- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

سعيّد ومغامرة “الحكم القاعدي” في تونس | القدس العربي

مع موعد انطلاق الاستشارة الإلكترونية حول الدستور التونسي الجديد المقررة في الأول من كانون الثاني/ يناير، حسب السقف الزمني لإجراءات الرئيس التونسي الذي كشف عنه في خطابه يوم 13 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يبدو أنّ تونس ستدخل عاما جديدا، من المتوقع حسب المحللين أن يشهد صراعاً محتدماً بين الرئيس ومعارضيه، في ضوء استمرار الرئيس التونسي في إجراءاته التي يحاول من خلالها فرض مشروعه المعروف بـ”البناء القاعدي”، الذي راوده منذ ما قبل عام 2011، وروّجت له حملته التفسيرية منذ عام 2019، عبر حملات توضيحية في مناطق مختلفة من البلاد، قبل أن يبدأ بوضع الأسس لتطبيقه بعد “إجراءاته” التي بدأها في 25 تموز/يوليو الماضي، والتي وُصِفَت من قبل معارضيه بالانقلاب.
لو أردنا في قراءة سريعة سرد أهم مرتكزات هذا “النظام القاعدي”، في سبيل توضيح خباياه، لوجدنا أنّه يقوم – بالنسبة للحالة التونسية – على تنظيم الانتخابات بالاقتراع على الأفراد في دورتين، وفي أصغر الدوائر التي يطلق عليها اسم “العمادات”، وهي أصغر التقسيمات الإدارية في تونس، ليتم تصعيد ممثل عن كل معتمدية إلى مجلس محلي، ومن المجلس المحلي يتم اختيار عضو عن طريق قرعة ليجلس في المجلس الجهوي للولاية، الذي يبلغ عدده 24 مجلساً جهوياً، وهو عدد الولايات في تونس، كذلك يتم اختيار عضو ثان من كل مجلس محلي عن طريق القرعة، لتمثيل المعتمدية في مجلس نواب الشّعب، ليكون بذلك عدد نواب الشعب 265 نائباً، على اعتبار أن عدد المعتمديات في تونس يبلغ 265 معتمدية.
وفي إطار هذا النظام تتكفّل المجالس المحلية بالتخطيط لمشاريع التنمية المحلية، وتتمتع بصلاحيات تسمح لها بمراقبة السلطات التنفيذية بالمنطقة، مع صلاحية التدخّل للتدقيق عند الضرورة، كما للناخبين في كل عمادة الحقّ في سحب الثّقة من نائبهم، إن خان وعوده، عن طريق عريضة يتم تقديمها من طرف نسبة معيّنة منهم. وعلى الرغم من كل ذلك، تُؤخذ على هذا النظام الفريد من نوعه مجموعة من النقاط الإشكالية يمكن توضيحها كما يلي:
أولى هذه النقاط، التي يمكن وضعها على هذا النظام، أنه لا توجد فيه انتخابات تشريعية، أي أن البرلمان الذي يضم نوّاب الشعب لن ينبثق عن انتخابات مباشرة، فمجلس النواب يتشكّل ممن يقع تصعيدهم من المجالس المحلية ثم الجهوية بالقرعة، وتتمثّل مهمته في تقديم المقترحات والمقاربات ومشاريع الحلول، ورسم السياسات العامة وإصدار القوانين، من دون أن يكون له دور في مراقبة السلطة التنفيذية، خصوصاً السلطة التنفيذية التي يترأسها رئيس الجمهورية، الذي يُعيّن حكومة لا تملك أي سلطة تقريرية أيضاً على اعتبار أنّ وزراءها نفسهم من اختيار الرئيس، وهي تعود له دون سواه بالمشورة، وتجتمع برئاسته وتنفذ إملاءاته، وهو من يقيّم أداءها ويحاسبها بعيداً عن الشعب. من جهة أخرى تعترض هذا النظام، إشكالية مهمة وهي الإلغاء العملي لدور الأحزاب، إذ يمنع هذا النظام الأحزاب من استغلال الموعد الانتخابي للدعاية لبرامجها ولقياداتها، لذا يرى العديد من المختصين والباحثين، أنّ هذا النظام في شكله وظاهره ديمقراطي ينطلق من العمادات والمحليات، ولكن في جوهره يفتح الطريق أمام حكم فردي تسلّطي مطلق، لا يُحاسب ولا يُعاقب، كونه يختزل كل السلطات لدى الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب، من دون أن تكون للمجالس المحلية والجهوية أو مجلس النوّاب أي سلطة عليه، فلا توجّه له اللوم ولا تقاضيه ولا تعزله، كما أنّ هذا النظام في جوهره يُشكّل عملية تحايل على الديمقراطية، لإزاحة الأحزاب السياسية والأيديولوجيات من الواقع السياسي، على اعتبار أنّ الأحزاب السياسية هي العنوان الأبرز للأنظمة الديمقراطية، إذ لم يعد مفهوماً أو مقبولاً أن ينشأ نظام سياسي على أساس ديمقراطي، من دون أن يُطلق الحريات الحزبية. كما أنّ هذا “البناء القاعدي”، الذي ينطلق من المحلي نحو المركز سيُعيد إنتاج الصراعات السياسية التي شهدتها تونس خلال الفترة الماضية، ولكن على نطاق أوسع بكثير، فتعدّد مراكز صناعة القرار قد يُشكل في حد ذاته عائقاً أمام اتِّخاذ القرار، وقد يتحوّل الاختلاف بين هذه المراكز إلى صراعاتٍ واسعة ومتواصلة حول السلطة، خصوصاً في ظل المجتمع التونسي، الذي ما زال يعاني من الانقسام الثقافي والقبلي والعشائري والمناطقي، ومن التباينات الطبقية والثقافية، فضلاً عن انعدام قدرة هذا النظام على الاستجابة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية، التي أتت بها الثورة في ظل غياب نقاش مجتمعي حقيقي واسع النطاق حوله. لذا من المتوقع أن تكون تونس في ظل هذا النظام مسرحاً لنزاعات متعددة الأبعاد، ستقود إلى عودة سيطرة رأس المال وتكريس الجهوية والفئوية، خصوصاً في ما يتعلّق بجمع التزكيات، ولاسيّما في الأوساط الفقيرة وبين الفئات الهشة، فيزداد المجتمع تمزقاً، وتزداد الدولة اضطراباً ويسود عدم الاستقرار.

نظام جديد في شكله وظاهره ديمقراطي ينطلق من العمادات والمحليات، ولكن في جوهره يفتح الطريق أمام حكم فردي تسلّطي مطلق

في حصيلة ما سبق، يمكن القول إنّه، في ظل هذا المشهد، ينتظر تونس عام جديد من المتوقع أن يشهد معارك سياسية حامية الوطيس لأسباب عديدة، منها ما يتعلّق بآليات تنفيذ هذه “الإجراءات”، ومنها ما يتعلّق بنتائجها، التي يرى فيها البعض محاولات لتغيير هيئة الدولة التونسية بكاملها، وفقاً لرؤية وأهداف قيس سعيّد المنفردة، التي تقوم على سلطات واسعة للرئيس وتقليص دور البرلمان مقابل إحداث مجالس حكم محليّة أشبه ما تكون بنظام “المؤتمرات الشعبية” التي كانت قائمة في ليبيا، زمن نظام العقيد معمر القذافي، فخصوم الرئيس باتوا على قناعة تامة بأنّ الرئيس سعيّد بكل “إجراءاته” بات يتحرك بمنطق البديل لا بمنطق الشريك، وبالتالي فإن نتائج المسار الذي يسلكه بالتدريج لن تقف عند حدود فرض نظام سياسي ودستوري جديد كأمر واقع، بل سيتعدّاه إلى تغيير هيئة الدولة ومنظومة الحكم ككل، بما في ذلك تهميش دور الأحزاب والمجتمع المدني، وصولاً إلى تكريس الحكم الفردي التام، وهذا ما لن تستكين له القوى والنخب التونسية، بما في ذلك الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى.

*كاتب سوري

- الإعلانات -

#سعيد #ومغامرة #الحكم #القاعدي #في #تونس #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد