍ دام عقوداً. غير أنّ الإهمال وزحف الرمال أصبح يهدّد بدفن ديكورات “حرب النجوم”. هذا الأمر دفع بوزارة السياحة التونسية وجمعيات غير حكومية عام 2014 إلى إطلاق حملة دولية بعنوان “أنقذوا موس أسبا”. هذه الحملة كانت هدفت إلى جمع تبرعات مالية بمبلغ 300 ألف دينار تونسي (نحو 111462 دولارا) بهدف إنقاذ وترميم المدينة الخيالية التي طمرت الكثبان الرملية المتحركة أجزاء منها. كما رصدت السلطات التونسية حينها 160 ألف دينار (59446 دولارا) للبدء في أشغال إنقاذ وترميم الموقع.