صالح بكري: أسعدني حضوري بفيلمين لبنانين وقريباً يُعرض فيلم «المُعلِم» عن اعتقال أطفال فلسطين
قصتي فلسطينية ومعها القضايا الإنسانية على كوكبنا
بيروت ـ «القدس العربي»: تعرّف جمهور المهرجانات السينمائية في لبنان قبل جائحة كورونا إلى الممثل صالح بكري من خلال عدة أفلام آتية من فلسطين أكثرها مع المخرجة آن ماري جاسر. ربما يكون فيلم «واجب» هو آخر تلك الأفلام. لكنه كممثل راسخ في الذاكرة في فيلم «الزمن المتبقي» لإيليا سليمان، وفيلم «ملح هذا البحر» لجاسر. فصالح بكري الإبن البكر للفنان المكافح محمد بكري يعيش شغفه المهني كممثل، تماماً كما يعيش حلمه الوطني الدائم بالتحرر من الاحتلال.
شكل صالح بكري مؤخراً مفاجأة جميلة لجمهور بيروت حين حضر على الشاشة الكبيرة بفيلمين متزامنين، ومع مخرجين من لبنان، وفي دور البطولة. حضوره جميل ومحبب. كما أن نطقه للهجة المحلية اللبنانية بدا سلساً. لم يُتح لبكري حضور افتتاح الفيلمين. فدون ذلك عقبات قد لا تكون مفهومة، كما أنها ليست مبررة من قبل المسؤولين عنها.
مع صالح بكري هذا الحوار:
○حضرت على الشاشة الكبيرة في لبنان بفيلمين معاً خلال هذا الصيف. ما هي الحكاية؟
•بدأت الحكاية مع المخرج ميشال كمّون سنة 2017 في فيلم «بيروت هولدم» الذي لم يأخذ حقّه في مهرجانات السينما العالمية. وأخرت جائحة كورونا ومن ثمّ انفجار مرفأ بيروت عرضه. وفي نهاية عام 2020 صورنا كوستابرافا، والصدفة وحدها أدت لتزامن عرضهما معاً في لبنان. إنه الترتيب الكوني. بالنسبة لي الأمر كان مفرحاً رغم البعد والقرب من بيروت. فالبعد ليس جغرافياً إنما سبّبه الاحتلال. لم أكن في صالات لبنان خلال افتتاح الفيلمين لكني شعرت بوجوي بينكم، رغم كوني متشوقاً لسماع الناس مباشرة، وماذا يقولون عن هذين العملين، نحن نقدم أفلاماً كي نتشاركها مع الجمهور ومن ثمّ نتلقى ردود أفعالهم، فهذا يساعدنا كي نتقدّم.
○هل كانت اللهجة اللبنانية بالمتناول؟
•مع ميشال كمون حيث كان الفيلم الأول والأطول كان في الأمر صعوبة. لم تكن اللهجة هي الأصعب بل الثقة بالنفس من أنني ممثل وحيال دور لبناني. وبالتالي أن أشعر بحريتي في التصرّف والتحدّث بطلاقة. الأمر اختلف تماماً مع فيلم «كوستابرافا» فالفيلم الأول جعل اللهجة اللبنانية أكثر سهولة عندي. أعتقد أن هذا طبيعي، فمزيد من ممارسة لغة أو لهجة يجعلها أكثر سهولة. حسرتي دائمة لواقع العالم العربي غير المفتوح بيننا. وهذا يجعلنا مقصيين عن التماس مع الثقافات واللهجات المتنوعة والثرية. فضوليتي بالتعلُم والتلاقي مع بقية الناس مقموعة. محروم كممثل من امتياز تعلُم لهجات بلداننا العربية. بينما هذا الامتياز يعيشه الممثل الفرنسي وكذلك الإنكليزي. وهذا الأخير يكتب في ملفه التعريفي أنه يتقن لهجة الـ«سكوتش، والإيرلندي، والأوسترالي، والأمريكي». وهكذا يصار للتعامل معه كقيمة مضافة له، بخلافنا نحن المحرومون من هذا الامتياز بحكم الحالة السياسية المبعثرة عندنا كعرب. كفنان أنا مع إتقان اللهجات المختلفة عربية كانت أم أجنبية. يمكنني القول أن التجربة في اللهجات المختلفة زادت ثقتي بنطقها وخاصة اللهجات الشامية، وحتى أبعد منها نحو تونس والمغرب والجزائر. بالنهاية نحن حيال لغة عربية ولهجات مختلفة تستدعي العمل والممارسة. يفترض أن يكتسب الممثل العربي الثقة بأن ينطق اللهجة العراقية، والمغربية والمصرية، خاصة وأنه يفهم اللغة ويحمل الثقافة نفسها. «بس جاي الأيام راح نكسر القيود ونصل ونحقق ما نريد».
○قال المخرج ميشال كمون أنه لم يكن يرى سواك في دور «زيكو». لماذا برأيك؟
•بالطبع شاهد أفلامي، رأيته في مهرجان دبي السينمائي وكان من ضمن المحكِّمين، وجذب انتباهي. أنه مخرج مثقف جداً سينمائياً وفنان حقيقي وأصيل. اتصل بي، وشرّفني وأسعدني أنه رآني في دور «زيكو». أن يختارني ميشال كمون فهذا تقدير لعملي. تواصل معي ومباشرة طلبت السيناريو، قرأته وأحببته جداً. انتظر ميشال كمون 12 سنة حتى أنجز فيلمه بعد تأمين الإنتاج.
○وماذا عن التواصل مع مونيا عقل في فيلم كوستابرافا؟
○التقيتها في أحد المهرجانات وتعارفنا. وكانت حينها بصدد كتابة سيناريو كوستابرافا. ويبدو أن حضوري أوحى لها بمشاهد لهذه الشخصية. وبعد فترة ليست طويلة أرسلت لي السيناريو فأحببته جداً. طلبت مونيا مني مرافقتها إلى «ساندنس وورك شوب» والذي من شأنه المساعدة في تأمين مصادر تمويل للفيلم. ففعلت، وسافرت من فلسطين إلى «يوتا» في غرب أمريكا لهذا الغرض، حيث جرى تطوير السيناريو والعمل على بعض المشاهد مع مونيا لكي تجرب العمل على فيلمها وتستلهم الأفكار.
○هل أثمر حضورك في ورشة العمل هذه بعرض عمل ما؟
•لا. اسمي معروف في السينما المستقلّة، وأفلامي تصب في هذه الخانة. لكن للأسف هذه السينما لم تأخذ حقها في عالمنا العربي. لكن تأثيرها يزداد وستكون لها مكانة أكبر مع الوقت. ربما تحتاج السينما العربية المستقلّة إلى منصة خاصة بها على الفضائيات العربية كي ننكشف لجمهورنا. للأسف حلُم المخرجين في السينما العربية المستقلة يتجه نحو المهرجانات الغربية. وهي تشكل التطلع الأول. والحلم ليس المهرجانات العربية رغم وجودها. للأسف مشهد السينما المستقلّة في بلادنا لم ينل حقه بعد.
○هل يجري التحضير لفيلم جديد؟
•صوّرت مؤخرا فيلماً فلسطينياً اسمه «المُعَلِم» مع المخرجة فرح نابلسي التي قدّمت فيلم «الهدية». «المعلم» هو فيلمها الطويل الأول، ومضمونه الأساسي اعتقال الأطفال على أيدي جيش الاحتلال في فلسطين. وهذه القضية لم تتعامل معها السينما الفلسطينية الروائية بعد بشكل واف، إنه الفيلم الروائي الأول الذي يطرح القضية بشكل بارز وقوي. نأمل أن يكون فيلماً ناجحاً.
○حققت فرح نابلسي نجاحاً جميلاً في فيلم الهدية؟
•حصد الفيلم الكثير من الجوائز في العالم. كما نجح في أن يخترق الغرب، وكان له حضوره في العالم العربي، حيث تمت مشاهدته من خلال منصة نتفلكس. حضور الفيلم في المهرجانات ونيله للجوائز يجعل الناس تراه. تشكل السينما وجهاً آخر للتعرّف إلى شعوب العالم. السينما هي الوسيط الأكبر الذي يعبّر عن الروح البشرية وعن المجتمع في أي مكان في العالم. تتيح لنا السينما أن نحكي قصصنا. وقصتي ليست مرتبطة فقط بفلسطين، رغم كوني فلسطينيا يحلم بأن يتحرر وطنه ليتمكن شعبه من التفكير بشكل حر. بالنهاية أنا ابن هذا الكوكب، وأي قضية إنسانية على سطحه تعنيني وبشكل كبير. لست متقوقعا أو منغلقا على نفسي وأرى من خلال قضيتي كافة القضايا الإنسانية التي تحتاج إلى علاج على هذه الأرض.
○عدوى محمد بكري انتقلت إلى صالح وزياد وآدم. هل قاربتم هذه العدوى بحب؟
•إنها عدوى سينمائية ذات شقين فني وكفاحي. أبي فنان مكافح ومناضل. اكتسبنا الكثير من خبرته في هذه الحياة. وهو بثّ فينا روح الكفاح والنضال، وبالوقت نفسه اكتسبنا منه الجانب الفني والإيمان بهذا الطريق. إنها طريق جميلة جداً ومؤثرة، تحرك وجدان الناس. طريق الفن تبث في صاحبها حب الحياة بمجرد شعوره أنه يبدع وينتج ويعيش، رغم كافة مسببات القهر والموت من حوله. تمنحه مشاعر الانتصار على ما يفرضه علينا واقع الاحتلال. هو انتصار على ثقافة الموت التي ينشرها الاحتلال، لأننا في المقابل نصنع ثقافة الحياة من خلال الفن. وهذا ما اكتسبناه من والدنا فناً وسياسة وكفاحاً، ونحن نفتخر ونعتز بمحمد بكري. نحن حوله وإلى جانبيه ومن خلفه، وسنده الكبير خاصة في معركته مع الاحتلال في قضية فيلم «جنين جنين». تلك المعركة التي بدأت سنة 2002 وتستمر حتى اللحظة. نحن لا نزال ننتظر قرار المحكمة العليا التي ستقول نتيجة دعوى الإسئناف التي رفعها والدي ضد المحكمة المركزية التي حكمت عليه بدفع شرفية حوالي 230 ألف شيكل «100 ألف دولار» تقريبا لجندي الاحتلال. تخيلي أن محكمة تحكم الفنان بتعويض شرف لجندي مجرم لأن الفيلم لطّخ سمعته؟ إلى هنا بلغت عنجهية المحتل الذي قتل في جنين بدم بارد 53 روحاً؟ القوي العنجهي يزداد وقاحة لأن أحداً لا يحاكمه على وجه الأرض، بل يدعمونه.
○ما هو انعكاس مقاطعتك لسينما دولة الاحتلال على مسيرتك؟
•أن يقاطع فنان فلسطيني يعيش تحت حكم الاحتلال كما حالنا في أراضي الـ48 مكرهين على حمل الجواز الإسرائيلي، فهو أمر كبير. أن تقاطع دولة الاحتلال التي هي سبب في حرماني من التواصل مع شعبي وتشتيت شعبي، وسرقة كافة موارد وطني، يماثل كوني أصدرت على نفسي حكماً بالمنفى. فعملي بات بغالبيته خارج حدود بلدي. بالنهاية نحن تحت الاحتلال وصناعة السينما تحتاج إلى دولة تدعمها. ورغم ذلك أقدم سينما وإن كانت الوتيرة بطيئة جداً مقارنة مع قدرتي على العطاء، ولهذا أقول بأني حكمت على نفسي نوعا ما بالمنفى. ولهذا بت أمضي سنوياً عدداً من الأشهر خارج البلاد، وأنا الآن أب لطفل بعمر السنتين والنصف، ومع وجوده بت أشعر بالصعوبة. لهذا الموقف ثمنه. إنها طريق نضال أستمر عليها إيماناً بخطي وموقفي.
○مقاطعتك سبقت زواجك فهل زوجتك داعمة لك في نضالك هذا؟
•هي على قناعة تامة بموقفي وتدعمه، لكنها مثلي مع وجود الطفل في حياتنا باتت تشعر بصعوبة أن تكون وحيدة لأشهر متواصلة على سبيل المثال. يمكن القول أن الحب ينتصر على كل شيء. نحن متعارفان منذ عشرين سنة، وهي من الجليل من قرية معليا. وزواجنا تمّ قبل أربع سنوات. نؤمن معاً بذات الأفكار والمبادئ. وهي تعمل في تصميم ديكور المسرح.
○في الأفلام الفلسطينية كم أنت فنان وكم أنت إنسان؟ وأين انت من الواجب الوطني؟
•مهم للغاية التزامنا بالقضايا الإنسانية، وبالوقت نفسه الانتماء للجانب الإنساني المتنور بكافة تفاصيله هو التزام سياسي. ليكون الإنسان فناناً عظيماً ليس شرطاً أن يكون ملتزماً سياسياً. لفيروز أغنيات ثورية وحماسية ملتزمة، وأغنيات أخرى تحكي عن الحب والعشق والجمال في الحياة. ولهذا فيروز فنانة عظيمة، وكل فنان عظيم يحمل هذه الصفات. محمود درويش كتب شعراً في السياسة. وكتب أبعد بكثير من فلسطين المكان والأرض. إنها روعة الفنان في أنه يحمل قضيته على كتفيه، وهي قضية ناس وشعب وأرض، وأن يحلق في سماء الحرية على أجنحة من خيال. إنها عبقرية الفنان. (وخلص للقول ضاحكاً) نطمح لنكون هكذا.
○هل من كلمة قالها لك محمد بكري لا تنساها؟
•كن أنت.
○هل يضغط المحتل لعرقلة حضورك في السينما العالمية؟
•أكيد، لأن الحركة الصهيونية عالمية وقوية، ولها تأثيرها الكبير في المجال الإعلامي تحديداً، والسينما أحد فروع الإعلام. إن لم يعرقلوا بشكل مباشر فهم بطريقة غير مباشرة مؤكد سيفعلون. لكن الحمد لله ما زلت أعمل، ومخرجو السينما المستقلة هم من يختارون الممثل وليس المنتج. في السينما التجارية حيث المال الكثير المنتج يقرر كل شيء، من هم الممثلون ومن هو المخرج وهؤلاء لا يحبون إغضاب الصهاينة فيتجنبون العمل معي. بالتأكيد في هذه الزاوية أنا مُعرقَل بسبب مواقفي. ولا يشرفني العمل مع منتج لديه مشكلة مع آرائي السياسية، وأفخر بابتعاده. الموقف من القضية الفلسطينية هو موقف أخلاقي بالدرجة الأولى.
#صالح #بكري #أسعدني #حضوري #بفيلمين #لبنانين #وقريبا #يعرض #فيلم #المعلم #عن #اعتقال #أطفال #فلسطين
تابعوا Tunisactus على Google News